نسب قبيلة اللواتية (5)


وقفة  مع جواد الخابوري في هجرة اللواتيا إلى السند 

مما يثير الاستغراب أن جواد الخابوري ذكر " ثم في سنة 93 للهجرة خرج بنو سامة مع غيرهم من العمانيين مددا لجيش محمد بن القاسم الثقفي " وفي موضع آخر يقول  " ثم في سنة 317 للهجرة هرب بنو سامة بن لؤي من عمان إلى السند على إثر تغلب القرامطة على حكمهم بعمان ولحقوا ببني أبيهم من بني سامة بن لؤي حكام الملتان ، قال ابن رسته في كتابه (الأعلاق النفسية " يقيم في الملتان قوم يدعون انهم من ولد سامة بن لؤي يقال لهم بنو منبه وهم الملوك على الهند وهم يدعون لأمير المؤمنين العباسي"  (1)  وهذا يجعلنا مناقشته تاريخيا  كما يلي: 

 ألف  : علاقة بنو سامة مع العباسيين كانت علاقة روحية ،وابن رسته لا يعطينا تفاصيل واضحة ، اكتفى بالقول يدعون لخطبة لبني العباس  ولكن لم يكن عسيرا أن ندرك هدف الأمير السامي في بناء هذه العلاقة الروحية حيث كانت ارهاصا لأهداف فاطمية مستقبلية فلم يكن مبررا لخطبة باسم بني العباس حيث انقطعت هذه العلاقة فور اعلان الامير السامي ولائه للفاطميين  وهذه الخطوة لم تكن لحظة عابرة للأمير السامي  بل كانت نتيجة خطة بعيدة المدى من الشيعة من بنو سامة وهذا الذي شجع  الاسماعيلين أن يكسبو جولات ضد بني العباس ، ويوطدوا علاقاتهم مع أمراء بني سامة . 

باء :- لم يستقر رأي جواد الخابوري متى خرج بنو سامة من عمان ، تارة يقول أن بنو سامة خرجوا مع حملة محمد بن القاسم الثقفي لفتح السند  وتارة يقول هرب بنو سامة إلى السند إثر تغلب القرامطة على حكمهم في عمان فالتحقوا ببني أبيهم بني سامة بن لؤي  بعد سقوط دولتهم في عمان ،  فأي من هاتين الروايتين نرجح ؟   ، فإذا قلت نرجح خروجهم مع حملة  فتح السند سنة 93 للهجرة ، فإن الظروف التاريخية التي كان يعيشها العمانيون وبنو سامة مع خلافة بني أمية لا يبرر خروجهم مع حملة محمد بن القاسم الثقفي كما إتضح لنا  والحدث التاريخي يبرره ظروفه ، بالنتجية لا دليل عند جواد الخابوري عن التواجد اللواتي في السند كان بسبب حملة محمد بن القاسم الثقفي إليها.

 جيم :  قبائل الأزد وحلفائهم من بني سامة شاركوا في إنهاء الوجود الفارسي والقرمطي من عمان ، فلماذ يهرب بنو سامة إلى الملتان  ؟  المصادر العمانية تنطق أن  للواتية أحفاد سامة بن لؤي  تعرضوا إلى هجمة  في مطرح  وضربت بيوتهم بمنجنيق الأخشاب و لم تقل هذه المصادر أنهم هربوا  أو هاجروا  إلى السند بسببها وهم أولى بالهجرة إلى بني عمومتهم في الملتان ، ولكنهم وقفوا مع الإمامة الإباضية في  طرد الغزاة  وهذه التضحيات كانت ومازالت محل احترام وتقدير من الجميع .

دال : أما عن جزئية رجوع اللواتية من السند إلى عمان لو سلمنا أن اللواتية رجعوا إلى وطنهم الأم "عمان" فيجب أن تكون هذه العودة بعد سقوط إمارة بني سامة في الملتان عام  375 هجري 985 ميلادي ، وهذه الجزئية وقع فيها اختلاف بين القوم منهم من قال كانت عودتهم في القرن الخامس عشر الميلادي 

 فلو سلمنا ذلك فأين ذهب بنو سامة بعد سقوط إمارتهم في الملتان في بداية القرن العاشر للميلاد،  فهناك فارق زمني كبير بين سقوط إمارة بنو سامة في الملتان في بداية القرن العاشر الميلادي  ورجوع اللواتية  إلى عمان في القرن الخامس عشر الميلادي  أي بعد 5  قرون فأين كان اللواتية خلال هذه المدة في السند أم في عمان ؟ فإذا قلت في السند فتحت ظل أي مملكة من الممالك الإسلامية عاشوا  بعد سقوط امارة  بني سامة في الملتان ؟  وإذا قلت كانوا في عمان فيستوجب إسقاط رواية رجوع اللواتية إلى عمان في القرن الخامس عشر للميلاد ،إذن الرواية ليس لها سند تاريخي معتبر.

 رواية نسب اللواتية إلى حكم بن عوانة .  

 قبل الحديث عن  بداية هجرة اللواتية من شبه القارة الهندية  إلى عمان ، سنتطرق إلى الرواية القائلة أن اللواتية هم  أبناء الحكم بن عوانة  والذي ذهب إليه أحد أبرز مثقفي قبيلة اللواتية  وهو الأستاذ  محمد بن تقي بن حسن (كمندر) (2)  ذكر محمد تقي حسن (كمندر) أن اللواتية هم بنو حكم بن عوانة بن عياض بن وزير بن الحارث بن أبي حصين بن ثعلبة بن خبير بن سلمة بن عامر بن ود بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات من بني كلب بن وبرة ابن حزم . استدل على ذلك ضمن أحداث تاريخية في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك كتبها على شكل مذكرات  يقول فيها ما يلي : 

 " أن الحكم بن عوانة كان والي الخلافة الأموية على السند بعد ما توفي والي السند تميم بن زيد العتبي ، ولاه خالد القسري والي العراق على السند ، قتل الحكم بن عوانة عام 122 هجري واما إبنه عوانة بن الحكم بن عوانة الكلبي فكان من التابعين واخيارها ، وقال ابن حجر في للسان "ومن ولد الحكم بن عوانة الكلبي قوم بعمان حين اقبلوا من السند يريدون الشام فنزلوا بمسكد (مسقط ) فاقاموا بها)  إلى هنا  انتهى كلام محمد تقي حسن (كمندر) .

نقف عند هذه الرواية لمناقشتها :- 

أولا : بطبيعة الحال أن محمد تقي حسن (كمندر)  مدح  عوانة ابن الحكم بن عوانة  واعتبره من الأخيار وأعتقد أنه  لم يغرد خارج السرب ، فإبن الحكم يعتبر من الرواة الثقات عند علماء الحديث وله كتب في سيرة بنو أمية ، وفي التاريخ ، وله ميل كبير للعباسيين وآل بيت النبي الخاتم (ص) ، وكان ممن ينادي بالجبر في الإرادة الإلهية  خاصة فيما يتعلق بالسلطة ، وقد ذكر أخباراً كثيرة عن أحوال المسلمين،  والفتوحات الإسلامية ولكنه لم يذكر يوما أن هناك نسل الحكم بن عوانة في مسقط ،  وهذا يدل أن شرط شهرة وجود  أبناء الحكم بن عوانه في مسقط غير متوفر حسب قواعد النسب عند النسابة.

 ثانيا : طالما  لم يقطع  عوانة بن الحكم بن عوانة  بين القديم والحديث  في فترة إسلامه بين تاريخ العرب قبل الإسلام والتاريخ الإسلامي في عصر الرسول الأكرم (ص)  فنحن نجد في كتاباته الفخر بالقبيلة،  وهذا ما عكست رواياته ،  فالقبيلة عنده وحدة اجتماعية متماسكة ، والوحدة هي الأساس في السياسة والاقتصاد والاجتماع ،  فشخصية كشخصية عوانة بن الحكم بن عوانة من مصلحته أن يذكر دور البطون التي تنتمي إلى بني كلب والمقيمين في مسقط  وهذا ما لم نجده عنده . 

 ثالثا : عوانة بن الحكم بن عوانة  يقر لمعاوية الخلافة وهي نقطة جوهرية في الصراع المذهبي عند الشيعة و عند الإباضية فكلا المذهبين على طرفي نقيض من خلافة بنو أمية  فهل يمكن أن يستقر الوضع الاجتماعي لأبناء الحكم بن عوانة في مسقط  وسط  توتر مذهبي ناهيك أن عوانة بن الحكم بن عوانة  عثماني الهوى ؟  الجواب مؤكد لن يستقر، والحال التاريخ يخبرنا  بالاستقرار والتحالف المذهبي بين بنو سامة الشيعة والإمامة الإباضية  في عمان ضد بنو أمية 

رابعا :  قال اليعقوبي (3) "فلما قتل الحكم بن عوانة بأرض السند تنازع خلافته عمرو بن محمد الثقفي وابن عرار فكتب إلى يوسف بن عمر وكتب بذلك إلى هشام  فكتب إليه هشام  إن كان عمرو بن محمد قد اكتهل فوله،  فمال يوسف بالثقفية إلى عمرو فولاه ، وأرسل إليه بعهده إليه فأخذ ابن عرار فحبسه وقيده  وبنى عمرو بن محمد بن القاسم المنصورة" ،يتضح من قول اليعقوبي أنه وقعت صراعات قبلية في السند في العصر الأموي بعد مقتل الحكم بن عوانة وهو ما اشار إلية محمد تقي حسن (كمندر) في مدونته ولكن اليعقوبي لم يذكر ماذا حدث لأبناء الحكم من بعده .

علما أن  وفاة اليعقوبي  كانت عام 897 هجري أي بعد وفاة ابن الحجر عام 852 هجري  ب 45 سنة ، وجدير بالذكر أن عوانة ابن الحكم بن عوانه لم يكن من أبناء قبيلة كلب الصرحاء (الصليبة)بل من الموالي حيث كان اجداده من موالي قبيلة كلب فكان جده لأبيه خياطا ادعى بعدما احتلم  بينما جدته لأمه كانت امة سوداء  لأل خريم بن فاتك الأسدي  فلذلك كان يكثر السؤال هل هم صليبة أم من انفسهم موالي (4) وكان عوانة بن الحكم يضع الروايات لصالح بنو امية  فمقتل مالك الأشتر قال قتل بجنود من عسل من عندالله (5) وقد ذهب ياقوت الحموي أن ابنه عياض بن عوانة عاش في الكوفة  وكان نحويا شاعرا  (6)

سادسا : ما ذهب اليه جواد الخابوري (7) " أن محمد تقي حسن  وقع في ورطة هي محاولتة لصوغ كلمة اللواتية من (اللات) ونسي أن اللات صنم كان لثقيف بالطائف" . إذا تتبعنا التاريخ في مسمى اللات وكلام محمد تقي حسن (كمندر) سنجد أن  جواد الخابوري غفل عن هذه النقطة المهمة وهي :

 اللات يعني يعجن العجين للحجاج واللات كان رجلا يحسن العجين للحجاج  فلما مات  جعلوا له ذكرى وقيل كان اسمه "صرمه بن عدم حسبما جاء في موسوعة ويكابيديا  هذا من جهة  ومن جهة أخرى أن محمد تقي حسن (كمندر)  لم يتطرق إلى أصل كلمة (لوتي) أنها مقتبسه من (اللات) في مذكراته ، بل  ذكر اللات ضمن سلسلة نسب  حكم بن عوانة ، فالطريق الذي سلكه  صحيح في ذكر نسب الحكم بن عوانة ، ولو قطع سلسلة أجداد الحكم  بن عوانة لما استطاع الاستدلال بنسب اللواتية إلى الحكم بن عوانة . .خلاصة القول :  أن القرائن والحقائق التاريخية لا تساعدنا في الاعتماد على  ما ذهب إليه الأستاذ محمد تقي حسن (كمندر) حول نسب اللواتية إلى حكم بن عوانة . والحمد الله رب العالمين

المصادر

(1) جواد الخابوري – نفس المصدر 49
(2) محمد تقي حسن (كمندر)  رحمه الله - يعتبر من الشخصيات  المهمة من الناحية الفكرية والتي لم تحظى باهتمام الكتاب المحليين بما كان يتمتع به من فكر وثقافة عالية جدا حيث كان يتقن اللغة الانجليزية بطلاقة الأمر الذي جعله يقوم بترجمة القرآن الكريم الى اللغة الإنجليزية وبعض الأدبيات الروحية كدعاء الصباح لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) .

(3) اليعقوبي – تاريخ اليعقوبي – جزء 1 ص 241    
(4) كتاب الوافي بالوفيات  ، صلاح الدين الصفدي  ،جزء 23 ص 101 - 102
(5) أنساب الأشراف ، البلاذري ، جزء 7 ص 107 
(6) معجم البلدان ، ياقوت الحموي ، جزء 16 ص 87
(7) الأدوار العمانية في القارة الهندية – المصدر السابق – ص 85


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير