العرب عاشوا ضمن منظومة اجتماعية كوحدة متماسكة لها موطنها الأصلي وموقعها الجغرافي بمياهه ومناخه ولم تكن ثمة قوة تسيطر عليها ولم تكن تخضع لأي دولة أو نظام سياسي بإستثناء بعض الدويلات التي قامت في شبه الجزيرة العربية ، كدولة الغساسنة بالشام والمناذرة بالعراق وإمارة نجد وكندة ، وما تعاقبت في الحكم على الجزيرة العربية والعلاقة التي كانت تربط بين هذه القبائل تارة علاقة العداوة من خلال غارات تقوم هذه القبيلة على القبيلة الأخرى لغرض سد النقص في المؤن وأسباب الراحة لأفراد القبيلة .
وتارة للإنعاش الإقتصادي للقبيلة من خلال رحلة الشتاء والصيف وفتح أسواق تجارية للتعارف بين القبائل بعضها بالبعض الآخر والتي ساهمت إلى حد كبير في تطوير حياة العرب سواء من الناحية الثقافية أو من الناحية الاقتصادية أو من الناحية الدينية او من الناحية الاجتماعية كسوق عكاظ الذي كان يربط بين مكة والطائف ويتبع لقبيلتي عدوان وهوازن وسوق ذي مجاز الذي كان يربط بين جبل عرفات ومنى وهو موقع جذب الحجاج الذين كانوا يرتادون للحج ، وسوق مجنة كان في مكة في ممرالظهران في مكان يعرف الآن (بوادي فاطمة) وهو مكان اجتماع الشعراء والأدباء ، كان بمثابة مكان للمناظرات الثقافية ولم يكن تجاريا ، وهو المكان الذي بدأ منه خاتم الرسل (ص) لدعوة العرب إلى اعتناق الدين الإسلامي.
هذه الأسواق ساعدت على الانفتاح الثقافي حيث كان يأتيها الناس من مناطق مختلفة وساعدت أيضا على نشؤ الفكر السياسي وكانت حلقة وصل بين الحضارات القائمة آنذاك كل هذه المشاهد قد انقضت والتي أعتبرت في التاريخ مجرد سرد للحوادث ولكي تحفظ ذكريات الماضي وتمجيدا لأفعال البارزة في حياة الأشخاص والأمم ونوع الثقافة اللازمة لإعداد الرجال للحياة الاجتماعية أو السياسية أو المخرجات الفكرية والأدبية وجد حينها علم التاريخ وهو ميدان كتب فيه كل الناس ، هناك من كتب القصص التي تتحدث عن واقع معاش الناس ، وهناك من كتب ليخبرك بما يجري عند بعض الشعوب من أعمال الشعوذة والمشعوذين والخرافيين ، وهناك من كتب عن رواة الحديث و نقلوا لنا المرويات الحديثية والتي أدت فيما بعد إلى ظهور علم الحديث.
والرواية التاريخية اعتقد الناس أنها ما يجب العمل بها ونكران هذه الروايات اعتبرها البعض انتهاك لقداسة الاشخاص ووالوقائع التاريخية دون تمحيص و دون قراءة ودون ضبط ، وعليه قصد الدارسون والبحاثة للوصول إلى الحقيقة التاريخية في ذاتها بقدر المستطاع
والفائدة تصبح قائمة على الوقائع الصحيحة والواضحة وأنا لا اعتقد أنكم لم تسمعوا عبارة إعادة كتابة التاريخ والتي صارت علامة مميزة لأيدلوجيات البشرية وبحسب المتطلبات الأيدلوجية بات التاريخ البشري يدعم الرؤى الأيدلوجية التي لم تكن تخلوا من المزاجية والاعتباطية المريضة وما أحسب أني بحاجة إلى القول بأنه لا يلمس الصعوبة التي يعانيها من يتصدى للكتابة في تاريخ بشرعاشوا قبل ظهور الدعوة الإسلامية بفترة ليست قصيرة.
طبعا أنا لا أدعي أنني أحطت بما لم يحط به غيري خبرا ، ولا أقول إنني وفيت الموضوع بكافة جوانبه ولكنني أستطيع القول أنني أحد العاملين في سبيل إظهار حقائق تاريخية غابت عن أذهان الكتاب والمهتمين الذين سطروا بأقلامهم تاريخ اللواتيا ، وإنني أعتقد أنني ما زلت في باكورة العمل وبحاجة إلى جهد أكبر لتقليب الأرض بفؤوس أكثر.
والباحث واقعا يلقى جهدا عندما يبحث في تاريخ الجزيرة العربية قبل وبعد ظهور الإسلام والسبب يرجع إلى عدم كفاية الأدلة في إماطة اللثام عن وجود قبيلة واحدة من عدم وجودها في التاريخ ، مثلما نحن بصدد الحديث عنها وهي قبيلة بنو سامة ، هناك من قال أن بنو سامة انتشروا من لؤي بن الحارث بن سامة ومنهم من قال أن بنو سامة انتشروا من ولد عامر بن لؤي بن كعب ومنهم من قال أن الناجية زوجة سامة بن لؤي تزوجت شخصا من البحرين بعد موته فولدت الحارث ومات زوجها فألحقت وليدها الحارث في نسب سامة بن لؤي فسمو بنو الناجية ، هذا الخلط كان سببه العزوف عن قراءة التاريخ القديم بمنظار التحليل التاريخي فمثلا نحن نعرف أن الأقدمون كتبوا عن أنفسهم وهذه الكتابات لو كانت موجودة لأمكن بطبيعة الحال قرائتها ، ومعرفة أحوالهم، تماما عندما وجد علماء الآثار الخط اليوناني وإن لم يكن مستعملا ، ولكن بتفكيك الخطوط الهروغليفية التي كانت مستعملة في التاريخ ، أمكن الوصول إلى معرفة التاريخ القديم للفراعنة وغيرهم ، وتحليل نمط سلوكهم اليومي .
مصادر التاريخ :
أولا : التاريخ الشفهي والرواية الشفهية :
الكتابات في تاريخ العرب القدماء كان على شكل أخبار شفهية تناقلها العرب من جيل إلى جيل كمصدر أول في معرفة أخبار العرب و لم يتم التمييز بين التاريخ الشفهي والرواية الشفهية حتى رفض البعض حجية الرواية الشفهية واصفا إياها بالتفاهة وكل ما يروج له في التاريخ لا مصداقية له وبما أن الخبرالتاريخي معرض للخطأ فقد سعى أصحاب الفن في وضع القواعد والأطر المنهجية للتتميز بين الوقائع التاريخية الصحيحة من الحوادث التاريخية الغير صحيحة. والتاريخ الشفهي هو ضرب من ضروب النشاط الإنساني وخبرته الشخصية أو مجموعة أشخاص ذات العلاقة بأحداث قريبة على اعتبار أن هذا كل ما تبقى من آثار الماضي فضلا عن الترتيب في الأحداث التي تضمن التأويل.
أما الرواية الشفهية فهي ذكريات متعلقة بالماضي، واكتسبت شهرة واسعة في حضارة معينة وأتخذت التواتر في النقل ، فلو قلنا أن اللواتية هم رهط سامة بن لؤي ، فيجب أن نتفق أولا على لفظ اللواتية هل كان معروفا بين أرهاط بنو سامة أم لا ؟ وإذا رجعت إلى كتاب اللواتية في التاريخ للدكتور فيصل سيد طه ولقاءاته الشخصية مع أفراد قبيلة اللواتيا في عمان وما نقلوه شفاهة عن تاريخ اللواتيا ، فلنسأل هل لهذه المنقولات الشفهية مصدر نصي أم هي مجرد رواية شفهية ليس إلا ؟ وهل هذه الروايات الشفهية هي معروفة بين قبائل بني سامة أم لا ؟
لا تنسى أنك تتحدث عن إنتمائك إلى سامة بن لؤي بن كعب ، و قبيلة لؤي بن كعب هي إحدى أكبر قبائل قريش في الجزيرة العربية، فإذا كانت هذه الروايات الشفهية ليس لها مصدر نصي وهي جزء من النتاج الاجتماعي فلابد أن يحمل نمطا ثقافيا أيضا وهذا النمط يجب أن يسري على كل أفراد القبيلة .
أما إذا قمت وأضفت طائفة أخرى كالخوجة وقلت أن الخوجة واللواتيا مكون واحد ، حينها يجب معرفة تاريخ الخوجة هل كانوا يوما جزء من بنو سامة مثل اللواتية أم لا ؟ وإذا نعم فلماذا يستخدم مسميين ؟ وإذا لا فلماذا اعتبرتموهم من اللواتيا طالما إنتمائهم العرقي لا يرجع إلى سامة بن لؤي ؟ وهذا يوقعنا في إشكالية تاريخية في تحقيق النسب .
ثانيا الآثار التراثية :
و هو ما خلفه القوم ورائهم من آثار العمرانية أو العملات المعدنية تساعد على فهم حالة الناس وعلاقاتهم مع بعضهم البعض ، فيتم دراسة نوعين من الوقائع ، الأول : وقائع مادية محسوسة كالزواج من قبائل أخرى والمصاهرة بينهم او التحالفات العسكرية ، والنوع الثاني: وقائع من الطبيعة النفسانية كالميل إلى فكر مذهبي معين أواعتناق مذهب معين أو تقديم المساعدات اللوجستية للقبائل الأخرى من أجل الحفاظ على مصالح القبيلة فتدخل هنا العواطف والأفكار والدوافع ،
ولما كانت هذه الوقائع من الماضي ولا يمكن دراستها إلا من خلال الآثار التي تركوها وأغلب هذه الآ ثار تكون على شكل وثائق وأوراق دونتها الأسرة أو من في حكمها ، والمسلك الذي يفرضه طبيعة الوثيقة ، هو الأثر المادي الوحيد عن الماضي ، ثم الإرتفاع في سلسلة العمليات الأخرى مثل الكتابة واللغة والمعنى المجازي والمعنى الحقيقي وتمثيل الشيئ في نفس المؤلف حتى نصل إلى الواقعة المراد معرفتها.
منهج دراسة الوقائع التاريخية :
المنهج يقتضي نوعين من العمليات 1- التحليل 2- النقد . التحليل هو فصل كل واقعة من الوقائع الجزئية المعروضة إجمالا في الوثيقة أو غيرها ، فلو قلنا أننا حصلنا على وثيقة تتضمن صور لقبور أبناء قبيلة اللواتية في مناطق متفرقة من عمان وهذه القبور في بنائها تنسجم مع بناء الخوجة للقبور ، فهل يمكن اعتبار أن اللواتية كانوا في الباطنة أم هي هجرة الخوجة من مطرح إلى مناطق متفرقة من عمان ، لأن الحقيقة شيء ، والواقع النصي للوثيقة شيء أخر ، ما يهمنا هي الحقيقة الواقعية .
أما النقد ، هو تقدير المعلومات الواردة في وثيقة ما ، هل هناك توافق بينها وبين الحقيقة الواقعية ، وهو ما نسميه الحقيقة الطبيعية من رحم الطبيعة ، والنقد ضروري جداً لأنه يشتمل على مناهج ثلاثة :العقل والإنسان والحقيقة الواقعية ، فنحدد أولا الواقعية المتضمنة في الوثيقة قبل تحديد قيمتها العلمية . إذن التحليل يسبق النقد لأننا سنعرف مدى مصداقية الوثيقة الأصلية هل وجودها خدعة أم لا ؟ . والحمد الله رب العالمين