الطلاق بين المرجعية الدينية والقانون (1)


ها نحن نعود مرة أخرى إلى موضوع المرأة بعد مشاركتكم في بحث تحرير المرأة قضية جدلية الذي استمر أكثر من شهر ولكن العودة هذه المرة من خلال بوابة حقائق ميدانية أثبتتها نتائج دراسة قام بها مجموعة من الباحثين الأكاديمين المتخصصين في علم النفس والاجتماع الأسري حول ظاهرة الطلاق المبكر في المجتمعات الشيعية .

وعندما نسمع كلمة الشيعة فإننا نعرف أنها تطلق على أتباع الإمام علي ويطلق عليهم مسميات مختلفة مثل الإمامية أو الإثنا عشرية أو الجعفرية ، فالثقافة هي ثقافة جعفرية علوية إمامية هل ستتفقون معي أم لا ؟ لا أعتقد سيختلف أي مسلم في ذلك و لا يوجد مسلم لا يعرف أن الشيعة ينتمون إلى المدرسة الجعفرية الإسلامية ويستمدون ثقافتهم وفكرهم وتوجهاتهم ونظرتهم إلى الأمور منها.

مثلا إذا سألت أي فرد شيعي ذكرا كان أم أنثى من أين تستقي الأحكام الفقهية سيقول من فقه الإمام جعفر ابن محمد الصادق مؤسس هذه المدرسة ، وإذا سألته عن المنهج الإسلامي الذي تتبعه في حياتك، سيجيبك إنه منهج إمامي ويقصد به منهج الأئمة الإثنا عشر.

إذن بهذه المواصفات تستطيع القول أن هذا الشخص أو ذاك من المذهب الإسلامي الشيعي ، تماما إذا قال أحد أنا إباضي فإننا نعرف أنه من أتباع عبدالله بن أباض أو قال أنا شافعي فإننا نعرف أنه من أتباع الأمام الشافعي جيد جدا

طالما حديثي هو حول الطلاق المبكر بناء على نتائج الدراسة التي تم نشرها مؤخرا فإنني ساستخدم فيما يخص موضوع الدراسة ، المنهج التكاملي المشتمل على عدد من المناهج البحثية وأهمها المنهج الاستقرائي والذي سنتتبع من خلاله قضية الأسرة والمرأة بشكل منفصل في الفكر الجعفري .

والمنهج النقدي الذي ساعرض لكم فيه أوجه المخالفة والخلط بين مفاهيم الأسرة ، والمنهج الاستدلالي وذلك بعرض الأدلة وذكر وجه الدلالة منها فيما يخص نتائج الدراسة حول ظاهرة الطلاق المبكر في المجتمعات الشيعية. ركزوا معي رجاء .

تصور أنت عندما تريد أن تتزوج من فتاة ستبحث وستتحري عن سيرة أسرتها وعن سيرتها الذاتية ثم تذهب إلى أسرتها وتقدم طلب الاقتران بها ، حينها يبدأ أهل البنت بالبحث عن سيرتك الذاتية وعن سيرة أسرتك أليس كذلك هذا هو الوضع التقليدي في مجتمعاتنا . السؤال لماذا يسأل كلا الطرفين عن أسرة بعضهم البعض الآخر قبل القبول والموافقة ؟ الجواب لأن الأسرة هي المكون الأساسي لأي مجتمع وبدون هذا الكيان الاجتماعي لا يوجد هناك مجتمع بشري.

إذن الأصل الأول في بناء أي مجتمع إسلامي يقوم على نواة أساسية وهي الأسرة وأن هذا المجتمع نجد أنه مركب لا من أفراد بل من مجموعة أسر يمثلون المجتمع الكبير

والأسرة هي مركز كل حركة في المجتمع مثلا دائرة الأحوال الشخصية لا يمكن أن تعطيك الهوية الشخصية أو البطاقة الشخصية دون معرفة بيانات الأسرة التي تنتمي إليها، ودائرة الإحصاء لا يمكن أن تصل إلى نتائج بالمسح الميداني لعدد العوائل بدون معرفة تفاصيل هذه العائلة أو تلك ، بالنتيجة مركزية المجتمع أين تكمن ؟ في الأسرة ، ممتاز

السؤال إذا سألت أي فرد شيعي ما هي ملامح أسرتك ؟ أبسط جواب الحب والتعاون . إسأله هذا السؤال ما هي ملامح الأسرة في الفكر الإسلامي الشيعي ؟ أبسط جواب أنا آخذ فكر أهل البيت من عالم دين وهو المرجع لأن الإمام العصر المهدي المنتظر غائب ، ومرجع الدين هو من ينقل لي فكرهم عن الأسرة . لقد أنصفني من نفسه في جوابه هذا أليس كذلك ، هل لديكم إجابة مغايره عنه ؟ ائتوني به إن وجد

إذن الثقافة الأسرية في المجتمع الشيعي تمر عبر مرجع ديني جيد جدا ، نسأل مرجع ديني ما هي ملامح الأسرة في الفكر الإسلامي الشيعي ؟ سيجيبنا عليه السيد المغيب موسى الصدر مؤسس حركة أمل اللبنانية في ورقة بحثية قدمها في المؤتمر الإسلامي في تنظيم الوالدية في 24 يناير عام 1971م بقوله :-

(إن الأسرة تشكّل جانبًا مهمًا من حياة المجتمع البشري، وتتفاعل مع المجتمع بصورة متقابلة، فتتأثر بالتطورات الاجتماعية اقتصادية وسكنية وغيرهما، وتؤثر في المجتمع بدورها حيث تنعكس حالات الأسرة وأحداثها على المجتمع الكبير. ولذلك، فإن دراسة هذا الموضوع لها بعدان متقابلان:تأثير المجتمع المتطور على الأسرة، وتأثير الأسرة على المجتمع)

والتطور هو ما يتفاعل فيه الإنسان مع المحيط به وهذا التطور له وجهان الوجه الأول أن يبقى كلام الله وحيا ونصا روحيا في الأسرة والمجتمع. وأن أي فهم جديد لكلام الله يجب أن يبقى ضمن القواعد الكلامية المعتمدة في تنظيم الأسرة والمجتمع.

ولا يمكن اعتماد هذه القاعدة على كلام الإنسان حسب فكر السيد موسى الصدر، لماذا ؟ لأن كل إنسان ينطلق في كلامه من خلال ثقافته التي يحملها ، فهو يعبر عن مستواه الثقافي و لا يتخطاه ، لذلك لا يجوز فهم كلامه خارج نطاق ثقافته وبالتالي هذا ينطبق على العامي والفقيه والمجتهد والمرجع

قد يقول القائل ما هو الفرق بين الفقيه والمجتهد والمرجع ؟ الجواب الفقيه أعم من المجتهد و المجتهد أعم من المرجع ، فالفقيه هو عالم بالمسائل الفقهية ، والمجتهد عالم في استنباط الأحكام الشرعية ، والمرجع هو الأعلم وهو ما يعبر عنه بالمرجعية الدينية الشمولية .

لهذا علينا تحديد موقع الرسائل العملية أو الفتوائية التي بأيدينا هل هي من الفقيه أم من المجتهد أم من المرجع الديني الشمولي ؟ أي منهم ؟ سنأتي لمناقشة هذه الجزئية لاحقا عندما أتطرق إلى نظام الوكالة الشرعية التي يعطيها الفقيه أو المجتهد أو المرجع للغير

أما الوجه الثاني حسب قول السيد موسى الصدر (هو ما يدخل في صميم بناء الأسرة في تطوير الأحكام والعقود التي تبرم بين الأفراد والشروط التي يجب أن توضع في هذه العقود والتي تغير صورها حسب التطور في العلوم والمعارف العلمية والدينية).

نستنتج من كلام السيد المغيب موسى الصدر أن ملامح الأسرة في فكر أهل البيت هو المشاركة في تنمية المجتمع ورقيه وتنمية قدراته وذلك بمواكبة التطور الذي يلازم الإنسان ومحيطه الاجتماعي ، وهذا هو المعنى الاصطلاحي للأسرة فإن مفهوم الأسرة يتطور عبر الزمان والمكان وهو من يحدد أفكار وعواطف وسلوك هذه الأسرة أو تلك.

نكمل بحثنا في الحلقة (2) بإذن الله تعالى ..... إلى اللقاء


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير