كان كلامنا فيما مضى عن تحويل الطلاق من يد الزوج إلى محكمة الأسرة أو المحكمة الشرعية أيا كانت التسمية ، وهذا التحويل كان له نتائج إيجابية في تصحيح مسار فتوى الفقيه في الطلاق ، كيف ؟ إذا رجعنا إلى الإجراءات عند الفقيه في إيقاع الطلاق سنجد ما يلي : أن يكون كلا الطرفين بالغين الذكر والأنثى ، شرط الطهر للمرأة دون المواقعة ، عدم وجود الحمل ، شاهدين عادلين .
وبمقارنة هذه الإجراءات مع القانون سنجد ما يلي : أولا لا يقبل القانون قضية الطلاق إلا إذا كان الزوجان يعيشان منفصلين عن بعضهما البعض مدة لا تقل عن عام واحد هذا في كندا ، لا تقبل دعوى الطلاق بدون البينة في سلطنة عمان ، يجب إيداع مبلغ معين في أمانة المحكمة قبل رفع دعوى الطلاق في المغرب .
ثانيا حكم القضاء يشمل الحضانة والنفقة واجب النفاذ في سلطنة عمان وفي غيرها من البلدان الإسلامية ، ثالثا : لا يتصدى أحد في النظر في قضية الطلاق إلا ضمن مواصفات علمية تحددها الجهات الرسمية في الدولة ، رابعا : المحكمة ملزمة بتنفيذ أحكام الطلاق بالتعاون مع الجهات الأمنية المختلفة ،و إذا استدعى الأمر تستخدم القوة الجبرية في ذلك ، خامسا : لا يعتد بالطلاق خارج المحكمة إلا بإثبات صحة السير في الإجراءات الشرعية وبوجود عذر وبينة تقبلها المحكمة .
نحن أمام تحد كبير بين الفقه والقانون في تطبيق إجراءات إيقاع الطلاق ولعل أبرز العناوين التي طرحناها هنا مسالة الطلاق والحضانة والنفقة ومؤهلات القاضي العلمية أو من يتصدى لموضوع الطلاق خارج المحكمة ، ماذا يعني ذلك ؟ أرجو أن تركزوا معي
تصور أنك تريد توظيف أحد في منصب ما في مؤسستك التجارية ، وتعطيه صلاحية اتخاذ القرار لصالح مؤسستك ، أول خطوة ستطلب منه سيرته الذاتية ، وستنظر إلى مؤهلاته العلمية والخبرة العملية ثم المقابلة شخصية وبعد الاطمئنان ستقوم بتوقيع عقد عمل معه ،طيب لنطبق هذه الإجراءات على رجل دين يريد أن يتصدى لأمور الشريعة عندك في بلدك ومجتمعك
السؤال هل لديك مؤسسات دينية تريد رجل الدين ليمارس مهامه الدينية فيها ؟ الجواب نعم تحت إدارتي مسجد و مأتم و أوقاف أو بعض منها ، عندك غير ذلك ؟ الجواب كلا السؤال لتسليم رجل الدين محراب المسجد أو المنبر للخطابة ، أو عقار وقف ما هي الإجراءات التي اتخذتها لتعيين رجل الدين ؟
المفروض أن تقوم بتطبيق نفس الإجراءات التي قمت بها في توظيف شخص ما عندك في المؤسسة التجارية طلب سيرته الذاتية ، فحص مؤهلاته العلمية و مقابلة شخصية، وبعد الاطمئنان تسلمه المنصب الذي يليق به ، أنت بهذه الخطوات حققت نتائج معينه منها خدمت مؤسستك الدينية ، وضعت خارطة نجاح لها و بنيت سمعتك في إدارة شؤون المجتمع
وإذا لم تقم بتطبيق هذه الإجراءات فأنت لا تخدم المجتمع ، ولا تهمك سمعة المجتمع ، ولا تهمك سمعة الدين بل تخدم نفسك لتمرير أجندات خاصة لمصلحة شخصية ، والمجتمع أين موقعه في إدارتك ؟ ليذهب المجتمع وأفراده إلى الجحيم ، لهذا وجدنا ضمن اقتراحات المشتركين في دراسة ظاهرة الطلاق المبكر في المجتمعات الشيعية مؤخرا على ضرورة معرفة السيرة الذاتية لرجال الدين بعدد مكرر 77 مرة من إجمالي 1680 مشاركا بنسبة 4.5 في المئة وهذا دليل على وجود ظاهرة توظيف رجال الدين غير مؤهلين علميا و تعطى لهم مهمة معالجة القضايا الاجتماعية ،
إضافة إلى اقتراح بعدم إحالة أي مشكلة اجتماعية لرجل الدين الذي تم التعاقد معه بعدد مكرر 35 مرة من إجمالي 1680 مشاركا وهذا دليل آخر على عدم جدارة هؤلاء في معالجة القضايا الاجتماعية وأكثر أسباب هذا المقترح هو عدم انسجام المجتمع مع طبيعة المحيط الاجتماعي الذي كان يعيشه رجل الدين يختلف كليا عن محيطك الاجتماعي .
وهذا يعطينا إشارة واضحة أن وضع المرأة المسلمة في الفقه الإسلامي الشيعي الأكثر تداولا من قبل المهتمين لشؤون المرأة يتم تسليط الأضواء على الطلاق والحضانة والنفقة ولا يمكن تنفيذ حكم الطلاق بدون الحاق الحضانة والنفقة فيه ، فإذا أجرى رجل الدين الشيعي صيغة الطلاق ولم تشمل متعلقات الطلاق الحضانة والنفقة يعتبر حكم الطلاق ناقصا، بالنتيجة سندخل في دوامة نحن في غنى عنها
هنا تبرز قوانين الأحوال الشخصية لتقدم بعض الحلول لمناقشة موضوع الطلاق خارج المحكمة ضمن إطار القانون وإجراءاته ، وتكتسب قوانين الطلاق مكانة أكثر أهمية من غيرها في تنظيم الحياة الزوجية ويشكل الحضانة والنفقة واحد من أكثر المواضيع جدلا في الفقه الشيعي .
والمحسوم في الفقه أن الحضانة في حالة الطلاق للأم ولكن الخلاف وقع بين المدارس الفقهية الشيعية حول مدة الحضانة للأم ، هنا أود الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن قانون الأحوال الشخصية يعتبر جزءًا من التشريع ، كيف ؟ ركزوا معي على الجواب رجاء ، الحضانة مقرره شرعا وقانونا للأم لأنها الأقدر في رعاية الطفل وأكثر شفقة من غيرها .
مثلا إذا سألت إخصائي نفسي عن الحضانة سيجيب أن الحضانة إحدى أربع مراحل في تنمية عقل الطفل على النحو الآتي : التحضير ، الحضانة ، الإضاءة ، التحقق ، يقول الباحثون في علم النفس أن الحضانة مرحلة حدس اللاوعي تمتلئ عادة بنشاط غير ذي صلة لمنع العمل الواعي على المشكلة ولتجنب هفوات المشكلة بين الزوجين فيتم إبعاد الطفل عن الواقع لينشأ صحيح العقل والتفكير بتوفير الأدوات الصالحة لنموه الجسدي والنفسي والإداركي لهذا أقر القانون الحضانة للأم حتى بلوغ الطقل السن 18 عاما
قد يقول قائل أن الفقيه حدد الحضانة إلى بلوغ الطفل السن 9 سنوات ثم تنتقل الحضانة إلى الأب فلماذا نأخذ رأي القانون ؟ الجواب : المقصود من الحضانة إشباع عاطفة الأمومة ولولا هذه الغريزة لما تحملت الأم لآلام الحمل والولادة ، لهذا هو حق للمرأة في الحضانة بلحاظ الآية 233 من سورة البقرة (لا تضار والدة بولدها) ، ومع اختلاف بعض المدراس الفقهية الشيعية في مدة الحضانة إلا أن الفتوى في حرمة مخالفة النظام طالما هو في مصلحة الفرد والمجتمع ،فإذا استعرضنا قوانين الأحوال الشخصية المستوحاة من الفقه الإسلامي نجد أن القانون يمنع الأم من التنازل عن حق الحضانة
مثلا القانون العراقي من المادة 75 فقرة 1، 4، 6 حضانة الطفل للأم ، والقانون اليمني مادة 130 أيضا يمنع المرأة من التنازل عن حقها ، وهنا تجدر الإشارة إلى أننا كلما ابتعدنا عن عصر التنزيل فهمنا الفقه الإسلامي أكثر واقتربنا إلى فهم التشريعات القانونية أكثر.
وهذه الدلالة واضحة في وجود تشريعات قانونية إلى جانب الفقه فلا يتبادر لذهن أحدكم أن القانون منفصل عن الفقه لا أبدا ، لهذا تجد أن القانون لا يعتد بحكم الطلاق خارج المحكمة إذا خلا المنطوق من الحضانة والنفقة لأنه ليس في مصلحة الأسرة الزوجية ولا في مصلحة المجتمع .
للحديث تتمة في الحلقة (13) والأخيرة إن شاء الله تعالى..... إلى اللقاء