كان حديثنا حول العلم والعقل ، عندما توقف دور العقل برز لنا الدور الأخباري الذي وقف عند ظاهر الآية القرأنية ، وظاهرالحديث النبوي الشريف . ولطالما اهتم الباحثون المسلمون وغير المسلمين بالأديان والملل، وكتبوا مصنفات عديدة وصنفوها في كتب الأهواء والملل والنحل ، إلا أن ذهنية الكثير من المسلمين لم تتحرر، من تلك الأهواء ، ولم تزل تلك النظرة المذهبية إن صح التعبير الدوغمائية تتحكم على مصالح الأمة أو ملة أو مذهب .
هذه الذهنية التي تدعي بأنها فوق الجميع ، فوق الخطاب القرأني وفوق الخطاب النبوي الشريف ، حتى شاع إسلام شيعي بمختلف طوائفه ، وإسلام صوفي بمختلف طرقه ، وإسلام سني بمختلف مذاهبه ، ورفض كل ما هو خارج عن مصالحها ، فألغيت الذهنية المنفتحة على الآخرين ، وألغيت ذهنية الدفاع عن حقوق الإنسان . والسر في ذلك أن العقل الحديث لم يتقيد بتعاليم أصالة الإنسان ، وإنما اكتفى بما هو مكتوب ضمن ثقافة غيره ، هنا اصبح ضروريا تفضيل المعنى الجهل المؤسسي على المعرفة المنيرة ، فإذا ما وقع الإختيار بينهما فأي المعنى ستختار الجهل المؤسسي أم المعرفة المنيرة ؟
لنقل أنك ستختارالمعرفة المنيرة لأنه الجهل لا يفيدك في شيئ ، فإذن عليك إعادة قراءة لما يقدمه الخطاب الديني عامة ، والخطاب القرأني خاصة .القرأن لا يوجد فيه خطاب عنصري ، لا يوجد فيه خطاب اصطفافي ، لا يوجد فيه خطاب مذهبي ، لا يوجد فيه خطاب لتمرير مصالح معينة . واعتقد أن الخطاب النبوي أيضا لا يخرج عن هذه المواصفات الخطابية القرأنية ، أليس كذلك . ممتاز
نحن وضعنا مواصفات الخطاب القرأني ، دعوني ألتمس طفرة معرفية في الخطاب الديني عامة ، هذه الطفرة لا تمس العقيدة في محتواها وممارستها ، وإنما تحليلها إلى مستوى أوسع وأكثرانفتاحا بما أضافته شروحات التأويل ، أقول هذا لكم لكيلا تتسرعوا إلى رفض القراءات التي اقترحها القران الكريم ، قد يقول قائل ، هل القرآن يقدم اقتراحات للناس ؟ الجواب أجل ، لكي لا يكون للناس على الله حجة
لنوضح لكم المعنى ، ترى كم من الدراسات القرأنية ظهرت في العالم ككل ؟ كثيرة أليس كذلك ، لو سطرنا بعض هذه الدراسات في قائمة واحدة مثلا المرأة في القران ، المجتعمات العربية عندما تريد الحديث عنها تضع مصطلحات تنطلق من خلالها في معالجة قضايا المرأ ة ، و هذه المصطلحات تغلف بغلاف ديني قرأني . سؤال المجتمعات العربية قسم واحد أم أقسام متعددة ؟ الجواب أقسام متعددة ، ما هي هذه الأقسام ؟ الجواب : مجتمع تقدمي ، مجتمع يساري ، مجتمع يميني ، مجتمع رجعي ، ما هو الفرق بين هذه المجتمعات ؟
الجواب مجتمع تقدمي :- هومجتمع يعمل لصالح الإصلاحات التدريجية في النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من خلال الإجراءات الحكومية بمعنى هو يقاوم التغييرات العامة ضمن إطار العام . مجتمع يساري:- هو مجتمع يدعو إلى العدالة الاجتماعية لكل البشر فهو يفكر في الجانب اليساري من السياسة . مجتمع يميني :- يدعو إلى احترام العادات والتقاليد لكل مجتمع بشري . مجتمع رجعي :- هو مجتمع الذي يدعو إلى الرجوع إلى عصر قديم حين كان الإنسان يركب الجمال والبغال في حله وترحاله .
هذه المجتمعات حين تتحدث عن المرأة، يتحول الذكر إلى ذكر متعصب ، فهم ينسون المبادئ التي بنو عليها مرجعيتهم ، لأنه هناك مصطلحات سيطرت على عقل هذا الإنسان واعتبرها من القرآن الكريم، ما هي هذه المصطلحات ؟ ركزوا معي على الجواب لأنني سانتقل إلى بحث آخر مشابه له مباشرة
أولا الشرف :- صفة تقيم سلوك الفرد في المجتمع ، كلمة ليس لها أساس قرأني، ولكن عندما يريدون التحدث عن شرف المرأة، يقرأؤون هذه الآية " وَمَرْيَمَ اْبْنَتَ عِمْرَآن الٌتى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا (1) ، أحصنت تعني العفاف وليس الشرف .
ثانيا : العرض:- تعني شرف المرء أو سقفه الذي يستتر بها ، ولكنها كلمة ليس لها أصل قرأني ، وعندما يريدون التحدث في الأعراض يقرأؤون هذه الآية ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) (2) .
ثالثا الشهامة :- تعني متوقد الذكاء ولكنها كلمة ليس لها وجود في كتاب الله، وعندما يريدون التحدث فيه يقرأؤون هذه الآية (لَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(3)
رابعا المروءة :- تعني كمال الصفات في المواقف وهي صفة حسنة في الإنسان، ولكنها كلمة ليس لها وجود في كتاب الله العزيز، وعندما يريدون التحدث عن المروءة يقرأؤون هذه الآية "إن اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ" (4) .
خامسا : النخوة :- كلمة تعني الحماسة والمروءة ، كلمة ليس لها وجود في كتاب الله، و عندما يريدون التحدث عن النخوة يقرأؤون هذه الآية " إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (5)
هذه المصطلحات لو وجدت في القرأن الكريم لفهمه الإنسان العربي بشكل والإنسان البريطاني بشكل آخر علما إنها كلمات عربية فصحى ، أليس كذلك ، في الثقافة العربية شرف الرجل المرأة ، والمرأة لها شرف أم ليس لها شرف ؟ ليست شرفا للرجل في ثقافتنا ، ولو كانت كلمة الشرف موجودة في القرآن لقلنا أن القرأن من تأليف رسول الله (ص) وليس وحي منزل . إذن علينا أن نقيس ما جاء به القرأن في بعده العالمي وليس في بعده المحلي أو المذهبي .
نحن في الكتب الفقهية نقرأ هذه المصطلحات : الإحتياط الإستحبابي ، الإحتياط الوجوبي ، الأحوط لزوما ، الإستحالة ، الإستصحاب ، الشبهه المفهومية ، الشبهة المصداقية ، الشك الترديدي ، مجهول المالك . سؤال :- هذه المصطلحات لها أصل قرأني أم لا ؟
نكمل بحثنا في الحلقة (13) إن شاء الله تعالى ..... إلى اللقاء.
المصادر :-
(1)سورة التحريم آية 12
(2) سورة النور آية 31
(3) سورة القصص آية 23 – 24 ، الموقع الإلكتروني لدرر السنية ، دروس في الشهامة ، أحسن القصص ، جمعية القرأن الكريم للتوجيه والإرشاد ، بيروت ، لبنان ،
(4) سورة النحل ، آية 90 ، معاني الأخبار/ الشيخ الصدوق (ت: 381هـ)/ علي أكبر غفاري/ مطبعة انتشارات إسلامي/ ط1/ 1361هـ في تفسير البرهان عن إبن بابويه بإسناده عن عمرو بن عثمان قال: (خرج علي (ع) على أصحابه وهم يتذاكرون المروءة، فقال: أين أنتم من كتاب الله؟ قالوا: يا أمير المؤمنين في أي موضع؟ فقال في قوله عزَّ وجل: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ"
(5) سورة الحجرات ، آية 13 ، ميزان الحدمة ، محمد الريشهري ، ج 4 ص 3629