الطلاق بين المرجعية الدينية والقانون (11)


تحدثنا فيما مضى أن الفقيه لا يعطي  وكالة في مواضيع الأحوال الشخصية للغير كالطلاق ، لماذا ؟ لأن ولاية  إعطاء الوكالة هي بيد الزوج  أو الزوجة فقط ، هما  يحددان من يكون وكيلهما في حل النزاع الاجتماعي .فإذا جاء أحد وقال لك أنا  وكيل الفقيه الفلاني أو وكيل الشخص الفلاني جئت لحل النزاع الدائر في الأسرة الزوجية ،  فأول شيء تطلبه منه أصل الوكالة ، ثم تقرأ المحتوى النصي فيها ،  فإن كانت الوكالة تشير إلى هذا المعنى وهو أنه يحق له من قبل الفقيه حل النزاعات الأسرية ،  فأنت مخير تقبل به كوكيل أم لا تقبل  به  لأن الولاية بيد أحدكما  الزوج أو الزوجة .

 قد يقول  قائل أليس للفقيه ولاية علينا ؟   الجواب كلا  لأننا يجب أن نبحث هل هو ولي الأمر بلحاظ الآية  59 من سورة النساء (اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) أم لا ؟ وهل ولاية أمره محدودة أم مطلقة أم مقيدة ؟ وهل ولايته تشريعية أم تكوينية أم تنفيذية أي منهم ؟  وهل وهل  وهل  أسئلة كثيرة بحاجة إلى الإجابة  ليس مجال بحثنا  الآن.  المهم ولاية  قبول أو رفض أي مصلح اجتماعي فقيها كان أو غير فقيه بيد  (الزوج و الزوجة) 

السؤال  ما معنى ولاية الزوج أو الزوجة  ؟  ركزوا معي على الجواب رجاء ،  أنت عندما  تتزوج من إمرأة  ماذا تأخذ بيدك بعد عقد القران ؟ صك  ضمني أنك قيم على المرأة ، السؤال :ما معنى قيمومة الرجل على المرأة  ؟ 

أجاب فقهاء  الشيعة ما يلي : السيد السيستاني :  مسلطون في التدبير ، الشيخ الطوسي في التبيان قال : قوامون على النساء بالتأديب والتدبير  ، الشيخ الطبرسي  في مجمع البيان قال : مسلطون عليهن في التدبير والتأديب ، السيد محمد تقي المدرسي  في تفسير الآية (الرجال قوامون على النساء ) قال : أن هناك ثلاث مستويات من الولاية   منها ولاية الرجل على تطبيق الأحكام الشرعية على زوجته ، ممتاز ، السؤال  ما معنى التدبير؟  وما معنى الولاية   ؟   

التدبير مصطلح فقهي ، جاء في قاموس الفقهي ص 128 – باب التدبير  - المعنى اللغوي : النظر في عاقبة الأمر  وتقويمه عل ما يكون فيه صلاح عاقبتيه ،  واصطلاحا  تعليق مكلف  رشيد عتق  عبده المملوك  بموته ، كأن يقول  الرشيد أو السيد  لمملوكة أنتِ حرة بعد موتي،  تماما مثلما يقول السيد لمملوكه أنت حر بعد موتي ، وهذا يدل أن المرأة  مادام زوجها حي فهي  تحت سيطرته وقدرته  ، وعليها إطاعة  الأوامر والنواهي ، ولا تنفك عن سيطرته  حتى يفارق الحياة الدنيا ، فتعتق من رقبته كما يعتق السيد مملوكه  هذا اتجاه واحد في  فهم الفقيه للقيمومة، ممتاز .

  لننظر إلى الاتجاه الثاني  قالت المحامية ندى جواد النوري عضو اتحاد الحقوقيين العرب  عن معنى قيمومة الرجل على المرأة  في مقالة لها نشره منتدى الكفيل التابع للعتبة العباسية في العراق  على موقعه الإلكتروني  بتاريخ 23-8-2015 م  قالت : ( وإذا راجعنا كلمات اللغويين في تفسير (قوام) رأينا جميعا لا دلالة على إعمال القدر والسيطرة على  المرأة وإعمال الأوامر والنواهي على الزوجة ، 

 و ابن الأثير في  النهاية في غريب الحديث والأثر جز 4 ص 109 (قومَ) قال :  قوامون على النساء بالأمور ليس للنساء أن يقمن به)  ثم تقول : أن الآية 34 من سورة النساء (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا)  أن هذه الأفضلية ليست مطلقة بل نسبية ، فإذا أنفقت الزوجة في البيت فلها الأفضلية . وهذا ما ذهب إليه الشيخ الشعراوي في تفسيره بقوله (لا يصح  أن تأخذ قوام  على أنها السيطرة)  والإمام الخميني  - رحمه الله  قال  - المرأة إنسانه وأعظم إنسانه 

هنا أود الإشارة إلى جزئية مهمة حول القيمومة  ركزوا معي رجاء ،  القرآن الكريم وضع منظومتين للأسرة المنظومة الأولى هي قيمومة الرجل على المرأة بما أنفق ،  والمنظومة الثانية أنه لا أفضلية لأي أحد من الزوجين على الآخر بلحاظ آية 228 من سورة البقرة  ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).

  ففي المنظومة الأولى إذا نظرنا  من حيث البعد النظري  فإن بناء قيمومة تأتي نظريا ولكن ليس من واقع اجتماعي ، مثلا  قوانين الانتخابات أنتم جميعا قبلتم بهذا النظام  لمشاركة الأسرة الزوجية فيه فقهاءً كانوا  أو غير فقهاء ، لأنكم اعتبرتم هذه المشاركة  أكثر انسجاما مع منظومة الأسرة الزوجية جيد جدا . 

الآن المرأة تريد أن يكون الطلاق بيدها ،  ماذا يقول الفقيه ؟ أن تضع شرطا في عقد الزواج  بمعنى إذا أرادت المرأة أن يكون لها القيمومة فإن الفقيه سيعطيها الوكالة في عقد الزواج ،  السؤال هل الفقيه له الولاية على المرأة أم لا ؟

الجواب كلا  الوكالة متى تعطى للغير في الأحوال الشخصية ، في بعض الحالات التكوينية كالجنون ، هل المرأة  المجنونة تتزوج  كي يعطى لها الوكالة ! إلا إذا قال الفقيه أنها ناقصة العقل  أو سفيهة أو شيطانة  أو بهيمة ، قل لي من سيتقدم إلى الزواج من بهيمة وناقصة عقل ؟ لا أحد ، ممتاز ، وإذا لم تكن كذلك هل هي ولية أمرها أم لا  ؟ 

كل فقهاء المسلمين  سنة وشيعة قالوا إن المرأة إذا بلغت سن الرشد فهي ولية  أمرها ، إذا لماذا كل هذا اللف والدوران ؟ أنا سأقول لكم  إنها  تلاعب في الألفاظ  ، من قبيل  كل قرض جر نفعا فهو حرام  وكل قرض ربا يجر نفعا ، ماذا نفعل  ؟ قال  لك الفقيه  لا تقل أقرضتك بل بعتك  500 ريال ب 600 ريالا  هنا أنت خرجت من الإشكال الشرعي ،  تبين فيما بعد أن الفرق 100 ريال ربا،  يعادل كمن زنى بإمه سبعين مرة في بيت الله الحرام .

يأخي  أمورهم عجيبة صدقوني ، تارة تقول  أن الأحكام تابعة للمفاسد والمصالح  ، وتارة تتلاعب بالألفاظ ، هذه الألاعيب اللفظية هل بدلت الواقع أم لم تبدل ؟ نعم بدلته ، إذن لماذا  لا تقول  هذا حرام من أول وهلة  ! كذلك  إذا كان لا يحق للمرأة تطليق نفسها  لماذا الأكل من القفا !  خلاص  قل لها لا صلاحية لكِ لأنكِ تكوينا خلقت بهيمة و مملوكة لزوجك وهو سيدك .فلماذا تريد إعطاء وكالة لبهيمة وشيطانة  وناقصة العقل ، لا معنى لهذا ، هذه هي الثقافة  الفقهية التي تتناقلها المنابر  بشتى أنواعها هنا وهناك ، ونحن لم نخطئ عندما قلنا أن فقهاء الأخباريين الشيعة ينظرون إلى المرأة نظرة دونية ، و الأحكام الفقهية في رسائلهم العملية خير دليل على ذلك . 

 ثم هل للأب ولاية على إبنته في الزواج أم لا ؟ الجواب  نعم إذن لماذا لا يكون إذن الأب في الزواج  وكالة ضمنية  تستطيع  كريمته بموجبها تطليق نفسها ! لأن ولاية الأب موجودة بينما لا وجود لولاية الفقيه عليها في الزواج ،  فأيهما أحق بإعطاء الوكالة لها  الفقيه أم الأب ؟  الأب بلا منازع  ولكن الرسائل العملية أو الفتوائية ألغت دور الأب في هذه الجزئية 

 نأتي إلى جواب السؤال مامعنى الولاية ؟  الولاية  قانونا  تعني  السلطان إذا كان بكسر الواو،  والنصرة إذا كان بفتح الواو ،  بالنتيجة أن هناك مسؤولية تقع على الولي  عمن هو في ولايته بالنسبة لما يقع من أقوال وأفعال أو تصرفات تضر بالغير ،  وفي الحقوق  الولاية لا تقبل الإسقاط  بمعنى  أن القانون أعتبر ولاية الأب أو الزوج أو الزوجه ، أيا كان من له ولاية  أو  وصايا ممنوحة له بذاتها .

بمعنى إذا قلت أن ولاية الزوج أو الرجل على المرأة  فهي ممنوحة له بذاتها ،  وهذه الولاية  يجب استخدامها لمصلحة الأسرة لا للأمور الشخصية ، وإذا أخل  الزوج بهذا الشرط وهو عدم رعاية الولاية الممنوحة للرجل في مصلحة الأسرة تسقط عنه الولاية لأن الضرر وقع على الأسرة الزوجية .

مثلا أنت ارجع إلى تحليل النتائج الذي قدمته  دكتورة منى الخفاجي في دراسة ظاهرة الطلاق المبكر في المجتمعات الشيعية  مؤخرا حول جزئية ميل الأزواج وتقصد به الرجل إلى الحياة العزوبية   هذا الميل ياسادة  تسقط ولاية الرجل على الأسرة الزوجية ضمنا  حسب مفهوم الولاية ،  لأنه في الحياة العزوبية لا توجد مسؤولية على عاتق الشاب  فأين يتجه إلى تكوين علاقات مشبوهه  تؤثر سلبا على الكيان الأسري فيلحق بها ضررا ماديا ومعنويا .

 مثال آخر  إذا استدان  الزوج من المصرف من أجل أمر تافه وهو الذهاب إلى زيارة العتبات المقدسة وهو لا يملك المقدرة المالية  في تسديد القرض  ،هذه الاستدانة ستضع الأسرة أمام ديون مالية ،  ترهق كاهل الزوج  فيقوم بتطليق زوجته ، وهذا السبب كان من الأسباب الجوهرية في الطلاق المبكر  حسبما توصل إليه المختصون في دراسة ظاهرة الطلاق المبكر في المجتمعات الشيعية مؤخرا 

 فهل الضرر وقع هنا أم لم يقع  ؟ الجواب  نعم وقع بالنتيجة سقطت ولايته مباشرة ساعة معرفته بعدم إمكانية سداد الدين  ، مسألة الولاية ليست مزحة ياسادة  ، من هنا نفهم أن ولاية الرجل ليست تشريعية ولا تكوينية  بل هي تفاضلية ليس إلا . ما معنى تفاضلية ؟ نحن قلنا في أبحاث تحرير المرأة قضية جدلية أن الفضل بين الزوج والزوجة بما ينفقوا ويمارسوا جهودهم في بقاء هذا الكيان الأسري فإذا كانت المرأة تعمل وتنفق على الأسرة فالقيمومة لها .

 وإذا  كانت المرأة تساهم مع الرجل في تنظيم شؤون الأسرة فهي شريكة له في الولاية ، فبالتالي الولاية مشتركة بينهما  ، من هنا  تدخل بعض  فقهاء الشيعة وتم رفع اليد عن نظرية الطلاق بيد الزوج  و تسليم هذا الحق للمحكمة  ، هي من تقرر في موضوع الطلاق  كما أسلفنا سابقا  .

للحديث تتمة في الحلقة (12) إن شاء الله تعالى ..... إلى اللقاء


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير