الخطاب الديني في عصر العولمة والحداثة (11)


 الدين هو تلك الصخرة الثابتة على مر العصور ، وفي المقابل نجد العلم يقف على صخرة  يأخذ معلوات عن الكون والفضاء ، ويطلع على خبايا الطبيعة  وأسراره المادية . نحن عندما نخاطب هذا الإنسان بأي لسان نخاطبه ؟  هل بلسان الدين أم بلسان العلم ؟ ، كثير من المجتمعات الإسلامية لديها برامج تثقيفية على مدار السنة ، البعض منها تجلب الخطباء من الخارج ،  والبعض  تستفيد من خبراتها المحلية و تقيم ندوات ثقافية  المهم هناك فعاليات ثقافية متنوعة ، ولو قمنا بدراسة هذه الفعاليات وأردنا معرفة  هدف إقامتها ، سنجد أنها جميعا متفقة في رؤية واحدة وهي ضرورة تنمية العقل الإنساني .

وهذه التنمية تأخذ مسارين ، الأول :  ربط الإنسان بالمعبود وهي وظيفة الدين ، والثاني  ارتباط الإنسان مع الطبيعة والظواهرالطبيعية ، فيقوم بدراستها لإستخراج نتائج يستفيد منها على جميع الأصعدة .  وإذا نظرنا إلى الماضي نجد الجدال كان قائما على النقل والعقل ، حتى ادعت الطوائف الدينية إن المعتقدات الدينية التي تتبناها لا تتعارض مع العقل ، والفقهاء عندما يصدرون الفتاوى  يقولون هذه الفتوى أو التلك موافقة للنقل والعقل ، فأخذت الفتوى  والمعتقدات طابع التقديس .

 ولكن ما توصل إليه العلم لا ياخذ نفس الطابع،  لماذا ؟ لأن العلم قائم على منهجية التجربة والبرهان ، و التقديس لا يدخل ضمن النشاط المعرفي ، ولا يتضمن الأبعاد المختلفة للمعرفة  هنا يقع التصادم بين النقل والعقل ، وهذا التصادم منشئه من أين من الدين أم  من العلم ؟ ركزوا معي رجاء 

نحن عرفنا سابقا أن كل دين وما يحتويه من المعارف ، تبحث في علم الاجتماع ، وعند حصولنا على إجابات نقول  وصلنا إلى معرفة كنه هذا الشيئ ،  إذن الأمر يتعلق بمستوى ونوع المعرفة ، وهذه المعرفة إما عام أو خاص  بمعنى أنك تريد معرفة علم أصول الفقه  عند الشيعة ، هذه نظرية المعرفة في أي شيئ  ؟ في استنباط الأحكام الفقيهة  ، ولكن هل هذه النظرية يقبلها كل الشيعة أم لا ؟  الجواب كلا ، إذن هذه النظرية خاصة وليست عامة ، لأن هناك مساعي في فصل بين العقل والنقل ويسمى هؤلاء بالإخباريين.

 فهل ينفع مع الإخباريين البحث السندي في علم الجرح والتعديل أم لا ينفع ؟ لا ينفع ، إذن حجية الإداركات العقلية حجة عندهم أ م ليس بحجة ؟ ليس بحجة لأنهم يقولون النقل أولا وإذا تعارض الحكم  نأخذ بحجية العقل ، بشرط أن يثبت الإمام حجية حكم العقل .

 يقول الشيخ الأنصاري (1)  "أن تمسكنا بكلامهم  عليهم السلام فقد عصمنا من الخطأ، وإن تمسكنا بغيرهم لم نعصم منه، يقول والمستفاد من قوله عدم حجية إدراكات العقل في غير المحسوسات  ما تكون مبادئه قريبة من الإحساس وقد استحسن المحدث الجزائري هذه المسألة  و قال بأنه وتحقيق المقام يقتضي ما ذهب إليه، فإن قلت قد عزلت العقل عن الحكم في الأصول والفروع فهل يبقى له حكم في مسألة من المسائل، قلت أما البديهيات فهي للعقل وحده".  

إذن البديهات فقط للعقل والباقي للنقل  يقول  الشيخ النصاري (2) "وأما مازاد عن ذلك فهي للنقل وهو الحاكم، وأما النظريات فإن إما ما تعارض أي العقلي والنقلي فلا شك عندنا في ترجيح النقل وعدم الالتفات إلى ما حكم به العقل"  هنا تم إغلاق  باب إثبات وجود الله عقلا  الذي هو عزوجل قبل النقل ،  فكيف نثبت حجية النقل ؟ .  

 تعالوا معي إلى المجلسي (3)  ماذا يقول في باب العلم " لا يخفى عليك  بعد التدبر في هذا الخبر وأضراب هذا الخبرأنهم (يعني الأئمة) سدوا باب العقل بعد معرفة الإمام ، وأمروا بأخذ جميع الأمور منهم ونهوا عن الإتكال على العقول الناقصة في كل بابٍ"
المجلسي يقول العقل حجة حتى يثبت لك الإمام  واذا لا نقول له بعتبيرنا العامي (اطلع بره) ، بمعنى  أنت محترم حتى تثبت لي من عند الإمام مثلا أنت تقول إن العين المسلحة في رؤية الهلال حجة علمية عقلية يؤخذ بها ،  المجلسي يقول  لا بأس ائتني  الإثبات  على ذلك من عند الإمام  وإلا أخرج من بيتي .

هذا المنهج ما زال يعمل به ويسوق له عبر المنابر ولكن بشكل آخر من خلال  خط الطول و خط العرض ، ولكن النتيجة واحدة الاعتماد على النقل،  إذهبوا واسمعوا المحاضرات للخطباء المتأخرين ، وهذا أخطر منهج في المباني الفقهية عند الإخباريين ،  ثقوا تماما إن هذا المنهج يسري على كل باب في الأصول والفروع.

 سناخذ مثال  في تأسيس المنهج الإخباري ، قال السيد منير الخباز (4) " أن السيد الخوئي عند ه اتحاد الافاق فيبدأ الميقات" بمعنى إذا شوهد الهلال في بلد مع أفق واحد لبلد مجاور، يبدا عندهم الميقات (الهلال)  فإذا ثبت الهلال في إيران عند الولي الفقيه ثبت عند الآخرين ، علما أن الشهيد الصدر في الفتاوى الواضحة (5) ذكر كيف يمكن إثبات رؤية الهلال  بأمرين ، 
 (الأول): الرؤية المباشرة بالعين الاعتيادية المجردة فعلا لان رؤية الهلال فعلا تثبت للرائي ان القمر قد خرج من المحاق وان بالامكان رؤيته والا لما رآه فعلا.
 (الثاني) شهادة الآخرين برؤيتهم فإذا لم يكن الشخص قد رأى الهلال مباشرة ولكن شهد الآخرون برؤيتهم له كفاه ذلك. ثم يشرح قواعد الشهود ليس محل بحثنا 

 سؤال شهادة الولي الفقيه تكفي في إثبات الرؤية أم لا ؟ حسب مبنى الشهيد الصدر نعم تكفي  لأنه الفقيه العادل ، وحسب مبنى السيد الخوئي (رحمه الله) أيضا تكفي  لأن إيران في نفس الأفق مع العراق  ومع باقي الدول الخليجية  ، ممتاز .  

سئل الولي الفقيه هذا السؤال (6) ما هو حکم الرؤية بالآلات و هل رؤية‌ صورة الهلال بواسطة منظار CCD و انعکاس الضوء و مراجعة‌ المعلومات الملتقطة بالکمبيوتر تکفي لإثبات أول الشهر؟

الجواب : لا يختلف حكم الرؤية بالعين المسلحة عن الرؤية بالعين المجردة وهي معتبرة ايضاً. والملاك هو صدق عنوان الرؤية عليه، فالرؤية بالعين أو النظارة أو التلسكوب حكمها واحد ، نعم الانعكاس على الكومبيوتر الذي لا يعلم صدق عنوان الرؤية عليه فيه إشكال. 
 
نكمل بحثنا في الحلقة (12) إن شاء الله تعالى ..... إلى اللقاء

المصادر 
(1)الشيخ الأنصاري ، فرائد الأصول ، جزء 1 ص 35
(2) نفس المصدر السابق
(3) باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، المجلد الثاني  ص 314 
(4) السيد منير الخباز ، العلم والفقه ، تصادم أم تناغم ؟ هل ثبوت الهلال أنموذج لاختلاف العلم والفقه ، 18- 9-1443 هجري – مسجد الرسول الأعظم (ص) – مطرح – سلطنة عمان ، السيد منير الخباز   ذكر فتوى الشيهد  " أن بداية الشهر القمري الشرعي تتوقف على أمرين خروج القمر من المحاق وكون الهلال ممكن الرؤية بالعين " ولم يكمل الباقي  ، عموما حسب مباني السيد السيستاني  فإنه لا يؤمن بإتحاد الأفق ولا بشهادة العلم  
(5) الشهيد محمد باقر الصدر ، الفتاوى الواضحة ،  الصفحة التي ذكرها السيد منير الخباز هي 627 ، النسخة التي بحوزتنا رقم الصفحة 508  ،https://www.youtube.com/watch?v=IqyJ9KYtCUg
(6) شبكة السراح في الطريق إلى الله  (الإلكترونية) ، أحكام رؤية الهلال – فتاوى السيد الخامنئي ،


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الجمعة 2025/1/10 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير