كان الكلام أن كتاب الله أكد أن الحضانة للأم بلحاظ الآية 233 من سورة البقرة (ولا تضار والدة بولدها) وأن علاقة الفقه مع القانون هي علاقة تكاملية في وضع حلول لمواضيع تخص الأسرة الزوجية ، لم يتطرق الفقه إليها في بعض جوانبه ، كيف ؟ ركزوا معي على الجواب رجاء
عرفنا أن الإسلام منزه من العيب والنقص في ذاته ، وأن العيب يكمن في فهم الفقهاء الأخباريين الشيعة لمفاهيم الدين ، فبدل التحرك نحو فهم النص من خلال العقل والوحي ، تحركت الذهنية الفقهية إلى مشهور العلماء وخبر الآحاد. مثلا قالوا أن القيمومة للزوج لأسباب كثيرة : العقل والقوة البدنية وتحمل المصاعب و و عدد ما تشاء ، في المقابل سلبت هذه الصفات من المرأة وقالوا أنها خلقت ليستمتع بها الرجل لأنها بهيمة و شيطانة وناقصة للعقل فإذا كان الرجل تكوينا خلق ليكون قيما على المرأة فهو قيم إلى الأبد تغير الزمان أم لم يتغير.
ولكن مع تغير الأنظمة المدنية الوضع التاريخي تغير أيضا فتغيرت معه قوانين الأحوال الشخصية بحيث أعطيت المرأة حقا متساويا مع الرجل، رغم أن القرأن الكريم وضع منظومة اجتماعية متساوية بين الذكر و الأنثى ، حيث قال الله تعالى في موضع من سورة النساء آية 34 (الرجال قوامون على النساء) وألحقة عز و جل في موضع أخر من سورة البقرة آية 228 (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) لتكتمل المنظومة على قاعدة تكاملية وليس على قاعدة تبعية ، مثلما يملك الرجل حق الطلاق كذلك المرأة تملك هذا الحق .
ولكن بعض فقهاء الأخباريين الشيعة ركزوا على قوامية الرجل على المرأة وأخذوا بآية القوامية ونسوا الآية الأخرى فألغوا دور التكاملي للمراة مع الرجل و وضعوها في مرتبة دونية ، وهذه يعطينا دلالة واضحة أن الفقهاء لم يدركوا السر في الرؤية القرآنية تجاه الأسرة الزوجية ، وبدلا من العمل برؤية شمولية و واسعة في بناء المنظومة الفقهية بحثوا في الخبر الواحد في الروايات
والحال أنت عندما تنظر إلى سن بلوغ الفتاة عند الفقهاء الأخباريين ستجد انهم قالوا تسع سنين ، أليس كذلك بينما هناك روايات متنوعة بعضها تقول عشر سنوات كما جاء في المبسوط للشيخ الطوسي جزء1 ص 266 ، وبعضها 13 سنة كما جاء في كتاب بلوغ البنات -الشيخ يوسف الصانعي ص 8 ، ولكن للأسف لم يفهم فقهاء الأخباريين سر تنوع روايات الأئمة هو من باب رفع الحرج والضرر حيث ذكر لي معلمي لمادة أصول الفقه في جامعة المصطفى المفتوحة – قم – إيران ، أنه ينبغي للفقيه أن لا يتجاوز الأصول في عملية الاستنباط الشرعي
وعندما حصل هذا التجاوز انتقلت هذه الثقافة إلى رجل الدين وبدأ في معالجة قضايا الطلاق متجاوزا الإجراءات التي يجب أن تتخذ في إيقاع الطلاق، كحضور حكم من أهله وحكم من أهلها ، ومن له حق الحضانة ويشمل النفقة ومتابعة تنفيذ الحكم ، ولكن هذا لا يحصل ، بالنتيجة دخلنا في دوامة الفوضى الفقهية حتى توهم الناس أن ما قام به رجل الدين هو الصواب ، وأنه باب من أبواب الفقه الجعفري ، ووكيل المرجع وكأنه يقول لهم باللهجة المصرية (إحنا ما بلعبش)
وقد رأينا أن رجل الدين عندما تولى من أجل تطبيق حكم الطلاق على الواقع الخارجي تجاوز الإجراءات التشريعية في إيقاع الطلاق حسب مبنى فقيه يقلده ، وبالتالي أوجد لنا أزمة اجتماعية ، تشتت الأسرة بعبارة واحدة منه ( أنا كنت مشغولا) بالله عليك هل تستطيع الاعتماد على مثل هؤلاء رجال الدين في حركة الفرد والمجتمع ؟ الجواب كلا
الإسلام أكد على عنصر العقلانية ومصلحة الأسرة الزوجية في استمرار هذا الكيان للحيلولة دون انهياره ولكن الأشخاص الذين درسوا في الحوزة العلمية تكونت هذه المواقف الشاذة والأحكام المخالفة لكتاب الله والعقل أصبحت مقبولة لديهم و، لهذا تراهم ينفقون كل ما لديهم من القوى الفكرية والمادية للدفاع عن شخوصهم لا عن سلامة الأسرة الزوجية وإلا بماذا تفسر في إيقاع حكم الطلاق بدون عذر شرعي .
هل تعتقدون أن الله سمح للرجل بطلاق زوجته بدون عذر مقبول ! أو سمح لرجل الدين بطلاق المرأة بدون تضمين حكم الحضانة والنفقة ! أو سمح لرجل الدين غض الطرف عن طرد المرأة من بيت الزوجية دون سبب شرعي ؟ طبيعيا لا يمكن أن يسمح الله بذلك ، ياسادة كتاب الله واضح وصريح ، وهذا يجعلنا نقول أن قانون الأحوال الشخصية يجب أن يأخذ مكانه المناسب في تطبيق المواد القانونية الخاصة بالأسرة الزوجية ، لأن أمن الأسرة هو من أمن المجتمع ، من هنا جاءت أهمية القانون في تغيير مسار الفتوى لصالح الفرد والمجتمع
ولو تأملنا في مصير الشعوب والمجتمعات البشرية لرأينا بوضوح أن كل مجتمع بشري يعيش التعاون والتكاتف بين القانون والناس ، وأن الناس يهتمون بأمر القانون ومصيرهم الاجتماعي والاقتصادي وهذا يجعل المجتمع يتحرك بسرعة في خط الرقي والتكامل على جميع المستويات والأصعدة الدينية والمدنية .
لأن القانون يملك آليات ميسرة في إحقاق الحق ضمن متطلبات الشريعة في الأحوال الشخصية ، والدليل أولا : الشرع يطلب حكمين عدلين ، و القانون لا يفصل في موضوع الطلاق دون سماع آراء هذين الحكمين ويعتبرهما خبراء، ثانيا : الشرع يطلب البينة في الطلاق من الزوج ، ز القانون يرفض سماع أي دعوى بدون دليل مقنع ، ثالثا : الشرع يطلب تأجيل الفصل في قضايا الأحوال الشخصية من أجل إعطاء فرصة التراجع القانون في الغرب يمهل الطرفين 5 سنوات حتى يحكم في موضوع الطلاق ، رابعا : الشرع يعتبر من يحكم بدون دليل فاسقا ظالما و القانون يعاقب من يخالف قانون الأحوال الشخصية
وقد اتضح لنا مؤخرا و للأسف الشديد تقلص الفقه عمليا في المجتمعات الإسلامية سواء كان ذلك طوعا أو كرها ، ومع تبدل الظروف الاقتصادية والفكرية الحديثة لم يترك للفقه في صيغته التقليدية إلا بعض المسائل في الأحوال الشخصية كما رأينا ولعل ذلك إلى زوال أيضا ، فالمرجعية الدينية التي حدد أبعادها وأشكالها الأئمة الإثنا عشر ، أصبحت اليوم منشغلة بالخلافات الفقهية والأمور العبادية وانزوائها عن متابعة شؤون العباد،.
لهذا بدأت الحركات تعمل على سحب بساط القيادة الدينية وتحويلها إلى جهة أكثر فاعلية للصالح العام ، ألا وهو القانون والذي من خلاله يستطيع الفرد أن يتحرك ضمن منظور استراتيجي شرعي في تأمين متطلبات الحياة العامة وبناء العلاقات بين المرجعية الدينية والقانون .
وأخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين