إن أي خطاب ديني له أنصار ، الخطاب الديني السني له أنصار ، الخطاب الديني الشيعي له أنصار ، الخطاب الديني الصوفي أو العرفاني له انصار، ولكل هؤلاء لهم توجهات معينة تمكنوا من خلال الخطاب احتواء أبعاد ما كان يرمي إليه هذا الخطاب الديني على لسانهم ، كون تفسيرهم وفهمهم قد اكتمل عند حدود جملة المبادئ التي مكنتهم من الاستناد عليها بإعتبارها تعاليم نسير ونعمل وفقها إلى يومنا هذا .
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل انتقلت إلى منهاج آخر ، إنفتح على أفق جديدة مكنتهم من الخروج باستراتيجيات تستفيد منها المجتمعات الإسلامية ،وهو فتح باب الاجتهاد مثلا عند الشيعة ، ظهرت لنا مدارس فقهية منها ، مدرسة الكوفة ، مدرسة كربلاء ، مدرسة أصفهان ، مدرسة النجف الأشرف ، مدرسة قم المقدسة (1)
وعند أهل السنة كان الاجتهاد بين فتح باب الاجتهاد تارة وغلق باب الاجتهاد تارة أخرى فظهرت مدارس فقهية منها مدرسة الصحابة ، مدرسة فقهاء مكة ، ومدرسة فقهاء المدينة ، ومدرسة فقهاء الكوفة (2)
كل هذه المدارس تمثل سلطة بذاتها ، تجمع أحيانا بين السلطة الدينية والسياسة معا وأحيانا تجمع السلطة الدينية وتحارب من خالفها ، والدولة التاريخية وظفت هذه المدارس للوصول إلى أغراضها وأهدافها الأيدلوجية ، وعملت على بناء إطار جديد لفهم الإسلام من الداخل واتخذته سبيلا لبلوغ غايتها، فظهر لنا مفهوم اختيار الفقيه حسب الأعلمية ، فهي مشابه بنظرية اختيار الحاكم بالشورى أم بالتعين.
فبتالي أصبح أمامنا اختيار أيدلوجي ، وظف به الدين بالطريقة نفسها دون وعي بتجلياتها الأيدلوجية ، وانتشر هذا الفكر بين عوام الناس أيضا دون وعي بتجلياتها الأيدلوجية ، فأصبح هذا الفكر ضمن مطالب الكثير من المجتمعات الإسلامية المعاصرة ، وحل محلها الإطار الروحي التي تعبر عن الجانب الأخروي التي ينشدها الإنسان المسلم ويسعى إلى تحقيقها ، وهذه الممارسة اللاشعورية أدت مفعولها المكبوت بتخارج في شكل مظاهر اجتماعية وثقافية .
لنوضح لكم المعنى أكثر ، سيد منير الخباز قال ما هو ضير ليكون للسادة الهاشمين الشيعة سهم من الخمس فتميز سنة قرآنية الله ميز بين الأنبياء وفضل بعضهم على بعض (3) إن هذا الإستخدام لفهم آية الخمس يفرض نفسه اليوم بكل عدوانية من خلال الحركات الإسلامية المعاصرة في العالم وهذه الحركات تدخل في صراع ضار مادام هذه التفاسير لآيات كتاب الله أخذت الجانب العنصري
مثلا هل يوجد فقراءالشيعة في السادة الهاشمين فقط ، هناك فقراء من نسل شمعون الصفاء وهناك فقراء من أحفاد نبي الله يعقوب وهناك فقراء أحفاد موسى كليم الله وهناك فقراء السادة الهاشمين من أهل السنة فهل تحدث القرآن في إعطائهم سهم من الخمس لهولاءالفقراء أم لا طالما هو كتاب جاء للعالمين ؟ سؤال حفيد نبي الله يوسف النبي سيد أم ليس بسيد ؟
الجواب بلحاظ التقسيم لنسل الأشراف فهو سيد مثلما حفيد خاتم النبيين (ص) سيد ، إذن الثقافة المعاصرة التي يتم ترويجها هو تجسيد لسلطة فقهية معينة تخول لنفسها أن تتحكم بزمام الأمور ، سؤال : ما هو حكم من لم يدفع سهم السادة من الخمس هل هو حرام أم مستحب أم احتياطا يجب التمييز ؟ ما هي المصطلحات الفقهية المستخدمة في الفقه ؟ ومتى يتم استخدامها ؟ الجواب ، ركزوا معي رجاءً
أولا : الاحتياط : الاحتياط المذكور في المسائل الشرعية على قسمين: واجب ومستحبّ، ويعبِّر عن الاحتياط الواجب بـ (يجب على الأحوط أو الأحوط وجوباً أو لزوماً، أو وجوبه مبنيّ على الاحتياط أو لا يترك مقتضى الاحتياط فيه) ونحو ذلك واللازم في موارد ،ويعبِّر عن الاحتياط المستحبّ بـ (الأحوط استحباباً) أو (الأحوط الأولى)
الاحتياط الواجب هو العمل بالاحتياط أو الرجوع إلى مجتهد آخر مع رعاية الأعلم فالأعلم وأمّا في موارد الاحتياط المستحبّ فيجوز ترك الاحتياط والعمل وفق الفتوى المخالفة له (4)
سؤال إعطاء سهم السادة واجب أم احتياط وجوبي أم احتياط استحبابي أم احتياط لزومي أي منهم ؟
الجواب دعونا أ ولا نأخذ بعض الأراء ومن ثم ننطلق لتوضيح المصطلحات الفقهية واستخداماتها في باب الخمس عند فقهاء الشعية ، السيد محمود الشاهرودي (5) يقول " ما اختاره مشهور الأعلام في أزمتنا المتأخرة سهم الإمام في موارد يحرز فيها رضاك المصالح العامة وما فيه تشكيل قوائم الدين ودعائم الشرع ،وهذا القول رغم انه أحسن الأقوال المتقدمة ولكنه أيضاً كسائرها مبتنٍ على تصور خاطئ وهو معاملة سهم الإمام وكأنه مال شخصي للإمام كأمواله الشخصية الأخرى ، فحيث لا يمكن إيصاله إليه في عصر الغيبة فلابد من صرفه فيما يعلم رضاه أو يتصدق به عنه ليكون ثوابه ونفعه الأخروي ، وهو نحو صرف في شؤون مع أن الصحيح أن سهم الإمام بل الخمس بتمامه لأنه هو أيضاً لا يتعقد بالتقسيم بين سهم الإمام وسهم السادة " إذن هو لا يعتقد بالتقسيم الخمس .
يقول الشيخ حب الله (6) " وكون الإنسان هاشميّاً أو علويّاً أو فاطميّاً لا يبرّر له التكبّر ولا التجبّر على الناس، فإنّ من يتشرّف هو بالانتساب إليهم ـ عنيت النبي وأهل بيته ـ كانوا من أكثر الناس تواضعاً، وأحسنهم أخلاقاً، وأبعدهم عن أذى الآخرين، وأرأفهم بالضعفاء، وأكثرهم عملاً صالحاً، فكيف يمكن للمنتسب إليهم أن تكون أخلاقه على عكس ذلك ثمّ يدّعي التشرّف أو يبرّر فعله بهذا الانتساب التكويني"
نكمل بحثنا في الحلقة (14) إن شاء الله تعالى..... إلى اللقاء.
المصادر
(1)شبكة المعارف الإسلامية الإلكترونية . أضغط على الرابط :- مصطلحات فقهية
(2) موسوعة ويكابيديا
(3) محاضرة ليلة 28 – 9 – 1443 هجري ، الخمس موارده من أين إلى أين ، مسجد الرسول الأعظم (ص) ، مطرح – سلطنة عمان عام 2022م ، أضغط على الرابط : الخمس موارده ومصارفه من أين إلى أين
(4) موقع المجيب الإلكتروني ، مؤسسة المصطفى للإرشاد
(5) كتاب الخمس ، الخمس ، جزء 2 ، ص 439