كان كلامنا حول الوسطاء في قضية الطلاق سواء كانوا خبراء اجتماعيين تستعين بهم المحمكة في إبداء أرائهم في قضايا الأحوال الشخصية أو كانوا وسطأء يستعين بهم رجل الدين خارج المحكمة ، هؤلاء الوسطاء عبر عنهم القرآن الكريم – بحَكم - ويجب أن يكون الحكمان من الطرفين أما من يفصل في القضية خارج المحكمة يسمى في القانون قاضي عمومي .جيد جدا
السؤال من يجب عليه الفصل في قضية الطلاق إذا كانت خارج المحكمة في المذهب الشيعي ؟ أنت اسأل أي رجل دين من أعطاك الإجازة في الفصل في قضية الطلاق ، الفقيه أم القانون ؟ وكيف أجاز لك بمعنى ما هو شكل الإجازة هل برسالة خطية أم شفهية أم بوكالة شرعية ؟ إذا كانت الإجازة بوكالة شرعية ما هو محتوى صيغة الوكالة الشرعية ؟ وما هو نوعها ، مطلقة أم مقيدة ؟ للإجابة على كل هذه الأسئلة ، ركزوا معي رجاء
إذا دخل عليك أحد المكتب وقال لك أنا وكيل مرجع فلاني وفقيه فلاني أو وكيل شخص ما ، أيا كانت الصفة المهم هو وكيل جهة ما جاء لمناقشة موضوع ما أو لطلب حق ما ، ما هي أول خطوة ستتخذها تجاهه ؟ ستطلب منه الوكالة لتقرأ محتواها ، ممتاز ، اول شيء ستنظر إليه هو من الموكل ؟ وما هو محتوى الوكلة ؟
السؤال ما هو تعريف الوكالة أولا ؟ جاء في صحيفة الأثير العمانية بتاريخ 5 -مارس-2019 م أن الوكالة لغة تعني الإنابة وهي أن يحل شخص محل شخص آخر في أمر معين ولكن ليكون هذا العقد صحيحا لابد من توفر شروط معينة : أولا : أن يكون الموكل مالكا حق التصرف فيما وكل فيه ، ثانيا : أن يكون الوكيل أهلا لمباشرة ما وكل به هذا في القانون
أما تعريف الوكالة في الفقه الجعفري جاء في( شرائع الإسلام للمحقق الحلي جزء 2 ص 151 هو استنابة في التصرف، ولابدَّ في تحققه من إيجاب دال على القصد كقوله وكلتك أو استَنَبْتُك أو ما شاكل ذلك)
إذن القانون والفقه اتفقا على تعريف الوكالة أنها استنابة أو الإنابة .
نعود إلى كلامنا ، ثم ستنظر إلى نوع الوكالة هل هي عامة أم خاصة أم مطلقة ثم ستنظر إلى المحتوى النصي للوكالة جيد جدا ، تعالوا معي لنننظر إلى نماذج لمحتوى الوكالات الشرعية التي يعطيها الفقيه الشيعي للغير مثلا :-
السيد صادق الشيرازي أعطى وكالة للشيخ ياسر الحبيب يعيش في لندن صاحب قناة فدك ، وصوت العترة قال فيها (فقد أجزت لصاحب الفضيلة العلامة الشيخ ياسر الحبيب دام تأييده أن يروي عني ما صحت لي رواة عن مشايخي الكرام والعلماء إلخ يذكر أسماء المشايخ ) هذه الوكالة مقيدة في جانب واحد فقط هو أن يروي الشيخ الحبيب عنه ، وينقل فتاواه ويطبقها ، ولكن هل يحق له الفصل في قضايا الطلاق أم لا ؟ لا يحق له لأن الفقيه لم يعطه وكالة بأن يقوم مقامه في الفصل في القضايا الاجتماعية .
مثال آخر لنموذج وكالة السيد السيستاني في إجازة للأمور الحسبية يقول أن فلان يذكر اسمه (مأذون من قبلنا في التصدي للأمور الحسبية المنوطة للحاكم الشرعي كما هو مجاز ومأذون في صرف ثلث مما يقبضه من حق الإمام ) إذن هذه وكالة أخرى مقيدة في قبض وصرف الأموال ولكن هل يحق له الفصل في قضايا الطلاق أم لا ؟ الجواب كلا لماذا ؟ لأن محتوى الوكالة لا يشير إلى ذلك.
مثال آخر من وكالة شرعية من أية الله محمد حسن أل شيخ أعطى أمرا كتابيا (لتأييد ومساعدة أحد المشايخ الذي يعمل في ميدان العلم وصد الفكر المعادي للإسلام ومشهود عنه النشاط الفكري) إذن هذه الوكالة لا تنص على قبض وصرف الأموال ولا في التصدي لحل قضايا الطلاق
مثال آخر لنموذج وكالة السيد الإمام الخميني أعطى إجازة شفهية في الأمور الحسبية في قبض الحقوق الشرعية ضمن شروط معينة حسبما ورد في التوكيل الخطي ، وهذا يعطينا دلالة واضحة أان الوكالة الشفهية لا قيمة لها إذا لم تدعم بوكالة خطية معتمدة من الفقيه نفسه ، هنا أيضا لا يوجد توكيل للغير في حل القضايا الاجتماعية . (مرفق نماذج الوكالات الشرعية)
من هنا يتبين أن الفقيه يعطي وكالات شرعية للغير في أمور عديدة ، ولكل موضوع توكيل خاص منه للغير منها قبض وصرف الأموال ، منها إعطاء أمر لمقلديه بمساعدة شخص ما يقوم في التصدي للفكر المعادي للإسلام ، السؤال لماذا لا نجد وكالة شرعية لوكلاء الفقهاء للتصدي وحل المشاكل الاجتماعية والفصل فيها كالطلاق مثلا ؟
الجواب لأن من يملك حق الطلاق في توكيل الغير هما الزوج أو الزوجة وليس الفقيه ، الأخير يدخل على الخط في حالة إذا استعصت الأمور في الوصول إلى حل القضية ، فيفصل فيها بفتوى منفصلة ، تماما كالقاضي يحكم في كل قضية على حدة .
السؤال هل يستطيع الفقيه إعطاء وكالة للغير في الفصل في قضايا الطلاق أم لا ؟ الفقيه يعطي لوكلائه ما يدور ضمن خصوصياته فقط ولا يعطي فيما يختص به غيره كالطلاق فإن إعطاء الوكالة هو من اختصاص الزوج أو الزوجة وهذا يعني أنه لا يوجد نص عند الفقيه في توكيل الغير في قضايا الأحوال الشخصية . ممتاز
من هنا نستدل أن الفقه أوجد مساحة تشريعية فارغة في نظام الوكالة الشرعية كيف ؟ الجواب تفاصيل وأدلة علاقة الأسرة الزوجية تعتبر من الأحكام الكلية في الشرع والقاعدة العامة التي تركزت عليها المسائل في الرسائل العملية لحالات معينة وردت عناونيها في نطاق بعضها يختص جانب معين والبعض الآخر يستوعب مختلف مجالات الحياة
فعدم وجود وكالة لوكيل الفقيه في التصدي لحالات اجتماعية والذي اعتبره الفقيه لا نص فيه ، أدى إلى ترك الفقيه لهذه القضية ضمن النطاق المذكور ، بالنتيجة عمل الوكلاء النشطاء عبر ثقافة جديدة تقوي بها شخصياتهم واستعملوا الدعاية الجماهيرية لتلميع صورهم وفتحوا نقاشات جدلية فارغة من المحتوى الفقهي وببراعة تامة وتم وبصورة مماثلة استخدام لغة حيل الشرعية .
وهذا ما دفع المشاركون في دراسة ظاهرة الطلاق المبكر في المجتمعات الشيعية إلى تقديم اقتراحات على ضرورة إعداد برامج تأهيلية لرجال الدين في معالجة القضايا الاجتماعية والأحوال الشخصية بعدد مكرر 77 مرة من إجمالي 1680 مشارك ، وبالتأمل في هذا الفراغ التشريعي فإن كل وضع لم يرد فيه نص مباشر أو قاعدة عامة من أوضاع البشر التي تحدث نتيجة للتطور ونمو المعرفة والقدرة يقتضي الضبط والسيطرة والتنظيم للمجتمع والإنسان
فإذا وكل الزوج أحدا في موضوع الطلاق يجب أن تكون وكالة محررة لا تكفي وكالة شفهية وأيضا إذا وكلت الزوجة أحدا في موضوع الطلاق أن تكون وكالة محررة لا تكفي وكالة شفهية هنا سنفرض وضعا تشريعيا يخدم الفقه والقانون والسبب لأننا نصطدم مع واقع ملزم يفرضه النمو الاجتماعي فنحن نفرض تنظيم قانوني وهذه القوانين لها قابلية الضبط والتنظيم .
لأن الذي يقضي في حكم الطلاق خارج المحكمة لا يتدخل في الفصل في الحضانة ولا النفقة ولا ما للزوجة من التعويض من الأضرار التي لحق بها ، والحال كما عرفنا الشرع طالب بالعدل في الحكم ، والعدالة تقتضي البت في كل ما يتعلق بالطلاق من التبعات المادية والمعنوية. وعدم البت في هذه الأمور دليل على الجهل الناتج عن عدم الوعي وأمية القراءة الفقهية في من يتصدى لمثل هذه القضايا الاجتماعية .
فمطلب المشاركين في دراسة ظاهرة الطلاق المبكر في المجتمعات الشيعية مؤخرا على ضرورة تعويض المطلقات فيما خسرته في الأسرة الزوجية بعدد مكرر 61 مرة من إجمالي 1680 مشارك في محله ، ودليل على أن طرق إثبات الأدلة في إيقاع الطلاق خارج المحكمة غير صحيحة ، وغير كافية
يقول الشيخ حيدر حب الله في بحث الفراغ التشريعي نقلا عن الشيخ محمد مهدي شمس الدين إن سلطة الفقيه في منطقة الفراغ التشريعي إذا كان الفقيه له سلطة التشريع (فهو ملزم الرجوع إلى أهل الخبرة لتنقيح الموضوعات)
وهذا واقعا سيعطينا خيارات كثيرة ولن نركن في زاوية واحدة والدولة تستطيع أن توجد أنظمة عادلة راسخة ومتينة في حقوق الإنسان والمساواة بين الذكر والأنثى ونظام الوكالة واضح في قوانين الدول الإسلامية والعربية ويمكن تفسيرعقد الوكالة شرعا وقانونا .
للحديث تتمة في الحلقة (11) إن شاء الله تعالى ........ إلى اللقاء