النهضة الحسينية وصراع الحضارات (10)


مكة أصبحت أحد أقاليم الدولة المدنية التي أقامها الرسول الأعظم (ص) وكذلك بعض الأقاليم من البحرين وعمان واليمن أصبحت جزء من هذه الدولة أيضاً ، ولكن هذا الفتح تعرض لتهديدات خارجية حاكها بنو أمية مع قبيلة بني كلب في الشام بعد أن دخلت بعض العشائر الكلبية في الإسلام ظاهرا كعامل استفزازا للدولة البيزنطية و لبيان إن خطر الإسلام بات قريباً منها  ،وهو ما كان يريده أبو سفيان للإنتقام منها وقطع ذراع الإمبراطورية الرومانية من الجانب الغربي ، ليكون لبني أمية اليد الطولا فيها.  وجاءت هذه الفرصة عندما مزق الحارث بن شمر ملك الغساسنة رسالة خاتم الرسل (ص) التي يدعوه فيها إلى الإسلام من بين جملة من الرسائل التي أرسلها إلى ملوك الأرض ، وحسب البروتوكولات الرومانية ، أبلغ الحارث بن شمر قيصر الروم بنيته غزو المدينة وإنهاء الدعوة الإسلامية و إعادة الأقاليم التي احتلها بزعمه النبي الخاتم (ص) ، لم يبدي قيصر الروم أي ردة فعل سلبي تجاه نية الحارث بن شمر، وصل خبر الحارث إلى الرسول الأعظم (ص) فقال " باد ملكه " أي زائل لا محال. 

مع تحرك الجيش البيزنطي نحو المدينة ، قسم الرسول الأعظم (ص) جيشه إلى 3 أقسام ، قسم خرج معه (ص) وقوامه 30 ألف جندي في مقابل 40 ألف جندي بيزنطي ، قسم جعله للتدخل السريع إذا ما رجحت كفة البيزنطيين في المعركة ، وقسم  يحمي المدينة ووضعهما تحت إمرة علي بن أبي طالب الذي كان يريد الخروج مع النبي الخاتم (ص) . خطط بنو أمية اغتيال الرسول الأعظم (ص) في هذه المعركة التي سميت بغزوة تبوك في مؤامرة سميت في كتب التاريخ بمؤامرة العقبة (2) ، وقد كشف القرآن الكريم هذه المؤامرة والتي باءت بالفشل " وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ" (3)  وكان أبو سفيان ممن اشترك مع المنافقين في هذه المؤامرة  فلم يكن إسلامه سالما فهو لم يألوا جهدا في إبراز حقده على الإسلام ونبي الإسلام ، فيوم حنين عندما انهزم المسلمين عن النبي الخاتم (ص) قال أبو سفيان " لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن أزلالام لمعه في كنانته ". 

 ورغم كل هذا فإنه حصل على حصة كبيرة من غنائم معركة حنين قال النبي الخاتم (ص) لبلال  زن لأبي سفيان أربعين أوقية من فضة ومائة إبل ، نظرإليه أبو سفيان فبلال الذي كان عبدٌ يباع ويشترى أصبح أقرب المقربين لزعيم الدولة يعطي هذا وذاك لزعماء قريش الذين كانوا يوما أسياده ، حقيقة انقلبت الموازين رأساً على عقب فأصبح ذليلهم عزيزا وعزيزهم ذليلا .  ولم يكتفي أبو سفيان بحصته من الغنائم  بل طلب لابنه يزيد أيضا ، فقال النبي الخاتم (ص) يا بلال زن ليزيد أربعين أوقية من فضة ومائة إبل وهذا رقم ضخم وهائل يعتبر فدية قتيل مائة إبل.

اختفى أبو سفيان والأزلام الذين كانوا معه عن الأنظار وابتعدوا عن الأضواء عندما رأؤوا أن الخلافة بعد النبي الخاتم (ص) ذهبت إلى بني هاشم يوم غدير خم فأعادوا تنظيم صفوفهم بغية الوصول إلى السلطة. من هنا بدأت أول خطة أبو سفيان هو إبعاد بنو هاشم عن الخلافة واغتيال عناصر الدولة الإسلامية ، اشتد تحالف أبو سفيان مع اليهود فسم أبو بكر ومات ودفن ليلا (4) واغتيل عمر بن الخطاب على يد أبو لؤلؤة المجوسي الذي كان غلاما عند المغيرة بن شعبة ، والأخير كان مناصرا للبيت الأموي (5).

تذكر كتب السير أن كعب الأحبار دخل الإسلام في عهد الخليفة عمر وهو يريد بيت المقدس فمر على المدينة فخرج إليه عمر فقال له يا كعب أسلم  فقال كعب ألستم تقرأؤن في كتابكم " مثل الذين حملوا التوراة  ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا " (6) فأنا أحمل التوراة  فتركه. دخل كعب الأحبار حمص والتقى بمعاوية بن أبي سفيان وحصل تنسيق بينهما على إعلان كعب إسلامه (7) عندها سكن معاوية اليمن حيث يسكن كعب الأحبار من هناك أرسل رسالة إلى أبيه أبو سفيان ينذره من مغبة دخوله الإسلام  وبدأت المؤامرات الأموية ضد الإسلام ونبي الإسلام وضد العناصر المحيطة به (ص) (8).

وهذا يؤكد أن البيت الأموي لم يصل إلى سدة الحكم مباشرة دفعة واحدة بل هناك محطات عبروا من خلالها إلى السلطة ، فكانت بدايتها حين استعمل النبي الخاتم (ص) يزيد بن أبي سفيان في مهمة جباية الصدقات من قبيلة كنانة في الشام وهم أخواله ، فكانت هذه الخطوة الأولى في تثبيت أقدامهم في الشام ، ثم جاءت ولاية معاوية على الشام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي فتح مجال لبني أمية في مناصب الدولة ، علاوة على ذلك أرجع الخليفة عمر كعب الأحبار واليهود إلى وادي القرى وهي على الحدود الشمالية لجزيرة العرب وهي الموطن الأصلي لليهود وكانت ضمن إمارة معاوية فأعطى لهم الأراضي لتقوية سلطانه ، علما أن الرسول الأعظم (ص) أخرجهم من وادي القرى.

  أصبح الطريق سهلا لاغتيال الخليفة عمر وإلصاق التهمة بعبد فارسي كان عند المغيرة بن شعبة  ليقول الناس أن الخليفة عمر فتح بلاد فارس فأراد هذا العبد المجوسي أن يشفي غليله منه علما أن بنو أمية كانوا يتعصبون لعروبتهم فكيف أوى المغيرة هذا الفارسي ليعمل لديه مع أن الخليفة عمر منعه عن إيوائه.

ثم جاء دور الخليفة عثمان بن عفان الذي فتح المجال لبني أمية للتدخل في شؤون الخلافة الإسلامية ،و أعطى صلاحيات كبيرة لمعاوية في الشام ، وقد صرح  أبو سفيان عندما  جاء إلى قبر حمزة بن عبدالمطلب ورفس قبره مخاطباً إياه " إن الأمر الذي كنت تقاتلنا عليه بالأمس قد ملكناه اليوم وكنا أحق به من تيم وعدي" (9). علما أن الخليفة عثمان أوى معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بعد صدور أمر نبوي بالقبض عليه في قضية التمثيل بجثة حمزة بن عبدالمطلب بعد معركة أحد ، حيث دخل معاوية بن المغيرة  المدينة كجاسوس لأبي سفيان ، وحانت ساعة الصفر لتصفية الخليفة جسدياً.

 تحرك الحزب الأموي بقيادة المغيرة بن شعبة وكعب الأحبار وأججوا نار الفتنة وقضموا مالا الله دولا فكانت القشة التي قصمت ظهرالبعير، ثارت المدن الإسلامية ضد الخليفة حتى اجهزوا عليه ، وقد طعنه الصحابي عمرو بن الحمق الخزاعي بطعنات أردته قتيلا.  بنو أمية أخفوا هويتهم في التخطيط لاغتيال الخليفة عثمان ، وعلق معاوية قميص عثمان الملطخ بالدم على منبر الشام طالباً بثأره ، ورافعا شعار يالثارات عثمان لتذهب بذلك هيبة الخلافة الراشدة أدراج الرياح.  

استقوى معاوية على الشام وبات إعلان قيام الدولة السفيانية تحكم الممالك الإسلامية بمساعدة الروم و بثوب إسلامي قريب جدا ، بقي الإطاحة بآخرعنصر إسلامي الذي يمكنه وبجدارة من إفشال المخطط الأموي ضد الإسلام ونبي الإسلام وهو علي بن أبي طالب.  الحمد لله رب العالمين. 

المصادر 
1-الكامل في التاريخ ، ابن الأثير جزء 2 ص  278، 
2_منتخب كنز العمال 5 / 234. الاستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر الأندلسي ص 372 طبعة دار إحياء التراث العربي ، بيروت - شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد جز 6 ص 290-291
3- سورة التوبة آية 74 
4- العقد الفريد ، عبد ربه ، جزء 4 ص 250 ، طبيقات ، لأبن سعد جزء 3 ص 207
 5- الإمام الحسين ، عبدالله العلايلي ، ص 30- 31 
(6) سورة الجمعة آية 5
(7) الدر المنثور ،جلال الدين السيوطي ،  جزء 2 ص 169 
(8) راجع كتاب المفاخرات ، الزبير بن بكار ، والأضواء على السنة المحمدية لعالم الأزهر محمود أبو ريه
(9) النزاع والتخاصم ما بين أمية وبني هاشم ،تقي الدين المقريزي ، ص 84


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير