النهضة الحسينية وصراع الحضارات (7)


عاد أمية إلى مكة بعد أن مكث في الشام  و أقام بها عشر سنين و فقا لما حكم به المحكمون بين المتنافسين هاشم و أمية ، توطدت علاقة بنو أمية بالشام بعد عشر سنوات التي أمضاها أميه فيها ، دخل خلالها في تحالف مع بني كلب أكبر قبائل المسيحية في الشام  و قد صاهرهم ثلاثة من بني أمية  سعيد بن العاص  و عثمان بن عفان و معاوية بن أبي سفيان . تعاظم دور بنو أمية التجاري و أصبحوا من المقربين من البلاط الروماني فكان أبو سفيان يلقى هرقل الروم و أمراء بيته ، علاوة على ذلك كان يلتقي بأمراء الدولة البيزنطية (*)، جمع  أبو سفيان  مجموعة من القبائل تحت قيادته من بني أمية  وبني الحكم  و بني المخزوم و خزاعة وبني النضير من اليهود إضافة إلى المرتزقة من الروم  لحماية القوافل التجارية بين مكة و الشام  حتى عُد أبو سفيان من رعايا الدولة الرومانية ، و بحكم هذا الولاء طمع أبو سفيان في ملك الحجاز  و عند ظهور النبي الخاتم (ص) خاف  أن تتبدد أحلامه في ملك الحجاز حاربه بشتى الطرق  و الوسائل لإفشال الدعوة الإسلامية .

 من هنا نستطيع أن نشير إلى النزعة السلطوية عند بنو أمية عملت على طرح نفسها  في صيغة منهجية و نظرية في فهم النبوة ، و كانت هذه النزعة بداية مرحلة نشوئها  لتمثل فيما بعد مشروعا دينيا لبث الاحتياجات الأيدلوجية لقطاعات اجتماعية طبقية معينة في مراحل التطور التاريخي لبلورة النظرة الرجعية . و قد وجدت هذه النظرة أرضية خصبة و عميقة على صعيد الفكر الديني ، و هذا الفكر الذي عبر على نحو متميز و خاص عن مطامح التقدم الاجتماعي و السياسي لبني أمية في الدولة الإسلامية ، و هذا الذي جعل من كعب الأحبار يبشر بخلافة معاوية في عهد عثمان بن عفان  و هو يسير خلف عثمان : الأمير و الله بعده صاحب البغلة ! و أشار إلى معاوية ! فبلغ ذلك معاوية فأتاه فقال يا أبا إسحاق تقول هذا و هاهنا عليٌّ و الزبير و أصحاب محمد ( ص ) ؟ ! قال : أنت صاحبها ) (1) .

هذه الفكرة ظهرت على شكل الشعوبية في صيغتها الرجعية المناوئة للفكرالإسلام المحمدي الأصيل و قد صرح معاوية لمطرف بن المغيرة بن شعبة الذي دخل على معاوية مع أبيه في بعض الأيام فوجده مغتما فقال له ما لي أراك مغتما هذه الليلة  فقال يا بني إن ابن أبي كبشة ليصاح كل يوم خمس مرات أشهد أن محمدا رسول الله ! فأي عمل لي يبقى، و أي ذكر يدوم بعد هذا به  لا أبا لك! لا و الله إلا دفنا دفنا (2).

و في هذا القول إشارة واضحة إلى وجود  تناقض بين الواقع الإسلامي الذي سجل نهوضاً حضارياً عميقأ منذ عصر التنزيل  و بين الصورة التاريخية الممنهجة لواقع بني أمية حيال هذه الحضارة . و الحق أن هذا التناقض لا يمكن أن يكون ظاهريا بل هو متجذر في الفكر الأموي ، فهذا إبنه يزيد يصرح و هو يستشهد بأبيات عبدالله بن الزبعرى  لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل  ثم يضيف عليها  لست من خندف إن لم انتقم من أحمد ما كان فعل ، و أبو سفيان" دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه فقال: صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة، و اجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك و لا أدري ما جنة و لا نار! فصاح به عثمان: قم عني فعل الله بك وفعل" (3)  .

و على هذا النحو من النظر إلى الأمور لم يعد واردأ و مشروعأ أن نرى الواقع لغزا  بل هي مرحلة فكرية خصبة بكل ما للكلمة من معنى تعيش فترات تاريخية ، و هذه الفترات ستكون إيذانا بانهيارالإسلام وفكر الإسلام  على يد بني أمية ، لهذا كان لزاما على النبوة أن تكشف الأقنعة التي تسترت باسم الإسلام وتحذير الأمة الإسلامية من خطر قادم .

 ففي تاريخ دمشق غزا عبدالرحمن بن سهل الأنصاري زمان عثمان ومعاوية أمير على الشام، فمرت به روايا خمر تحمل، فقال إليها عبد الرحمن برمحه فبقر كل راوية منها، فناوشه غلمانه، حتى بلغ شأنه معاوية فقال  دعوه فإنه شيخ قد ذهب عقله  فقال : كذب والله ما ذهب عقلي، ولكن رسول الله (ص) نهانا أن ندخله بطوننا وأسقيتنا، وأحلف بالله لئن أنا بقيت حتى أرى في معاوية ما سمعت من رسول الله (ص) لأبقرن بطنه أو لأموتن دونه) (4) . 

و من هنا أصبح ضروريا أن نتعرض للمؤشرات الأساسية للإرهاصات التاريخية التي اعلنت عن نفسها على أيدي المؤرخين وعلماء الحديث، بتعبير أخر من الضروري أن نتقصى الرؤى و المواقف الممنهجة لبني أمية التي انطلقت منها في مواجهة الإسلام و رسول الإسلام .في الواقع إن الحروب التي قادتها بنو أمية لمواجهة الفكر الإسلام المحمدي الأصيل كان من خلال المساعدة الأجنبية  و بشكل أدق كان الصراع بين الحضارة الرومانية و الإسلام ولكن من خلال وكلائها من المسلمين وهم بنو أمية  هذا أبو سفيان يستعين باليهود ومرتزقة الروم في عملية  الاغتيالات السياسية ،

 ففي مروج الذهب أن الخليفة أبا بكر مات مسموما " سمته اليهود في شئ من الطعام و أكل معه الحارث بن كلدة فعمي) ، أخرج ابن سعد والحاكم بسند صحيح عن ابن شهاب أن أبا بكر و الحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة (لحم مثروم مطبوخ) أهديت لأبي بكر فقال الحارث لأبي بكر: إرفع يدك يا خليفة رسول الله ! و الله إن فيها لسم سنة و أنا و أنت نموت في يوم واحد! فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة) .

 روى الحاكم في المستدرك  عن داود بن يزيد الأودي قال: سمعت الشعبي يقول: والله لقد سم رسول الله (صلى الله عليه وآله) و سم أبو بكر الصديق، و قتل عمر بن الخطاب صبرا، و قتل عثمان بن عفان صبرا، و قتل علي بن أبي طالب صبرا، و سم الحسن بن علي، و قتل الحسين بن علي صبرا، فما نرجو بعدهم ) (5)، و قد قال الخليفة عمر لأصحاب الشورى " إن اختلفتم دخل عليكم معاوية ابن أبي سفيان بجيشه من الشام ، و جيش عبدالله ابن أبي ربيعة المخزومي من اليمن" (6) ، ترى ماذا  كان يملك معاوية من القوة العسكرية اللازمة في الشام لقلب الموازين لصالحه في الحجاز  حتى يحذر الخليفة عمر أصحاب الشورى منه لو لم تكن هناك قوة عسكرية غير إسلامية تساند معاوية . و الحمد الله رب العالمين .

 المصادر 

(*) لا يوجد فرق بين الدولتين الرومانية والبيزنطية فكلاهما دولة واحد ، تعرضت للتقسيم  عام 395 للميلاد فكان يطلق على الشق الشرقي للإمبراطورية الرومانية "الدولة البيزنطية"  و على الشق الغربي " الدولة الرومانية"

1 الطبري في تاريخه : 3 / 379 ، وتاريخ دمشق : 39 / 123 و 176 و 305 ، وجواهر المطالب لإبن الدمشقي : 2 / 183 ، وسنن الداني : 1 / 117 و 127 ، وابن أبي شيبة : 8 / 586 ، ونسخة وكيع / 91 ، وأنساب الأشراف للبلاذري / 1422 ، وسير أعلام النبلاء : 3 / 136
2 شرح نهج البلاغة 5129
3- الإستيعاب جزء 2 ص690 ، تاريخ الطبري  جزء 11 ص 357
4-مروج الذهب ، لمسعودي  ص  552 ، تاريخ الخلفا ء ص 61 ، جواهر التاريخ ، الشيخ علي الكوراني العاملي جزء 3 ص   210،  
5- الحاكم ، المستدرك ، جزء 3 ص 59
6-تاريخ دمشق جزء 59 ص124 ، التحفة اللطيفة للسخاوي جزء 2 ص 35


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/8 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير