نشرت الوسائل الإعلامية خبراً مفاده أن يحيى السنوار قائد حركة حماس قال في رسائله إلى الوسطاء وأعضاء المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج: " إنه مستعد للموت في القتال، حيث شبّه في رسالة حديثة الحرب قائلاً: علينا أن نمضي قدُماً على المسار نفسه الذي بدأناه أو فلتكن كربلاء جديدة".(1) هذا وقد بات واضحاً من الخطاب الاستراتيجي العسكري أن هناك مفاجآت بحاجة إلى فهمها بعيداً عن التنظير التقليدي أو التنظير البارد، حيث إن وظيفة هذا الخطاب هو كسر إرادة الخصم باستخدام أدوات القوة من أجل تحقيق أهداف عسكرية والوصول إلى نصر حاسم هذا من جانب، ومن جانب آخر بناء الهوية الفردانية التي ستلعب دوراً مهماً في بناء المجتمع وهي مرحلة مهمة في عملية التغيير، وهو العمل على إيجاد سندٍ نظريٍّ لكلّ تصرف الأفراد أو الجماعات .
ونحن نعرف أن هناك دوماً حركة ذهنية خفيّة بمبادئ وأولويات واضحة أو معتمة ، مضمرة أو معلنة تكون بمثابة الإطار المرجعي أو النموذج الموجه للقرارات الذي لا نستطيع النظر إلى الواقع بدونه ، بل حتى مسألة الإشكالات وطرق حلّها مرهونة بهذا الإطار المرجعي، مثلاً عندما نرى البعض يقول: إن سماع صرخات أطفال غزة والآلام التي يعانون منها هو دليل على انهزام أهل غزة، أو أن الحسين بن علي بخروجه على يزيد بن معاوية أوجد شرخاً في الأمة الإسلامية، فهذا التنظير جاء من حالة اليأس التي يعيشها البعض، فلم يكن أمامهم سوى تهميش الاستحقاقات المرجعية .هنا ثمة سؤال يُطرح : ولكن لماذا يتم تهميش الاستحقاقات المرجعية ؟
نحن بتنا اليوم لا نفكّر بصفاء نظري كم هو مؤلم أن نبحث عن حلول لقضايا العصر بحيث أصبحنا لا نفكّر بذهنية الانتصار ورفض الهزيمة التي تحفّز مسارات الأفراد والجماعات على مستويي الهوية والجهاد التعبوي لتتجلى في نهاية المطاف مكانتها وقدرتها على الانطلاق نحو أهدافها، ولو تمعنا في ثورة الحسين بن علي ضدّ حكومة بني أمية سنجد أنها كانت سبباً في إيقاظ ضمائر الشعوب نحو مقاومة الظلم .
وهذه المقاومة تعزّز القدرة على جمع عناصر الهوية حتى لو كانت متنافرة وغير منسجمة قبل أن تعيد إنتاج تاريخ جديد للجماعات، وهذا الإنتاج وجدناه في خطاب يحيى السنوار عندما قارن مقاومة حماس ضدّ الاحتلال الصهيوني بمقاومة الحسين بن علي ضدّ حكومة بني أمية ، هذا الخطاب أعاد إلى أذهان الشعوب الانتصار الذي حققته النهضة الحسينية وميلاد أمة منسجمة قادرة على التمدّد في الزمان والمكان، وبشكل موازٍ تشكلت ذاكرتها المشتركة كربلاء وغزة .
وفي المقابل عندما نجد نقيض تلك الهزيمة التي تقطع سردية استحقاق الهوية للفرد لإحلال النزعة التسلطية والتي وحدها تملك الحضور ضمن مقومات بناء هوية الفرد، فإن الهزيمة قادرة على قطع الحضور التاريخي وإجهاض كافة التمثلات والتشكيلات الذهنية حول قيم البطولة، الأمر الذي يعرّض حياة الفرد والأمة لخطر الزوال، والدليل على ذلك لو لم ينهض الحسين بن علي ضدّ المشروع الأموي لكان الإسلام اليوم بصيغة أموية ، ولو لم يكن طوفان الأقصى لوضع ملف القضية الفلسطينية على الرفّ وأسدل الستار عنها ضمن مشروع التطبيع مع العدوّ الصهيوني ولكان الإسلام اليوم بصيغة صهيونية.
نحن أحياناً وفي أغلب الأوقات نكون قادة الطاقات الكثيرة السائبة غير المنتظمة، والتنظيم في العادة يقوم بدور المحرّك والمنسق والحاكم عند الاختلاف، ويكون الباني لأجهزة الدولة الجديدة بعد نجاح التغيير، والواضح أن فكرة التغيير ودقائقه الصغيرة تكون ساعتها منضبطة لا يستبد بكل زاوية منها اجتهاد أو يكون جنوح لتهور أو حصول انتقام غوغائي، أنتم انظروا إلى الشباب الذين اقتحموا السياج الإسرائيلي في 7 أكتوبر عام 2023م كم كانوا فخورين بأنهم صنعوا طوفاناً وتركوا بصماتهم على حاضر ومستقبل فلسطين والأمة الإسلامية على حدٍّ سواء، وهذا الفخر وجدناه في أصحاب الحسين بن علي، فهذا نافع بن هلال البجلي أحد شهداء معركة كربلاء يخاطب قائده بقوله : "والله ما كرهنا لقاء ربنا، وإنا على نياتنا وبصائرنا، نوالي من والاك ونعادي من عاداك".
هؤلاء الشباب صنعوا التاريخ ليكون طوفان الأقصى أحد أبرز مصاديق نجاح النهضة الحسينية، فقد يتوهم البعض أن الشباب كانوا بعفويتهم وبسبب نقص المخاطر قد لجؤوا إلى الاقتحام، هذا تنظير من يرى بعين الخوف ولكن المسألة ليست كذلك، الشباب دائماً هم الشعلة التي تسعى إلى التغيير، ولكن في نهاية الأمر المقاومة الإسلامية دخلت على الخط لمعرفتها أن الوقت قد حان لقلب تلك التنظيرات الباردة التي تريد أن تركب موجة النصر، وقد رأينا مقالات كثيرة ملأت الصحف تريد التقليل من هذه المقاومة الإسلامية، وهذا بديهي لأنه مخالف للمنطق الذي يرى القضية بمنظار من يقف في صف الكيان الصهيوني حيث قالوا: كيف يمكن لثلة التغلب على جيش متطور؟.
هذا التنظير كمن رأى تكاثف بخار الماء عندما يخترق الغرفة المخبرية فلا يرى غيره، لأن الولاء لهذا الجسيم الذي لفه البخار هو ولاء وهمي تماماً، فهؤلاء بلسان حالهم يقولون: من هو المجنون الذي يريد مواجهة إسرائيل؟ هذا التنظير أحادي الجانب لا يستوعب كل الشروط المنهجية في تحقيق الانتصار ولا يدرك أن هناك تنظيماً يكتفي بالطاعة والبيعة ليصنع تياراً موالياً يحوي كمّاً ضخماً من الطاقات يكفي لتحقيق الأماني الثورية والتغييرية وليست القوة بشرط حتمي، انظروا إلى شاشات التلفاز هناك مظاهرات في عقر دار من يناصر الكيان الصهيوني ومطالبات شعبية لإزالة إسرائيل من الوجود، وفي استطلاع جديد للرأي أجرته مؤسسة "فوكل داتا" لحساب موقع "أنهيرد" الإخباري البريطاني أن غالبية الشباب في بريطانيا لا يعتقدون بضرورة وجود إسرائيل (2). والحمد لله رب العالمين.
المصادر