عنما نبحث عن المسلمين وأسفارهم خاصة الرحالة البيروني الذي سافر إلى الهند في القرن الخامس الهجري ، وقضى خمس سنوات هناك يتعلم اللغة السنسكريتية لأجل أن يترجم التراث الهندي إلى اللغة العربية ، أقليدس بن دوقطرس إبن الإسكندر كتب في الهندسة ترجم له ، ثم كتب كتابه العظيم "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرزولة " ، اتمه في عام 423 الهجري ، ثم اتي بعده بفترة وجيزة الشهرستاني وكتب كتابه " الملل والنحل " يؤرخ فيه لأديان عصره بمنهج علمي دقيق فكتب عن المجوس واليهود والنصارى والمسلمين . سؤال لماذا اهتم علماء المسلمين دراسة عقائد الشعوب ؟ ركزوا معي رجاء على الجواب .
أنا وانت عندما نقف مع الأخرين ونناقش عن هذا الإنسان ماذا نقول عنه ؟ الجواب مقولة ارسطو أن الإنسان حيوان ناطق ، ولكن لا نقول أن ارسطو عرف الإنسان بإن الإنسان حيوان متدين ، وإنما من عرف الإنسان أنه حيوان متدين هو هيجل (1) ،بإعتبار ان التدين هو حس داخلي في الإنسان ويدخل في ماهية الإنسان مثل العقل سواء بسواء .
وبهذا المعنى ذهب بعض علماء الصوفية كإبن الجنيد ، بالقول إن الإيمان أمر فطرى في نفس الإنسان سابقة في وجودها على البدن ، ولخصها أن الإيمان هو الميثاق الذي أخذه الله من بني آدم من ظهورهم حين اشهدهم ألست بربكم ، قالوا بلى أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.
فإذا سلمنا ما ذهب إليه إنن الجنيد فإن حس الديني سيكون متفاوتا بين شخص وشخص و بين نفس إنسان ونفس إنسان آخر، وهذا الحس مطمور في داخل نفس الإنسان الذي يمنعه من الظهور هو عدم معرفة الإنسان ما في داخله من حركة الكون بفعل الإلهي (2) وعليه خضع هذا الحس لتطور في مراحله الثقافية في حياة الإنسان ، من هنا نشأت الأديان ونشات الأساطير ونشات الخرافات ونشات الشعوذة ونشات المعتقدات ، فقد تعددت مسميات هذه الأديان فمنها ،الزراددشتية ، الجينية ، البوذية حتى نزلت الأديان السماوية المسيحية واليهودية والإسلامية ، ومن هذه الأديان السماوية تفرعت مذاهب مختلفة .
من هنا لمسنا فوارق كثيرة في ميدان الدين ، علماء الأديان السماوية يتفقون ان منبع دينهم واحد ، ولكن عندما يدرسون هذه الأديان يدرسونها بشكل منفصل ، لماذا ؟ الجواب لأن الواقع الذي تعيشه شعوب الدين اليهودي يختلف عما تعيشه الشعوب المسيحية وكذا الحال للشعوب الإسلامية ، هل توقفت المسالة عند هذا الحد ؟ الجواب كلا ، بل يُدرس كل فرع من أفرع هذا الدين أو ذاك أيضا بشكل منفصل ، مثلا دراسة المذهب السني هو بنفس آليات دراسة المذهب الشيعي أو دراسة الطريقة الصوفية عند أهل السنة هي نفسها في المذهب الشيعي ؟ الجواب كلا ، لماذا كل هذه الاختلافات والحال يجب ان يكون واحدا لأن المنبع واحد ؟ ركزوا معي رجاء ،لأنه البحث مهم جدا .
دعونا نوجه هذا السؤال : ما هي علاقتك بالدين ؟ أبسط جواب حصلت عليه هو الارتباط السامي مع الخالق عزوجل ، مع الله جلت قدرته ، ممتاز ، هل انت بحاجة إلى رمز لتقيم هذه العلاقة مع الله عزوجل أم لا ؟ الجواب نعم ، هذين السؤالين وجهتهما لشريحة مختارة من المسلمين الشيعة والسنة معا ، وهذه كانت بعض إجاباتهم . ومن اجل الوقوف على رموزهم التي يقتدون بها كانت إحدى هذه الرموز السيدة زينب بنت الإمام علي إبن ابي طالب (ع) وهي عقيلة الهاشميين.
قبل التحدث عنها لابد من الإشارة إلى جزئية اهمية الرمز الديني في حياة الشعوب ، في العصور السابقة كان للكائنات الدينية أهمية مميزة مثلا القلنسوة ذات قرون ، رمز عند السومريين في الشرق الأوسط ، نقل هذا الرمز ذات دلالة على القوة والعظمة ، وهذا النموذج لا ينطبق إلا على القوة الإلهية ، فإذا كان الفرد السومري يلبس القلنسوة فإن الإعتقاد أن قوة إله تحوطه وهي قوة لا متناهية ، فينزل إلى ميدان القتال ، وقد شُحن بقوة يواجه بها أعدائه . الهندوس اختاروا البقرة كرمز للحنان ، ونموذج الحنان اين ستجده ؟ عند الأم ، فكلما يرى الفرد الهندوسى البقرة يخضع لأمه التي ولدته ، جيد جدا .
إذن التكوين السامي للكائنات الدينية حددت العلاقة التي تتقدم بها المعتقدات في حياة الفرد والمجتمع فإن هذه الدلالة تحددها السماء ، بالنتيجة أصبح لكل كائن ديني رمز متخيل ككائن سماوي ، اتضحت الصور ، اعتقد نعم ، جيد جدا . تعالو إلى رمز المسلمين وقدوة النساء زينب بن علي بن ابي طالب (ع)
سؤال : ما هو تعريف زينب بنت علي ؟ الجواب عرفها الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي إبن أبي طالب (ع) " ياعمة أنت عالمة غير معلمه وفهمه غير مفهمة " (3) ، وإذا رجعت إلى سيرتها ، تقول بنت الشاطئ عنها (4) " ظل هذا الصدى باقيا لم يتبدد مع الأحداث التي أعقبت المذبحة (تعني مذبحة كربلاء) وثارت لقتلاها " . وفي خطبة لها في مجلس يزيد (5) قالت له " فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها ( أي لا تغسله )، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد!! يوم ينادي المنادي: ألاَ لَعنةُ اللهِ علَى الظالمين " .
إذن نحن أمام شخصية تمثل القوة المعنوية للإسلام والمسلمين ، ومشعل هداية لدين جدها النبي الخاتم (ص) ، ومنار صلاح لنهج أبيها علي المرتضى ، العالم وقف إجلالا لها و أشك أن يرفضها أحد ، بل سيتخذها رمزا له في مواجهة الباطل ،أيا كان نوع هذا الباطل ، ولكن إذا جئت وقلت عنها عكس ذلك ، ماذا سيحدث ؟
الجواب : سيقولون لك أنتم تخدعون الناس ، وبالتالي سيحدث ما لا يحمد عقباه ،وسببه
هذا الخطاب الذي يطرحه البعض ، ومنهم السيد منير الخباز (6) قال ليلة عشرين من شهر رمضان المبارك ( فغدت تخضب شعرها بدمائه) أي بدماء والدها علي إبن ابي طالب عندما اتو به من المسجد إلى البيت بعد أن ضربه غبن الملجم بالسيف على أم رأسه في محراب مسجد الكوفة . قل لي المراة التي هي قدوة النساء ، لا تعرف أبجديات الفقه الإسلامي ان دم الإنسان نجس ، تقوم هذه السيدة وتصبغ شعرها وهي عالمة غير معلمة .
بالله عليكم أليس هذا تشويه لسيرة هذه المرأة الجليلة ، وحاشا لزينب أن تفعل ذلك، نحن بُراء من هذه الخطب المنبرية وأمثالها ، فهي لا تمت إلى الفكر الإسلام المحمدي الأصيل بصلة ، لا من قريب ولا من بعيد .
نكمل بحثنا في الحلقة (11) إن شاء الله تعالى ...... إلى اللقاء .
المصادر
(1)هيجل ، موسوعة العلوم الفلسفية ، ص 47-48 ، ترجمة د . إمام عبدالفتاح – دار التنوير بيرت – لبنان -عام 1983 م
(2) مجلة الفكر المعاصر – الخبرة الدينية والإيمان – العدد 61 - لعام 1970م
(3) الشيخ الطوسي – الإحتجاج – جزء 2 ص 31
(4) دكتوره عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) – السيدة زينب – دار الكتاب العربي – مصر – ص 163
(5) المصدر السابق – ص 143
(6) محاضرة للسيد منير الخباز- خطيب سعودي – ليلة عشرين من شهر رمضان المبارك – عام 1443هجري 21-4-2022 ميلادي – مسجد الرسول الأعظم (ص) – مطرح – سلطنة عمان. قالها في نعي بداية المحاضرة . https://www.youtube.com/watch?v=VtFlu0LlDWA ، علما ان هذه الأشعار تدرس ضمن منهاج تعليم الخطابة الحسينية في كيفية قرأءة مجالس العزاء على أهل البيت (ع)
https://mahad-alhassanain.com/tutorials/lesson_years/1433/poem-lesson-12-1433/