الطلاق بين المرجعية الدينية والقانون (9)


كلامنا في هذا الجزء من البحث متمم لما سبق الحديث عنه في شروط الزوج والزوجة في حالة إقدام الزوج على الطلاق ، وقد رأينا أن القانون في  الدول الغربية  كالقانون الأمريكي والألماني لم يضعا  أمام المرأة عقبات تحول دون حصولها  على حقوقها المدنية  ، أما في الدول العربية والإسلامية فإن القانون أيضا كان له دور خاص في تنظيم حقوق المرأة ،

مثلا   قانون الطلاق في المملكة المغربية يخضع لسلطة القضاء فلا يحق الإشهاد بشهادة عدلين من خارج المحكمة  حسب مادة 78 و 79 ،  وعلى الزوج أن يودع مبلغا  من المال في أمانة المحكمة  يحدده القاضي وذلك  عن نفقة الأطفال والزوجة خلال فترة العدة وإذا لم يودع  هذا المبلغ  يعتبر تراجعا عن دعوى الطلاق حسب المادة 83 من قانون مدونة الأسرة ، علاوة على ذلك يحق  لكلا الزوجين طلب الطلاق حسب المادة 94 من ذات القانون .

وفي الأردن حسب المادة 101 من قانون الأحوال الشخصية ، لا يعتد بالطلاق إذا لم يوثق أمام قاضي المحكمة  المدنية  ، وإذا طلق الزوج زوجته خارج المحكمة عليه أن يوثق الطلاق أمام قاضي المحكمة الشرعية  ، وإن تخلف في التوثيق خلال مدة أقصاه 15 يوما يعاقب ،  وإذا كان الطلاق تعسفيا كأن يقول الزوج أنا لا أميل لها ولا أريدها زوجة لي ، عليه أن يعوض الزوجة على ما لحقها من الأضرار ماديا ومعنويا.

أما  في العراق  فلا يعتد بالطلاق ما لم يسجل رسميا  أمام المحكمة ، وإذا طلق خارج المحكمة ولم يحمل توقيع الفقيه الذي يقلده  أو من في مقامه من الفقهاء المسلمين  فلا يعتد به رسميا ، علاوة على ذلك فإن مكتب الفقيه لا يعتد بالطلاق  الخارجي ما لم يحصل على إذن الفقيه في تطبيق  إجراء إيقاع الطلاق. 
وكذلك لا يعتد بالوكالة في تطبيق إجراء إيقاع الطلاق حسب المادة  34 فقرة ب من قانون الطلاق ، إضافة إلى ذلك  يحق لكلا الزوجين طلب الطلاق  بمعنى  تم رفع الحظر عن الزوجة في طلب الطلاق حسب التعديلات في قانون الطلاق العراقي الجديد

و في قانون الأحوال الشخصية في سلطنة عمان  لا يعتد بالطلاق خارج المحكمة ما لم يقم أحد الطرفين الزوج أو الزوجة بتقديم بينة تقبلها المحكمة ويعاقب من يخالف القانون الجديد في إجراء إيقاع الطلاق.

وفي إيران ألغى القانون الإيراني لحماية الأسرة إجراء إيقاع الطلاق خارج المحكمة ، فتم نزع الطلاق من يد الزوج وتحويل هذا الحق إلى المحاكم  والحضانة والنفقة تقرره المحكمة  جيد جدا 

 من الاقتراحات التي قدمها  المشاركون مؤخرا في  دراسة ظاهرة الطلاق المبكر في المجتمعات الشيعية :- إيجاد لجنة علمائية  مختصة لإصدار حكم الطلاق وبعدد  102 مكرر في نفس الاقتراح ، أي بنسبة 6 % من إجمالي 1680 مشارك ، وقدمت الدراسة توصية على ضرورة التشديد  من الضوابط غير الرسمية على إجراءات إيقاع الطلاق .واقعا  يجب ان لا نستهين بهذه المقترحات والتوصيات.

خلال بحثنا وجدنا أن المحور الذي يدور حول الجهة التي تملك حق إجراء إيقاع الطلاق هو الذكر (الزوج)  وهذا الاتجاه  الذي بني على أساس منطق ذكوري في تفسير النص ، أن الطلاق بيد الزوج ،  وهذا الاتجاه يعتقد أن بقاء الأسرة هو بيد الزوج ،ولكن إذا جئنا إلى المنظومة الدينية الشاملة نجد أن الإسلام عندما أجاز الطلاق  سواء للذكر أو للأنثى لم يجز ذلك مطلقا ، 

بمعنى أن إجازة الطلاق بيد الذكر مطلقة  أو إجازة الطلاق بيد الأنثى مطلقة   لأ أبدا ، والآيات القرآنية في كتاب الله كثيرة  أقرت هذه الظاهرة  وأقرت الحكم الشرعي ،  فإذن لدينا أول دليل على وجود الطلاق في حياة الأسرة الزوجية  هو القرآن الكريم ، ونحن نعرف  أن القرآن الكريم كتاب هداية و إرشاد لا يميز بين الذكر وبين الأنثى في الخطاب فكلاهما  معنيان في  الخطاب  القرآني . 

وإلى جانب كتاب الله  نجد روايات كثيرة تحدثت عن ظاهرة الطلاق  فهذا دليل ثان على وجود الطلاق في حياة الأسرة الزوجية ،  إضافة إلى هذين الدليين هناك دليل ثالث وهو القانون  الذي أكد لنا بوجود ظاهرة الطلاق في حياة الأسرة الزوجية . 

فإذن حتى يكون البحث علميا لابد النظر إلى المستويات التي رتبت أحكام الطلاق ،  قد يسأل السائل هل  القانون وحكم القانون حجة علينا أم لا ؟  أو أن السنة النبوية الشريفة يجب أن تنظر إلى القانون على أساس تغير الزمان أو لا  يجب عليها ؟ أو هل القرآن الكريم يمكن أن يعطي شرعية للقانون في سد ثغرة لم يتحدث بها كتاب الله أم لا يمكن ؟ 

 كل هذه الأسئلة قد تثار لدينا أليس كذلك  لماذا ؟  لأن هناك دلالات لفظية و دلالات فعلية كما يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر في الحلقة الثانية من شرح أصول الفقه ،فإذا أردنا الدخول في بحث فقهي لنستند على فعل الفقيه هل هو حجة أم لا ، لابد من النظر إلى قواعد علم الأصول والكلام معا ! وإذا أردنا الاستناد إلى النص القرآني فلابد من النظر إلى  قواعد علم تفسير القرآن الكريم  لاتخاذه حجة  دون الرجوع إلى السنة النبوية ! وإذا أردنا النظر إلى القانون هل هو حجة أم لا ! فلابد من النظر إلى القواعد العامة التي تحكم النص القانوني 

فالمسألة ليست مزاجية كما يظن البعض إذا وصلت إلية حالة اجتماعية  يحكم فيها دون الرجوع  إلى علم التفسير أو علم الحديث  في إثبات حجية السنة النبوية الشريفة أو إلى القواعد العامة القانونية  التي تثبت حجية النص القانوني ،  فلو انعدمت هذه العلوم عند رجل الدين هل يحق له البت في قضية الطلاق أم لا ؟  مؤكد لا يحق له  ، ممتاز 

نفس الكلام نريد أن نطبقه على النص القرآني والسنة النبوية الشريفة و القانون  لنبدأ .  جاء في سورة النساء آية 35 ( وإن خفتم شقاق بينهما  فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله  بينهما  إن الله كان عليما خبيرا)  إذا رجعنا إلى علم الصرف  في مفردة (حكما)  فإن أصل اللفظ مشتق من (حكم  ، يحكم ) أي ينتصر للحق مثل القاضي يحكم لمن له الحق 

 وإذا رجعت إلى معاني الإعراب في معنى مضاف إليه يقول علماء اللغة مضاف إليه يفيد التخصيص ، ما معنى التخصيص ؟ أي ان الحكم  أو الوسيط الذي اختاره الذكر أو اختارته الأنثى لحل الخلاف الأسري  مختص في شؤون الأسرة  .

فإذا كان رجل الدين هو الوسيط فيجب أن يكون ملما بقواعد الفقهية وطبيعة البيئة الاجتماعية والثقافية  هذا من جانب ،  ومن جانب آخر إذا توسط رجل دين في حل مشكلة اجتماعية ما  بالإنابة عن  الذكر فبدلالة الآية يجب أن توسط الأنثى أيضا رجل دين آخر  أو شخص تراه مناسبا . هنا يرد هذا السؤال : هل الرجل الدين الذي توسط لحل المشكلة  هو كحكم أم كقاضي عمومي  يستطيع إصدار حكم الطلاق أي منهم ؟ 

إذا قلت هو كوسيط إذن لابد من وجود شخص نزيه يحكم بينهما وملم بقواعد الفقه والتفسير وعلم الحديث  ، وإذا قلت لا هو  سيقضي بينهما بالحق  فهو قاض عمومي ،  لأن رجل الدين يعتبر قاضي عمومي في القانون  فلابد أن يختار رجلا من أهل الذكر (الزوج) فإذا كان الزوج هو الحكم  فلا يجوز الاعتماد على أقواله  لأنه أحد أطراف  النزاع ، وكذلك ان تختار الأنثى حكما من طرفها 

 من هنا  أعتقد أن الاقتراح المقدم من المشاركين مؤخرا في دراسة ظاهرة الطلاق المبكر يطالبون بإعادة النظر في أحكام الطلاق  بعدد مكرر 88 مرة  قد يكون من أحد أسبابه  وجود حكم واحد ، وهذا بلا أدنى شك مخالف للإجراءات التي حددتها النصوص القرآنية وأكدت عليها النصوص الروائية ،  وإلا بماذا تفسر وجود هذا العدد من المشاركين في نفس الاقتراح  وبنسبة 5% من إجمالي عدد المشاركين 1680 مشاركا .

السؤال ما هي مواصفات الحكم أو الوسيط ؟  إذا كان رجل دين عرفنا بما يجب  أن يتصف به في إلمامه بعلوم معينة لأنه سيقضي بين الطرفين ، أما غيره ،  يقول السيد البروجري في كتابه جامع أحاديث الشيعة  جزء 21 ص  285  عندما جاء إلى تفسير الآية (حكم من أهله وحكما من أهلها) قال  نقلا عن تفسير العياشي  جز1 ص 240  عن أبي جعفر (ع) أن ليس للمصلحين أن يفرقا إلا أن يستامرا)  ما معنى ذلك ؟

المعنى ، أن الحكمين لا يحق لهما أن يطالبا بالطلاق أو بتفريق بينهما  بدلالة الآية  حيث وضعت الحكمين محل القاضي  في إبداء حكمهما ، ويجب أن يكون حكمهما واحد  لا تحيز لطرف دون طرف ، لهذا القانون يعتبرهما  خبراء اجتماعيين تستعين بهما  المحكمة في الفصل في قضية الطلاق  ، تماما مثلما تستعين  بخبير مالي أو هندسي في قضاياها .  

نكمل بحثنا في الحلقة (10) إن شاء الله تعالى....... إلى اللقاء .


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير