تحدثنا فيما مضى حول الطريقة التي تم التعامل بها مع الفقر ، وكيف تم استغلال السلطة لمال الخمس حتى تكونت العلاقة التاريخية بين السلطة والمال . سنناقش هنا جزئية محو الأمية على مرحلتين ، المرحلة الأولى كيف تكونت الأمية في المجتمعات الإسلامية ،المجتمع الشيعي أنموذجا ، والمرحلة الثانية سأرجئها عندما نتحدث عن العولمة والخطاب الديني في عصر العولمة وما هو دور الجغرافية السياسية في محو الأمية من المجتمعات الشيعية تحديدا . نبدأ بالمرحلة الأولى ، ركزوا معي رجاءً .
عندما شرعت في كتابة دور الدين في تنظيم المجتمعات ، وتطرقت إلى مورد مالي قرآني – الخمس ، دعاني مجموعة من المؤمنين إلى كتابة حول - الأمية - لأنه الخطاب المنبري أصبح جامدا لا روح فيه ، و حسب تعبير بعضهم "أصبحنا نطلب الكفن من الميت" ، كناية على طلب أثار أهل الخير لنستفيد منهم فلا نجدها .
الأمية تختلف من بلد إلى بلد ، ففي المناطق الفقيرة من العالم يعتبر الشخص الغير قادر على القراءة والكتابة أميا ، بينما في البلدان المتطورة تقنيا ، فإن الشخص الذي لا يعرف التعامل مع الأداوت التقنية أميا حتى لو كان يعرف القراءة والكتابة . اليونسكو عرفت الأمية :-هو ذاك الشخص الذي لا يعرف القراءة والكتابة ، وفي الدول العربية الأمية ، كل شخص تجاوز سن الدراسة ولا يتعدى عمره 45 عاما ولا يستطيع القراءة والكتابة ومستوى قدراته التعليمية أقل من مستوى طالب في الصف الرابع الابتدائي (1) ، والأمية يقصد بها تطوير مهارات الكتابة والقراءة لدى أناس أميين ، وتنمية أساليب الإتصال والتواصل باللغة من خلال رموز بكافة أنواعها
الآن عرفنا إن هدف تحصيل العلم هو الخروج من واقع جاهل ، نحن نجد كل بيت يهتم في التحصيل العلمي ، واستنادهم إلى الآية ( إقرأ باسم ربك الذي خلق) (2) ، فالقراءة في الآية كما ذهب إليه دكتور محمد شحرور تعني التعلم ، لأن الله عزوجل أعطى للنبي الخاتم (ص) مفتاح نظرية المعرفة ، فكلمة إقرأ هي أول وسيلة شاء الله أن تكون مدخلا إلى علمه عزوجل (3) . قال الإمام علي (ع) " ما أخذ الله ميثاقا من أهل الجهل بطلب تبيان العلم حتى أخذ ميثاقا من أهل العلم ببيان العلم للجهال لأن العلم قبل الجهل " (4) ، من هنا نفهم أن أي تقدم في العلم يجب أن تلازمه حركة البناء نحو التطور ، وفي هذه الحركة يجب أن تفهم واقعك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والفكري والثقافي ، وهذا يجعلنا نلتفت إلى الحقيقة الواقعية لكل فكر يأتينا لا يهم من أين أتى من الشرق أو الغرب .
مثلا : أنت عندما تقرا كتاب الفتاوى لفقيه ما ، فأنت تتعلم من هذا الكتاب ، ولكي تتوافق الفتاوى مع واقعك الاجتماعي وغيره ، لابد أن تضع عشرات الأسئلة توجهها للفقيه ، حتى تعرف مثلا دور الخمس في القضاء على الفقر في مجتمعك ، وعلى الفقيه أن يجيب على كل تساؤلاتك ، وقس ذلك على ما سواه من العلوم ، فإذا قيل لك أرجع إلى الكتاب الفلاني ستجد الإجابة فيه على تسأؤلك ، فقل له ما قيمة العلم الذي تحمله إذا كان علمك في الكتاب ، والكتاب يمكن أن يسلب منك ، فما قيمة العلم إذا كان قابلا للسلب ، هل له قيمة ؟ مؤكد لا قيمة له .
عندها ستتضح لك الصورة الكاملة عن الشخصية الماثلة أمامك ، ما هي وظيفتها ؟ أنتم ترون عندما يتم تعين رجل الدين في مؤسسة اجتماعية ما ، ماذا يفعلون ؟ يقرؤون سيرته ، ثم يحددون وظيفته التي سيخدم من خلالها المجتمع الإنساني ، أليس كذلك . لهذا أنت تجد في مؤسسة رسمية موظفون كثر، كل واحد له وظيفة معينه يؤديها لإنجاز معاملة واحدة ، تماما الفقيه شخص تعلم علم أصول الفقه ، ما هي وظيفته حسب علم الأصول ؟ علم أصول الفقه علم يبحث فيه عن قواعد تقع نتيجتها في طرق استنباط الحكم الشرعي (5) ، إذن وظيفة الفقيه بيان الحكم الشرعي ، وهذا ما أكد عليه السيد الخوئي في التنقيح في باب الاجتهاد أن وظيفة المجتهد بيان الحكم الشرعي .
سؤال : هل الفقيه له الولاية عليك في أخذ المال منك أم ليس له الولاية عليك ؟ الجواب ليس له الولاية عليك، لأنه أصلا لا يؤمن بولاية الفقيه ، بمعنى ثبت العرش ثم انقش ، نحن ذكرنا مقولة بعض أعلام الشيعة المعاصرين ماذا يفعل بعض الفقهاء بالأخماس ؟ يدفنونها في الأرض أو يرمونها في البحر حتى يستخرجها المهدي (ع) أو سيعطونه مباشرة .
ولكي تبقى لهم اليد العليا في جباية الخمس و لا يفيق الناس من الأمية التي وضعوهم فيها ، فبدل أن يوضحوا للناس وظيفتهم ، أقنعوهم أن هذا عصر ظهور المهدي ، وهذا يوم ظهور المهدي (ع) ، حتى تدفع الناس بسخاء لهم ، أقنعوهم بإعتبار أنهم يملكون الحقيقة ، حتى قال قائلهم الفقر ليست مشكلة ، فهل محيت الأمية من المجتمع ؟ لا ، هم يعرفون القرأة والكتابة ، وإنما اتخذت الأمية أشكالا متعددة بفروعها ، وبقداستها ، وبهالاتها المصطنعة ، وذلك تثبيتا لمصالح البعض ، وتحقيقا لمكاسب البعض ، وتوثيقا لمكانة البعض بإسم الدين .
إذن نحن بحاجة إلى تغيير هذا الدور الذي نجده ليس على صعيد مناقشة العلماء وغيرهم ، بل أيضا على مستوى الإبتكار الذاتي ، فالمعرفة لا تُمنح من قبل المعلم بل تَصنَعه بواسطة المتعلم ، أرجوا أن تضعوا هذه القاعدة في أذهانكم ، وبدونها سنبقى في الأمية من دون أن نكتسب المهارات والإبتكارات على المستوى الذاتي مدى الحياة .الشهادة بأعلمية فلان و فلان أو الشهادة العلمية الجامعية العيا ، ليست معيار للوصول إلى المعرفة بتمامها. وإنما هي جزء من المعرفة ، لقد انقضى أكثر من 70 عاما على الاهتمام بالقضايا الفقر ومحو الأمية ، ومع ذلك فإن تعليمنا الديني ما زال أعرجا
نكمل بحثنا في الحلقة(10) إن شاء الله تعالى .... إلى اللقاء
المصادر
(1)جمال فنيط ، الحاجات اللغوية للكبار ، 28-37
(2) سورة العلق ، آية رقم -1
(3) برنامج النبأ العظيم – قناة خليجية -شبكة اليوتيوب المرئية
(4) محمد الريشهري ، العلم والحكمة في الكتاب والسنة ، ص 306
(5) محمد رضا المظقر ، أصول الفقه ، ج 1 ص 6-9
(5) أثر الزمان والمكان في المعرفة الفقهية ، علاء العلي ، ص 90