الخطاب الديني في عصر العولمة والحداثة (9)


 تحدثنا فيما مضى حول الطريقة التي تم التعامل بها  مع الفقر ، وكيف تم استغلال السلطة لمال  الخمس  حتى تكونت العلاقة التاريخية  بين السلطة والمال . سنناقش هنا جزئية  محو الأمية على مرحلتين ، المرحلة الأولى كيف تكونت الأمية في المجتمعات الإسلامية ،المجتمع الشيعي أنموذجا ، والمرحلة الثانية سأرجئها عندما  نتحدث عن العولمة والخطاب الديني في عصر العولمة وما هو دور الجغرافية السياسية في محو الأمية من المجتمعات الشيعية تحديدا . نبدأ بالمرحلة الأولى ، ركزوا معي رجاءً .

عندما شرعت في كتابة دور الدين في تنظيم المجتمعات ، وتطرقت إلى مورد مالي قرآني – الخمس ، دعاني مجموعة من المؤمنين إلى كتابة حول - الأمية - لأنه الخطاب المنبري أصبح جامدا لا روح فيه ، و حسب تعبير بعضهم "أصبحنا نطلب الكفن من الميت" ، كناية على طلب أثار أهل الخير لنستفيد منهم فلا نجدها .

الأمية تختلف من بلد إلى بلد ، ففي المناطق الفقيرة من العالم  يعتبر الشخص الغير قادر على القراءة والكتابة أميا ، بينما في البلدان المتطورة تقنيا ، فإن الشخص الذي لا يعرف التعامل مع الأداوت التقنية أميا  حتى لو كان يعرف القراءة والكتابة . اليونسكو عرفت الأمية :-هو ذاك الشخص الذي لا يعرف القراءة والكتابة ، وفي الدول  العربية الأمية ، كل شخص تجاوز سن الدراسة ولا يتعدى عمره 45 عاما  ولا يستطيع القراءة والكتابة  ومستوى قدراته التعليمية أقل من مستوى طالب في الصف الرابع الابتدائي (1) ، والأمية يقصد بها  تطوير مهارات الكتابة والقراءة لدى أناس أميين ، وتنمية أساليب الإتصال والتواصل باللغة من خلال رموز بكافة أنواعها 

الآن عرفنا إن هدف تحصيل العلم هو الخروج من واقع جاهل ،  نحن نجد  كل بيت يهتم في التحصيل العلمي ، واستنادهم إلى الآية ( إقرأ باسم ربك الذي خلق) (2)  ، فالقراءة في الآية  كما ذهب إليه دكتور محمد شحرور تعني التعلم ، لأن الله عزوجل أعطى للنبي الخاتم (ص) مفتاح نظرية المعرفة ، فكلمة إقرأ هي أول وسيلة شاء الله أن تكون مدخلا إلى علمه عزوجل (3) .  قال الإمام علي (ع) " ما أخذ الله ميثاقا من أهل الجهل بطلب تبيان العلم حتى أخذ ميثاقا من أهل العلم ببيان  العلم للجهال لأن العلم قبل الجهل " (4) ، من هنا نفهم أن أي تقدم في العلم يجب أن تلازمه حركة البناء نحو التطور ، وفي هذه الحركة يجب أن تفهم واقعك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والفكري والثقافي ، وهذا يجعلنا نلتفت إلى الحقيقة الواقعية  لكل فكر يأتينا لا يهم من أين أتى من الشرق أو الغرب .

مثلا : أنت عندما تقرا كتاب الفتاوى لفقيه ما ، فأنت تتعلم من هذا الكتاب ،  ولكي تتوافق الفتاوى مع واقعك الاجتماعي وغيره ، لابد أن تضع عشرات الأسئلة توجهها للفقيه ، حتى تعرف  مثلا دور الخمس في القضاء على الفقر في مجتمعك ، وعلى الفقيه أن يجيب على كل تساؤلاتك  ، وقس ذلك  على ما سواه من العلوم  ، فإذا قيل لك أرجع إلى الكتاب الفلاني ستجد الإجابة فيه على تسأؤلك  ،  فقل له ما قيمة العلم الذي تحمله إذا كان علمك في الكتاب ، والكتاب يمكن أن يسلب منك ،  فما قيمة العلم إذا كان قابلا للسلب ،  هل له قيمة ؟ مؤكد لا قيمة له .

 عندها ستتضح لك الصورة الكاملة عن الشخصية الماثلة أمامك  ،  ما هي وظيفتها ؟  أنتم ترون عندما يتم تعين رجل الدين في مؤسسة اجتماعية ما ، ماذا يفعلون ؟  يقرؤون  سيرته ، ثم يحددون وظيفته التي سيخدم من خلالها  المجتمع الإنساني ، أليس كذلك . لهذا أنت تجد في مؤسسة  رسمية موظفون كثر، كل واحد له وظيفة معينه يؤديها لإنجاز معاملة واحدة  ، تماما الفقيه شخص تعلم علم أصول الفقه ،  ما هي وظيفته حسب علم الأصول ؟  علم أصول الفقه علم يبحث فيه عن قواعد تقع نتيجتها  في طرق استنباط الحكم الشرعي (5) ، إذن وظيفة الفقيه بيان الحكم الشرعي ،   وهذا ما أكد عليه السيد الخوئي في التنقيح في باب الاجتهاد أن وظيفة المجتهد بيان الحكم الشرعي . 

سؤال : هل الفقيه له الولاية عليك في أخذ المال منك أم ليس له الولاية عليك ؟ الجواب ليس له الولاية عليك،  لأنه أصلا لا يؤمن بولاية الفقيه ، بمعنى ثبت العرش ثم انقش ، نحن ذكرنا مقولة بعض أعلام الشيعة المعاصرين  ماذا يفعل  بعض الفقهاء بالأخماس  ؟ يدفنونها في الأرض  أو يرمونها في البحر حتى يستخرجها  المهدي (ع)  أو سيعطونه مباشرة .

 ولكي تبقى لهم اليد العليا في جباية الخمس و لا يفيق الناس من الأمية التي وضعوهم فيها ، فبدل أن يوضحوا  للناس وظيفتهم  ، أقنعوهم أن  هذا عصر ظهور المهدي ، وهذا يوم ظهور المهدي (ع)  ، حتى تدفع الناس بسخاء لهم ، أقنعوهم  بإعتبار أنهم يملكون الحقيقة ، حتى قال قائلهم  الفقر ليست مشكلة ،  فهل محيت الأمية من المجتمع  ؟ لا  ، هم يعرفون القرأة والكتابة ، وإنما اتخذت الأمية أشكالا متعددة بفروعها ، وبقداستها ، وبهالاتها المصطنعة  ، وذلك تثبيتا لمصالح البعض ، وتحقيقا لمكاسب البعض ، وتوثيقا لمكانة البعض  بإسم الدين .

 إذن نحن بحاجة إلى تغيير هذا الدور الذي نجده ليس على صعيد مناقشة العلماء  وغيرهم ، بل أيضا على مستوى الإبتكار الذاتي ، فالمعرفة لا تُمنح من قبل المعلم بل تَصنَعه بواسطة المتعلم ، أرجوا أن تضعوا  هذه القاعدة في أذهانكم ، وبدونها سنبقى في الأمية من دون أن نكتسب المهارات والإبتكارات على المستوى الذاتي مدى الحياة .الشهادة بأعلمية فلان و فلان  أو الشهادة العلمية الجامعية العيا ،  ليست معيار للوصول إلى المعرفة بتمامها. وإنما هي جزء من المعرفة ،  لقد انقضى أكثر من 70 عاما على الاهتمام بالقضايا  الفقر ومحو الأمية ، ومع ذلك فإن تعليمنا  الديني ما زال أعرجا 

 نكمل بحثنا في الحلقة(10) إن شاء الله تعالى .... إلى اللقاء 

المصادر 
(1)جمال فنيط ، الحاجات اللغوية للكبار ، 28-37 
(2) سورة العلق ، آية رقم -1
(3) برنامج النبأ العظيم – قناة خليجية -شبكة اليوتيوب المرئية 
(4) محمد الريشهري ، العلم والحكمة في الكتاب والسنة ، ص 306
(5) محمد رضا المظقر ، أصول الفقه ،  ج 1 ص 6-9 
(5) أثر الزمان والمكان في المعرفة الفقهية ، علاء العلي ، ص 90


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير