النهضة الحسينية وصراع الحضارات (1)


نحن جميعا نعيش ضمن التاريخ ، وهذا التاريخ هو جزء من التاريخ نفسه ، وهذا هو جوهر التاريخ ، أنت عندما تتحدث عن غيرك فإنك تتحدث عن تاريخه هو وليس تاريخك ، والعكس صحيح ، فكل يعطي رأيه الشخصي ليضيء الطريق  أمام الآخرين،  وأنا أعتقد ليس منا من سأل نفسه هذا السؤال  إذا كنت معلما في المدرسة هل سألت نفسك لماذا أصبحت معلما و لم تصبح فيلسوفاً ؟  والمهندس المعماري هل سأل  نفسه لماذا أصبح مهندساً معماريا ولم يصبح مهندساً مدنيا ؟  المعادلة لم يفطنها البعض ، عندما كنت صغيرا ووجدت أباك  يشرب الشاي الساخن  في صحن صغير، أنت أيضا عندما أردت شرب الشاي الساخن ، شربته في صحن صغير، لأنك تشعر أنك تنتمي إلى مدرسة والدك. 

سأقرب لكم المعنى أكثر، في الستينات من القرن الماضي  كانت هناك مدارس أهلية في سلطنة عمان ، ونوعية التعليم لم يكن مثل نوعية التعليم التي تلقتها الجماعات الهندية  في المدارس النظامية  الذين كانوا  رعايا  للحكومة البريطانية ، هذا التفاوت في نوعية التعليم وضعنا أمام مشكلة تاريخية ، علما أنه لا يوجد هناك تفاوت في السلالية الجسمية القائمة بين أبناء الجنس البشري وإذا سلمنا أنه يوجد هناك تفاوت سلالية فكيف نفسر إذن وجود أعضاء يكادون ينتمون إلى حضارة عربية عريقة إلى جانب الحضارة الغربية  هذا دليل أن الجنس الذي عاش على طريقة التعليم الأهلي لم يسهم في الوصول إلى مصاف  التعليم النظامي الأكثر تطورا ، وقد يكون مرد هذا العجز يرجع إلى أنه لم تتح لهم الفرصة أو الحافز في الإسهام أكثر للمنافسة  في حقل التعليم.   

هنا يأتي دور البيئة التي جمعت بين هاتين الحضارتين فالبيئة العربية مهدت لظهور الحضارة الإسلامية التي تميزت بعامل البقاء والتجديد في العلوم وظهورها في كل البقاع العربية ، بينما الحضارة الهندية تميزت في الجوانب الفنية والثقافية ولكنها لم تظهر في كل بقاع الهند حيث كانت حضارة بلاد الرافدين الحافز الأول في ظهورالحضارة السندية التي برعت في التجارة والعمران.

 ولكن السؤال هو لماذا وجدنا أنفسنا أمام مشكلة تاريخية بسبب التفاوت في نوعية التعليم ، فهل الحضارة الهندية أو الغربية  استطاعت أن تنهض بالأمم نحو الإرتقاء الفكري والإبداع في  تطوير الأنظمة الاجتماعية والعلوم التطبيقية ؟  قبل الإجابة عن هذا السؤال تعالوا معي لنتعرف على معنى النهضة والحضارة.  الحضارة من حضر وفي الصحاح مأخوذة من فعل حضر وتعني الإقامة في الحضر وهي ضد البادية ، يقول الدكتور شاهر نهاري :-

 " فالحضارة ، في الصحاح : مأخوذة من الفعل حَضَر، وتعني الإقامة في الحضر، وهي ضد البادية ، ولكن هذا التعبير لقدمه ظل قاصراً عن تحديد ملامح الكلمة الحالية، والتي ولا شك قد اتخذت أبعاداً وملامح جديدة من خلال دخولها في العصور المتأخرة ، والتي تقدمت فيها العلوم  المعارف.

واصطلاحاً : هي مدى ما وصلت إليه أمة من الأمم من نواحي النشاط الفكري ، والعقلي ، والبدني ، والعمراني ، والفني ، والسياسي ، وهي بتعبيرآخر: المنهج الفكري لأمة ما ، والمتشكّل في ناتجين معنوي ، ومادي.

بمعنى أنّ الحضارة اسم شامل متكامل من جميع الزوايا الحياتية ، الماضي منها والمستقبلي، والتي كانت وما تزال تسعى لها كل الأمم ، لتزيد من قدراتها ، ولتدعم مواردها ، ولترفع سقف تواجدها كدولة بين الدول الأخرى ، وتضمن وجود نظام سياسي ، وقضائي ، وتعليمي ، صحي ، وسياسي ، ومهني ، يكفل لجميع أفراد الشعب الحياة الكريمة.

بينما نجد أنّ النهضة لغوياً آتية من مصدر: نَهْضٌ ، نُهُوضٌ ، فنقول «نَهَضَ الوَلَدُ» أي قَامَ فِي نَشَاطٍ وَخِفَّةٍ ، ونقول «نَهَضَ عَنْ مَكَانِهِ» : أي اِرْتَفَعَ عَنْهُ.

وأما النهضة اصطلاحاً: فهي الارتفاع والارتقاء بالفكر،, لأنّ الأمة لا يمكن أن تنهض إلاّ إذا كان لديها زخم من الأفكار البنّاءة الأصيلة ، تؤمن بها وتُبدع في استعمالها ،, وتفرضها على أرض الواقع ، ولكن النهضة يمكن أن تكون صحيحة أو فاسدة تبعاً للأفكار، والأهداف ، والعقول المنفذة. (1) 

يقول الدكتور يوسف المكي " النهضة والثقافة والحضارة مفاهيم استخدمت كمؤشرات لقياس مدى التقدم والتطور في المجتمعات الإنسانية " ويقول أيضا " إمعان النظر في العناصر، التي تشكل المفاهيم الثلاثة ، يوضح أن ليس أي منها ثابت ، فهي جميعاً متحركة.  لقد خضعت منذ القدم لتحولات ، وما كان بالأمس ثقافة أو حضارة يعتد بها قد لا يكون كذلك الآن" (2) .والحمدالله رب العالمين.

المصادر 
1- مجلة الجزيرة الثقافية ، العدد 352 ، الخلط بين النهضة والحضارة ، 17-11-2011م 
2- مقاربات بين النهضة والثقافة والحضارة ، دكتور يوسف مكي ، جريد الخليج الإماراتية ،  قسم الرائ المقالات ، 2021 -11-2 

 

 


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير