الخطاب الديني في عصر العولمة والحداثة (1)


هذا البحث حسب العنوان فيه مواضيع أربعة هي :  (الخطاب ، الدين ، العولمة ،الحداثة) ،  وسأحاول ربط هذه المواضيع مع بعضها البعض لنرى أين هو موقع الخطاب الديني من العولمة والحداثة ، خاصة ونحن نعيش عصر التطور المعلومات والثورة المعلوماتية  مستخدمين المنهج اللغوي والتاريخي والاستدلال المنطقي مع المنهج الوصفي في هذا البحث مع تطرق بسيط إلى المنهج الإستقرائي  من أجل إكمال الفكرة المراد إيصالها لكم . 
 قد يسأل البعض هل من الضروري مناقشة المواضيع الأربعة كل على حدة  ! لماذا لا ندخل في صلب البحث ؟ واقعا  السؤال  في محله ولكن دعوني أوضح لكم جزئية مهمة ،  تصور أنك دعيت إلى ندوة أو محاضرة  ماذا ستسمع ؟  شخص يتحدث وراء المبكروفون  قد يكون هذا الحديث عن تجربة علمية ناجحة  فهو خطاب علمي أو عن سيرة الأنبياء والصالحين فهو خطاب ديني أو عن صلح بين العشائر فهو خطاب اجتماعي أو عن حالة شهود حصلت مع  شخص صوفي أو عرفاني  فهو خطاب صوفي أو عرفاني ، أو عن نجاح صفقة تجارية فهو خطاب اقتصادي  أو حديث عن  تربية الأبناء  فهو خطاب تربوي ، أو الحديث عن اتفاق بين دول فهو خطاب سياسي ،  إذن كم نوع من الخطاب لدينا الأن ؟  أكثر من خطاب أليس كذلك ،  خطاب ديني ، اقتصادي ، صوفي ، علمي ، اجتماعي ، تربوي ، سياسي

سؤال  هل كل هذه الأنواع من الخطاب  آلياته واحدة ، بمعنى إذا أراد شخص صوفي إلقاء خطابه  الصوفي أليات خطابه هي نفسها إذا قام شخص و أراد إلقاء الخطاب الاجتماعي  ؟  الجواب كلا  ممتاز  وقس هذا على جميع المواضيع  مثلا الدين  كم عدد الأديان في العالم ؟  الدين الإسلامي ، الدين المسيحي ،  الدين اليهودي ، الدين الزراديشتي ، الدين البوذي ، الدين الهندوسي ، الدين الكونفوشي  هذه الأديان متفقة مع بعضها البعض أم لا ؟ 
 الجواب  كلا  فلو قلنا أن زعيم من زعماء هذه الأديان لنقل زعيم هندوسي يريد إلقاء خطابه الديني  هل سيكون  هو نفس الخطاب لزعيم إسلامي أو المسيحي ؟ الجواب  كلا ،  جيد ،  ولو قلنا أن مجتمع ما يتحدث عن التطور ولكنه يعيش عصر القرون الوسطى  فهل نقول هو يعيش  عصر العولمة أم أنه يعيش عصر مولانا  أمر بالله .  من هنا كان لا بد من تحديد معالم كل موضوع على حده حتى تتضح لنا الصورة عن الخطاب أيا كان نوعه في عصر العولمة والحداثة  ولأننا بصدد الحديث عن الخطاب الديني فتركيزنا سيكون فيه .

أنت أنظر إلى هذا الخطيب أو الملا  هؤلاء عندما يصعدون المنبر فيما يتحدثون  ؟ في الاجتماع في الدين في الفقه في التاريخ ، خطاب واحد يشمل جوانب معرفية متعددة  فهو عندما يتطرق إلى كل هذه الجوانب في غضون ساعة  واحدة محددة له ، هل يدرك آلية كل جانب منها  من حيث اللغة والوصف والنص ؟ الجواب  لا  لماذا ؟ لأنه لكل جانب من الجوانب المعرفية لها آلياتها الخاصة بها ،فالخطابة ليست نزهة سياحية ياسادة . 

ما هو تعريف الخطاب يقول إبن جني أن الخطاب هو (كل لفظ مفيد لمعناه) أما  الأصوليين فإنهم قالوا  أن الخطاب : ( لفظ متواضع عليه ، المقصود به إفهام  من هو متهيئ لفهمه)  أما في المعجمات اللغوية كما جاء في لسان العرب ج1 ص 361 مادة – خطب -  فإن الخطاب هو (مراجعة الكلام) وهو مصدر خاطبنه خطابا ومخاطبة  إذ يعد الخطاب كلام بينك وبين الآخر جاء في سورة ص آية 23 (إن أخي هذا له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب)  أي غلبني في الخطاب.

 فهناك  مراجعة بالكلام  ليكون خطابا بين الطرفين ،  ولا يتحقق الخطاب إذا انعدمت تلك المراجعة بالكلام  مثلا قال تعالى في سورة النبأ آية 37 (رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون خطابا) أي لايملكون السؤال عن الثواب والعقاب  أو كما جاء في سورة هود آية 37 (واصنع الفلكك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا فإنهم مغرقون) أي لا توجه لي كلاما في شأن هؤلاء فإنهم مغرقون لا محال 
أما  إذا أمتلك منشئ الخطاب القدرة على مراجعة الكلام أو ألهم بمقصد الوصول إلى هدفه فهذا يسمى بفصل الخطاب كما في سورة ص آية 20 (وشددنا ملكه وأتيناه الحكمة وفصل الخطاب)  أي أنه أوصل الى المخاطب مقصد كلامه دون التباس  وهذا ينطبق على منطوق القاضي عندما يقول (حكمت المحكمة حضوريا ...  حكما وجاهيا  قابل للنقض أو الإستئناف وأفهم علنا)  فالمخاطب وصل إلية مقصد الحكم القضائي دون التباس .

وهذا التعريف إذا نظرنا إليه نظرة متأنية ودقيقة نجد إنه احتوى على أمرين:  الترابط الوثيق بين المعنى الإصطلاحي وبين معناه اللغوي جيد جدا  تعالوا معي لنسأل ما هي شروط الخطاب ؟  يقول دكتور مصطفى الحسناوي - أستاذ اللغة العربية – جامعة القادسية – العراق  أن شروط الخطاب هي ،  ركزوا معي على الشروط  رجاء لأنني  سارجع إليها لاحقا

 أولا :  توفر الطرفين في عملية التخاطب منشئ الخطاب لنقل الخطيب  والاخر المخاطب المتلقي أو المرسل إليه .  ثانيا :  وجود قصد وهدف توجيه الخطاب إلى الطرف الثاني  نحن غالبا  نقرأ في  الوسائل التواصل الاجتماعي  أن المحاضرة الليلة سيلقيها الخطيب الفلاني تحت عنوان معين  ويكون العنوان  جذابا ولكن عندما يبدأ الخطيب محاضرته  تراه يتخبطت يمنة ويسره لا هو أكل بلح الشام ولا عنب اليمن

ثالثا  صدور خطاب (لفظ أو الكلام)  متواضع عليه ،  بمعنى أن يصرخ في وجه المخاطب مثلا أن يقول الخطيب للمخاطب إذا لم تطبق الفتوى الفلانية للمرجع  فأنت خالفت الله في عرشه ، واقعا  لا يحق له قول ذلك هذا يعبر عنه الخطاب التهديدي  وقد تنامى في الأونة الأخيرة في بعض المجتمعات الإسلامية .

  رابعا : أن يحتوي الخطاب على رسالة ما يراد إيصاله إلى المخاطب . خامسا أن يقصد به إفهام المخاطب والتاثير فيه . سادسا : أن يكون المخاطب متهيئا  لفهم الخطاب أي لديه قابلية على فهمه  ويمتلك القدرة على علاجه بذهنه محاولا الوصول إليه .

نكمل بحثنا في الحلقة (2)إن شاء الله تعالى .... إلى اللقاء


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير