نسب اللواتية فيه كلام كثير ، حيث تعددت الأقاويل حوله وتضاربت فيه الحقائق تارة والأهواء تارة أخرى ، فكل ما كتب لا يرتقي إلى الحقيقة التاريخية لإثبات نسب اللواتيا ، وهذا يجعلنا البحث في أصل نسب اللواتية ،ونقلب صفحات التاريخ لنصل إلى أصولهم ضمن قواعد إثبات النسب المتعارف عليها عند النسابة
وكذلك نتعرف على بيئة الراوي الذي نقل لنا أن اللواتية هم أبناء سامة بن لؤي ومعارفه وعلومه ونزعته الدينية والإيديولوجية والتي من خلالها سنتعرف على شخصية المؤلف ، لأن كل هذه العوامل تلعب دورا هاما في صياغة الحدث التاريخي ، من حيث فهمه للأحداث وتأثره بها ، و تأثير العوامل التي جعلته ينقل هذه الروايات ، وهل كانت هناك ضغوطات اجتماعية على المؤلف أجبرته إخفاء بعض الأحداث التاريخية أم لا ! كما يجب علينا توخي الحذر لما قدمه من وثائق تاريخية التي تثبت نسب اللواتية هل هناك إضافات وتعديلات في الوثيقة أم لا !وهل نسبت الوثيقة إلى صاحبها أم عدلت قصد إخفاء حقيقة لحدث تاريخي ؟
كل هذا سيجعلنا التأكد من صحة النسب ، والوصول إلى النتائج والاستنتاجات التاريخية لإ ثبات النسب ، لأن الفترة الزمنية التي كتبت عن انتساب قبيلة اللواتية إلى سامة بن لؤي كانت بعد 14 قرن من الزمان وهذه الفترة ليست قصيرة ، لهذا يتحتم علينا المضي ضمن قواعد النسب للبحث عن الأصل التاريخي لمسمى اللواتي وهي 51 قاعدة ، سنأخذ منها ما يتناسب مع البحث لإيصال الفكرة الأساسية حول إثبات النسب .
قواعد النسب :-
أولا : يثبت النسب بالشهرة المستفيضة ، وبالرقعة الصحيحة ، والاقرار المتبادل ، وتحقيق المحقق الثابت ، فإذا وجدت رقعة بطل التواتر المخالف ، أما إذا عدمت الرقعة أخذ بالمتواتر المشهور ، بمعنى إذا كان اللواتية أحد بطون سامة بن لؤي، فيجب أن يكون عند كل فرد من أفراد قبيلة اللواتية رقعة مكتوبة ومصححة تاريخيا تثبت نسبهم إلى سامة بن لؤي ، وفي حالة عدم وجود هذه الرقعة فيجب إعتراف ممن ينتمي إلى سامة بن لؤي من البطون باللواتية فتكون الشهرة تتوارثها الأجيال جيل بعد جيل .
ثانيا : شهرة التواتر ، شرط العمل بها الإفادة بالعلم ، وإفادة العلم تنتفي محل النزاع فإن كان في المسألة احتمال سقط حينها الإستدلال ، والتواتر هو ما رواه جمع يحيل العقل تواطئهم في الكذب ،واستندوا على نقلهم على أمر محسوس
ثالثا : إن انقطاع السلسلة من الجد بعد التواتر بأنهم من نسله على سبيل الاجمال علة ولكنها ليست من العلل القادحة في النسب لوقوع مثلها في كثير من صحيح النسب (1) الذي لا يعتري الشك إلى نسبهم ، ولوجعلت هذه القاعدة للطعن لوجب الطعن في أغلب القبائل العربية . بمعنى إذا وجد التواتر في نسب اللواتية، ولكنه منقطع في سلسلة الأجداد فيتم الاستناد على أمر محسوس ممن نقل ، لا يحيل عليه الكذب ويكون حجة على الجميع
رابعا : الحجة في الأنساب هو في الحفظ والإتقان يصح به أن يكون حجة على العام والخاص ، وليس كل من كتب في الأنساب حجة ، وليس كل ما كتب يصح الاحتجاج به
خامسا : كما لا يجوز أن يثبت النسب إلا بشروط الاثبات الصحيحة ، فلا يجوز النفي إلا بشروط النفي المعارضة للصحة ، والاثبات يحتاج إلى دليل ، والنفي يحتاج إلى دليل النفي وهو إثبات العكس.
سادسا : لا يكون الترجيح إلا بمرجح ، والحجة التي تعتمد على دليل واه ساطقة وداحضة ، ولا يصح ما يترتب على الخطأ من نتائج .
سابعا : المفصل الواضح مقدم على المجمل المبهم . أي أن النص الصريح الواضح للإشارة والدلالة على المقصود مقدم على مجمل المبهم غير واضح الاشارة والدلالة . والمبهم المفصل يتبع المفصل وليس العكس مثلا إذا قيل أن خريت بن عبدالبيت هم أولاد بني الناجية ثم قيل هم أولاد بنو سامة فليس من المعقول أن نقول أن بنو سامة هم أولاد بني الناجية لان المبهم يتبع المفصل وليس العكس.
ثامنا : لا يحتج بكثرة المصادر إذا كانت كلها تنقل من أصل واحد ، ولا تقديس للنصوص الواردة في المصادر إلا كلام الله عزوجل وحديث رسوله (ص) .
تاسعا : إذا عرف الواضع وعرفت علة الوضع الجارحة انتفى الاستدلال ، إذا قيل أن الخوجة هم اللواتية ووضع الخوجة ضمن نسب اللواتية وعرفت علة نسب الخوجة لا تنتمي إلى سامة بن لؤي فلا يعتد بقول الواضع
عاشرا : كل رواية مسموعة يؤيدها مكتوب مقارب تصبح قرينة يؤخذ بها ، وقرينة واحدة قد لا تصبح دليلا ولكن مع اجتماع القرائن يتكون الدليل
أحد عشر: القبائل الغير العلوية فإنها غالبا تهاجر كمجموعة قبلية ويندر أن تهاجر أفراد فإذا قلت أن اللواتية هاجروا من مطرح إلى السند بسبب ظلم القرامطة فيجب أن تكون هذه الهجرة على مستوى القبيلة وليس على مستوى بيت واحد صغير وتشهد على هجرتهم قبائل أخرى مجاورة لهم .
إثنا عشر : بعض الأخبار المسموعة قد تروى بشكل مقلوب فعلى الباحث أن ينتبه لذلك ، ويمكن للباحث الاستعانة بالقصة المقلوبة كقرينة وليس كدليل إثبات
ثلاثة عشر : هناك مناطق طرد سكاني ، وهناك مناطق جذب سكاني ، فغالبا ما تكون الهجرة من مناطق الطرد السكاني إلى مناطق الجذب السكاني وليس العكس إلا ما ندر ، والنادر يحتاج إلى دليل مثلا هجرة اللواتية من عمان إلى الملتان والعكس
أربعة عشر : النسب لا يكون إلا إلى الأصل (الأب الجامع ) ، أما الانتساب فيكون إما بسبب العقيدة ، أو ولاء ، أو حلف قبلي ، أو مهنة ، أو بلد .أعتقد نكتفي بهذا القدر من ذكر قواعد النسب . والحمدالله رب العالمين
المصادر
1- ابن شدقم ، تحفة الأزهار وزلال الأنهار – ص 82