التاريخ عندما يتحدث عن أصل الأب الجامع وهو سامة بن لؤي فإننا لانستطيع التفريق بين بطن دون بطن المنتمي إلى الأب الجامع ، وعندما هاجر محمد بن القاسم بن منبه السامي عمان وأقام إمارة في الملتان حمل طموحات قبيلته في الاستقلال السياسي والاجتماعي ، فمن الطبيعي جدا أن كل من يجتمع تحت مظلة هذه القبيلة توحدهم عقيدتهم الدينية والمذهب الذي ينتمون إليه .استقر اللواتية على طول الخط الساحل العماني ، حيث تشكلت هويتهم الوطنية ضمن حدود وجغرافية عمان ، فعمان بلد عربي أصيل له تاريخ عريق وتراث حضاري ضخم يعبر عن مجموعة صفحات مشرقة في تاريخ الإنسان العماني قبل وبعد ظهورالإسلام على يد خاتم الرسل (ص)، واللواتية أصبحوا جزءا لا يتجزءً من هذا التراث التاريخي .
وقد تعرض تاريخهم لإهمال كبير ونكران في آن واحد ، الأمر الذي جاء مصحوبا بتشتت المصادر وضياع الكثير من الحقائق التاريخية ، وعدم عناية الباحثين بهذا التراث فإن هذا كله جعل مهمتي شاقة لاستكمال الحلقات المفقودة والمهملة في تاريخ اللواتية وإن كانت مهمة صعبة وغير سهلة ولكن من حسن الحظ أن هذه الأسطر وجدت ضالتها في المصادر الحديثة والقديمة والتي تناولت حركة بنو سامة في عمان وفي شبه القارة الهندية .(ملاحظة خصصت جزء الثاني من البحث الحديث عن سامة بن لؤي)
وبذلك بدأت بداية صحيحة كما ينبغي في ستيفاء الحلقات المفقودة ، وتسليط الأضواء على جوانب عديدة من تاريخ اللواتية ، وثمة حقيقة نؤكدها هي عدم صحة الدعوى القائلة أن اللواتيين لم يكن لهم مسمى قبلي لهذا سمو حيدرآباديين تارة والخوجة تارة أخرى والتي جاءت ضمن عبارات خاطفة عند بعض المؤرخين والكتاب . وهذا النكران جاء بسبب أن تاريخ اللواتية كتب بأيدي غير الباحثين اللواتية ، لأنهم هم من يستطيع إضفاء الوصف على ما كان يجري عندهم من تيارات اجتماعية وغيرها التي حددت مسار حركة اللواتية في عمان ، وفيما عدا ذلك فإن كافة الشواهد تشير أن اللواتية لم يفتقروا يوما إلى مدونين للتاريخ بقدرما سمحت لهم ظروفهم .
كل ما هنالك هو أن هذا التراث تعرض لأحداث زمنية مثلما تعرض له تراث معظم القبائل العربية والإسلامية من ضياع وشتات فضلا عما كان يصحب هذه الفترة من حروب محلية وفتن داخلية و إحراق للمصادر وتخريب للآثار التراثية . بالإضافة إلى ذلك فإن هذا التراث أيضا دون في مخطوطات والتي لم يتم العثور عليها مثلا تاريخ السند القديم ويسمى شناسيه نامه الذي ضاع ضمن حملة هولاكو للسند ، لهذا نحن بحاجة إلى جهد كبير لإيجاد مثل هذه المصادر وتحديد نوعية المعلومات والحقائق التاريخية المدونة فيها وعرضها تمهيدا لنشرها وهذا ليس بالأمر السهل لسببين:-
اولا:- إن ما كتب عن اللواتية كتب بيد غير لواتية وهذا يتطلب التدقيق في محتواها . ثانيا :- وجود عبارات غامضة في التاريخ الشفهي المنقول من المتأخرين لا يفهم معناها جعلت مهمتي صعبة في الوصول إلى صحة ما ورد في هذا التاريخ . لهذا كان لابد من تحديد إسم الشخص الناقل للمعلومة والذي سيعطينا فرصة كبيرة لمقاربة الفترات الزمانية لتلك المعلومة ،وهذه كلها عوامل تساعدنا على الحكم على حدث تاريخي وتقييم التراث والنتيجة المتواخاة منه ، والمؤلف والمؤرخ يجب أن يكون أمينا فيما يكتب وصادقا فيما يروي ودقيقا فيما يحكي .
من هنا فإن معرفة أسماء الرموز المتحركة في تاريخ اللواتية ضرورية جدا في كثير من الحالات لأنها بمثابة طرف الخيط الذي يؤدي بنا إلى تتبع المواقف والوقوف على ميول كاتب المعلومة وثقافتة وفكره ، والمتمعن في التراث الذي كتب بأقلام المحلية نجد أنهم أخذوا واستقوا مما دونه غيرهم دون تمحيص المعلومات والتدقيق في الأحداث التاريخية ، وهذا لايعني تقليل من شأن أحد لأنه لم تكن هناك أي غضاضة في نقل المعلومات .حيث أن تدوين تاريخ اللواتية كان مع بداية هجرتهم من شبه القارة الهندية إلى عمان وتحديداً في القرن الخامس عشر الميلادي ، ولم يتم التطرق إلى تاريخهم ما قبل هذه الهجرة وهذا الإهمال في التدوين قد تكون لأسباب شخصية ، أو ميول خاصة في عدم كشف النقاب عن ما قد مضى . وكيفما كان فنحن لم نقصد سوى بسط رأي جديد بين يدي موضوع لم يتوضح بشكل علمي تاريخي وهذا الذي جعلنا أن لا نسدل الستار عن حقائق تاريخية إن لم نكشفها فلا أقل نميط الغموض عنها .
هجرة اللواتية وحملة محمد بن القاسم الثقفي لفتح السند
كما هو متعارف أن الهجرات القبلية لا تكون على أساس أسرة واحدة بل أغلب أفراد القبيلة ينتقلون معا ، وهذا ما حصل مع لواتيا الذين سكنوا في الباطنة و بمحاذاة الساحل البحري المعروف الآن بسور اللواتية ، وهؤلاء كانوا شيعة إثنا عشرية ، يذكر باقر الصالح (1) (والمذهب الشيعي هو المذهب الديني الرسمي للمنطقة المحيطة بعمان من الشمال منذ عام 1501م) من هنا نستدل :
أولا : إذا قلنا أن هجرة اللواتية إلى السند كانت بعد سقوط دولة بنو سامة في عمان على يد القرامطة في(317 هجري 929 ميلادي) ، وأن اللواتية خرجوا مع حملة محمد بن القاسم الثقفي إلى السند عام (90 هجري 706 ميلادي) أي أن حملة الثقفي كانت قبل 227 عاما من قيام دولة بنو سامة في عمان هنا يرد إلينا إشكالية تاريخية :
1.إذا كانت حملة محمد بن القاسم الثقفي إلى السند قبل 227 عاما من قيام دولة بنو سامة في عمان كما ذهب إلية جواد الخابوري (2) " ثم في سنة 93 للهجرة خرج بنو سامة مع غيرهم من العمانيين مددا لجيش محمد بن القاسم الثقفي الذي غزا السند من ناحية مكران " فبمن ألتحق اللواتية في الملتان ولا يوجد أحد من بني سامه هناك ، علما أن إمارة بنو سامة في الملتان قامت (عام 375 هجري 985 ميلادي) أي بعد 285 عام من حملة محمد بن القاسم الثقفي .
2. وإذا قلنا كما ذهب إلية الدكتور فيصل طه (3) " لا يهمنا هنا استرسال أحداث فتح السند والملتان بقدر ما يهمنا التركيز على دور بنو سامة في الفتوحات" وفي موضع آخر يقول (4) " وفي سنة 93 هجري 711 ميلادي خرج بنو سامة مع غيرهم من العمانيين مددا لجيش محمد بن القاسم الثقفي الذي غزا بلاد السند من ناحية مكران " والغريب في الأمر أن الدكتور فيصل نقل ما ذهب إليه جواد الخابوري في جزئية الهجرة وكلاهما غفلا عن جزئية مهمة وهي أن المؤرخ عندما يكتب عن الفتوحات الإسلامية يركز على ذكر قائد الجيش ولا يتطرق إلى مكونات الجيش لأنها من أجناس وأعراق مختلفة ، والدليل البلاذري لم يكتب عن بنو سامة كأحد مكونات الجيش الذي تحرك لفتح السند ولكنه ذكر أن الحجاح بن يوسف الثقفي زود محمد بن القاسم الثقفي بستة الآف مقاتل من بلاد الشام وليس من عمان .هذا دليل أن جيش محمد بن القاسم الثقفي كانوا من بني أمية وحلفائهم في بلاد الشام هذا من جهة ، من جهة اخرى لم يشر القاضي الجوزجاني ولا ابن خلدون (5) عن مكونات هذا الجيش ، ولو سلمنا جدلا أنهم خرجوا مع حملة الثقفي فهذا ليس دليلا تاريخيا عن تواجد اللواتية العمانيين في شبه القارة الهندية لأنه كانت هناك هجرات أخرى لغرض تجاري قبل حملة محمد بن القاسم الثقفي لفتح السند ، والنشاط التجاري للعرب ليس وليد اللحظة إنما يمتد تاريخه إلى ما قبل الإسلام بقرون عديدة .
ثالثا : الدكتور فيصل نقل نفس العبارات التي ذكرها جواد الخابوري في كتابه أن اللواتية خرجوا مع حملة محمد بن القاسم الثقفي (6) ، ولكن الدكتور فيصل لم يذكر من أين اقتبس جواد الخابوري هذا الخبر واعتمده كحقيقة تاريخية ، علما أنه لا يوجد دليل تاريخي يعتمد عليه عند كليهما ، فهو مجرد التخمين من المؤلف لا يعني أنها حقيقة تاريخية ما لم يثبت العكس ، وهذا يستدعي بنا القول أن بنو سامة لم يخرجوا من عمان في حملة محمد بن القاسم الثقفي للأسباب التالية :-
الأول : إن محمد بن القاسم الثقفي شخصية مناوئه لأنصار علي ابن أبي طالب وبنو سامة كما سياتينا عنهم لهم سجل تاريخي في الوقوف مع الخليفة العادل علي بن أبي طالب (ع) فلا يمكن أن يحملهم معه في حملته لفتح أجزاء من السند
ثانيا: الحجاج بن يوسف الثقفي حاول أن يخضع عمان للسيطرة الأموية مستعملاً القوة والعنف وتشير المصادر التاريخية إلى أن أول حملة عسكرية بعث بها الحجاج إلى عمان كانت بقيادة القاسم بن شعوة المزني وقد رست الحملة في ساحل حطاط إلا أن العمانيين قاوموا مقاومة باسلة مما أدى إلى اندحار الحملة وقتل قائدها لذا فقد أخذ الحجاج يعد العدة لإرسال حملة كبيرة تحت قيادة مجاعة بن شعوة وهو شقيق القائد الذي لقي حتفه في الحملة الأولى وبلغ عدد المقاتلين أربعين ألفاً وقسمت القوات إلى قسمين قوة سلكت طريق البر وأخرى أخذت طريق البحر واختار الحجاج بن يوسف كل المقاتلين من النزاريين الذين لا يمتون للأزد بصلة ، ولا ننسى أن بنو سامة هم حلفاء الأزد .
وصلت القوات البرية قبل القوات البحرية وكان سليمان بن عباد الجلندي على علم بخروج الحملة ووقعت المجابهة بالقرب من وادي بوشر ونزلت الهزيمة بجيش الحجاج في القوت الذي كانت فيه القوات البحرية قد وصلت إلى جلفار (رأس الخيمة) ولجأ العمانيون إلى استخدام أساليبهم البحرية من بينها إحراق أكثر من خمسين سفينة من أسطول الحجاج مما دفع ببقية السفن إلى الفرار نحو البحر ، فهل سيأخذ محمد بن القاسم الثقفي بنو سامة معه في حمله لفتح السند ؟ الجواب كلا (7)
ثالثا : يذكر البلاذري أن الحجاج ما أن تولى العراق حتى فوجئ باستيلاء إحدى الأسر العربية وتدعى أسرة العلافي من بني سامة بعد فرارهم من عمان إلى داهر حاكم السند ورحب بهم الأخير بعد ان اطمئن لهم وشاركوا مع داهر في بعض معاركه ، فلما عين الحجاج القائد سعيد بن زرعة الكلابي واليا على مكران اصطدم مع العلافيين فقتلوه بل واستولوا على حكم مكران ( 80-85 هجري 699-704 ميلادي) فهل سيحمل محمد بن القاسم الثقفي اللواتية من بنو سامة معه في حملته لفتح السند ؟ مؤكد لا (8) .والحمد لله رب العالمين .
المصادر
(1) باقر محمد الصالح سور اللواتية في مطرح ص 27
(2) الأدوار العمانية في شبه القارة الهندية – جواد الخابوري – ص 49
(3) فيصل سيد طه - اللواتية في التاريخ – ص121
(4) فتوح البلدان – البلاذري - ص 456 – باب فتح السند وأيضا ص 424
(5) إبن خلدون - جزء 3 ص 60
(6) جواد الخابوري – المصدر السابق – 49
(7) فصل في بعض أخبار عمان من كتاب المراقي ، محمد علي عبدالباقي ، ذاكرة عمان -2016 ،ص16
(8) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 386 ، اليعقوبي ، تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 277