في هذا العالم لا أحد يعيش لنفسه الكل وجد من أجل الآخرين ، فانظر إلى البحر هل يأكل سمكه ؟ لا ، النهر هل يشرب ماءه ؟ لا ، الأشجار هل تأكل ثمارها ؟ لا ، تقول دوريس سالسيدوا الرسامة الكولمبية : وفي حالة الحرب نختبرها جميعا بنفس الطريقة سواء كضدية أو الجاني لذلك أنا لا أروي قصة معينة ، أنا فقط أتناول الخبرات ، يقول ارسطو عن الخطاب : "كل واحدة منه معلمة ومقنعة في الأمور التي تحتها ، فالطب يعلم ويقنع في أنواع الصحة والمرض ، والهندسة في الأشكال التي تحدث في الأجسام ، والحساب في ضروب الأعداد ، وكذلك سائر الصناعات والعلوم الأخرى".
من هنا ندرك أن واقع الخطاب في حركته وصيرورته إنما يفرض على الواقع ولو بشكل مؤقت ، وهذا يعني أننا بلا ريب إذا كان واقع الخطاب اجتماعيا فإنه بلا ريب يجب ان يرتد إلى الواقع الاجتماعي ، وإذا كان واقع الخطاب دينيا فإنه بلا ريب يجب أن يرتد الى الواقع الديني ، وإذا كان الخطاب علميا فإنه بلا ريب يرتد إلى الواقع العلمي ، وفي كل هذه الوقائع لا بد من إعادة صياغة الخطاب ، وقس ذلك على جميع العلوم الحياتية ، مثلا نحن عندما نمرض نذهب إلى طبيب للعلاج أليس كذلك ، سؤال هل الطبيب يأتي إلينا أم نحن نذهب إليه ؟ نحن نذهب إليه لماذا ؟ لأنه هو صاحب اختصاص في الطب ، ولكن إذا أردت أن تكون مثله فيجب عليك أن تدرس الطب حتى لو أردت أن تكون مسعفا ميدانيا عليك أن تدخل برانامج في الإسعافات الأولية حتى تستطيع أن تخدم المجتمع ، ولكن إذا جئت وقلت للناس الحاضرين لماذا لا تدخلون الدورات الفلانية هذا الواقع الاجتماعي الذي أنت تتحدث فيه سيرتد عليك اجتماعيا ، كيف ؟ ركزوا معي رجاء
أنت عندما تقرأ عن اليونانيين قبل الميلاد كيف كانت حياتهم ، كانوا يعيشون على الزراعة وكل واحد منهم كانت له قطعة أرض يزرعها ، مجتمع إقطاعي لا يختلط مع مجتمع آخر، لو احتدم النزاع بين ملاك الأراضي حول ملكية الأرض ، ما هو نوع الخطاب الذي يجب أن يلعب دوره في حل هذا النزاع ، هل بالخطاب الديني ، أم الاجتماعي ، أم العلمي ، أم التجاري أي منهم ؟ لا يوجد أليس كذلك ، إذن ماذا سيفعل الخطيب هنا ؟ ما هو دوره ؟ في القرن العاشر قبل الميلاد كان الخطيب يقف أمام القاضي ليدافع عن حق في ملكية الأرض لهذا أو ذاك ، لأنه طالما يتحدث على المنبر في حقوق الإنسان الآن وصلت حالة واقعية وضعت الخطيب في المحك .
العتبات المقدسة يتم تنظيفها يوميا بالماء والصابون من قبل المعنيين أليس كذلك نشاهد هذه المناظر على شاشة التلفاز ، و أحيانا ستجد الخطباء يشاركون مع المعنيين في تنظيف مقامات الأولياء لا بأس كل بثوابه ، هذه المناظر يشاهدها الغني والفقير، ولكن إذا خصص هذا الخطيب يوما في الأسبوع ليذهب إلى بيت الفقير ليكنس بيته وينظفه ليكون السكن لائقا بالمعنى الصحي ، فعندما يتحدث الخطيب عن النظافة سيرتد عليه هذا الخطاب إيجابيا وخلاف ذلك عليه إعادة صياغة الخطاب ميدانيا .
الآن نحن نعيش في عالم والشعوب تدفع الضرائب على الدخل وعلى السلع وعلى الخدمات ، وعلى ، وعلى ، عدد ما تشاء قائمة مطولة سؤال :- الخطيب عندما يتحدث عن دفع الخمس ،ولماذا الناس لا تدفع الخمس ولا تعير لفتاوى الفقيه أي أهمية ، هل يستطيع الخطيب أن يعوض ذوي الدخل المحدود قيمة الضرائب التي يدفعونها على السلع أو الخدمات أم لا يستطيع ؟ لا يستطيع إذن خطابه ارتد عليه أم لم يرتد ؟ ارتد عليه ، وإن لم يعد صياغته ميدانيا سيكون محل سخرية الناس وهو لا يدري ، لهذا قلت الخطابة ليست نزهة سياحية ياسادة .
هذا الإدراك لواقع الخطاب هو نتاج لبنية اجتماعية قد لا يعي البعض في ذواتهم في البداية رغم ممارستهم الخطابة ولكن سرعان من تترجم نفسها من الداخل لإدارك واقعها كيف ذلك ؟ تصور أنك قمت وصورت شخصا أخرس بكاميرا المصور الفوتوغرافي وبعد ذلك قمت ورسمت صورته على لوحة بريشة الرسام أيهما أكثر وقعا صورة الكاميرا أم اللوحة التي رسمتها بيدك ؟ مؤكد اللوحة التي رسمتها بيدك أشد وقعا ، من هنا نفهم أن الخطاب يقود إلى تشخيص المعرفة ولا يحاول التغرير بالناس ، هذه الحماقة ستجدها في الخطاب الأعجمي لا مفهومي وهي منتشرة هنا وهناك مثل كرة القدم .
وبناء على ما سبق وجب طرح هذا السؤال : هل الخطاب منفصل عن اللغة حتى نقول أن هذا خطاب أعجمي لا مفهومي ؟ ومتى يكون الخطاب أعجميا ؟ الجواب : الخطاب لا ينفصل عن اللغة وبُعد الخطاب في طرح اللغة هو بسبب غياب ضوابط تفكيك النص وآلية المنطق ماذا يعني ذلك ؟ التفكيك هو ما يستوطن في عقل المرء من البنى والنماذج وآليات تحول دون فهم الأحداث ، لأقرب لكم الصورة ، أنا وأنتم نسمع المحاضرات بطرق مختلفة إما حضوريا داخل قاعة المحاضرة ونستمع إلى الخطيب مباشرة أو عبر الشاشة المرئية وفي كلا الطريقتين الخطيب يتحدث بالنصوص أي كل ما ينطقه هو نص ، وهذا النص يحمل صورة لنموذج معين في ذهن الخطيب فيصبح هو من يملك سلطة النص .
نحن قلنا في بعض أبحاثنا أن النص له أركان ثلاث ( النص ، مؤلف النص ، سلطة النص) مثلا القرآن الكريم كتاب الله يحتوي على نصوص مقدسة ، فمؤلف النص هو الله عزوجل ، وسلطة النص بيد الله جلت أسماؤه ، لأنه هو مؤلف النص ، إذن من يملك تأليف النص هو من يملك سلطة النص ، اتضحت الصورة الآن ، ممتاز تعالوا معي لننظر إلى النص الذي ينطقه الخطيب في تفسير رواية أو حديث أو آية قرآنية هل هو من يملك سلطة النص أم لا هو مفسر للنص ؟
نكمل بحثنا في الحلقة (5) إن شاء الله تعالى .....إلى اللقاء