مارتن لوثر الزعيم الإمريكي من أصول إفريقية والناشط السياسي والإنساني وتحديدا بتاريخ 28 اغسطس من عام 1963 م وأثناء مسيرة واشنطن للحرية، عندما عبر عن رغبته في رؤية مستقبل يتعايش فيه السود والبيض بحرية ومساواة وتجانس ، ويُعتبر اليوم الذي أٌلقي فيه هذا الخطاب من اللحظات الفاصلة في تاريخ حركة الحريات المدنية، حيث خطب كينغ في 250 ألفاً من مناصري الحقوق المدنية، كما يُعتبر هذا الخطاب واحداً من أكثر الخطب بلاغة في تاريخ العالم الغربي أطلق عليه إسم " عندي حلم " ، وتم اختياره كأهم الخطب الإميركية في القرن العشرين طبقاً لتصويت كتاب الخطب الإميركية ، هذا الخبر نشرته صحيفة الإمارات اليوم على موقعها الإلكتروني بتاريخ 30 أغسطس عام 2017 م
الخطاب يمثل مظهر الرقي الإنساني للخطيب ، وعلامة على تطور المجتمعات وسمو فكرها ، لهذا عني به كل الأمم في كل زمان ومكان ،واتخذتها أداة لتوجية الناس وإصلاح المجتمعات . جاء في صبح الأعشى للقلقشندي ج 1 ص 253 ( أن الخطب من مستودعات سر البلاغة ومجامع الحكم بها تفاخرت العرب في مشاهدهم وبها نطقت الخلفاء والأمراء على منابرهم) وقد عدها النويري في نهاية الإرب ج15 ص 191 من العلوم المنطقيات وهي خمسة انواع ( صناعة الشعر والبديع ، صناعة الخطابة ، صناعة الجدل ، صناعة البرهان ، صناعة المغالطين في المناظرة والجدل)
من هنا نستطيع الفهم أن نظام الخطاب هي وظيفة معيارية ونظامية ، والتنظيم الواقعي يضع المعرفة وإنتاج المعرفة ضمن التطبيق الاستراتيجي بمعنى أن الخطاب لا يقف عند اللسانيات واللغة فقط ولكن يتم سحبه إلى التنظيم الاجتماعي لتحليل الواقع المعاصر ، لهذا اعتبر كانط أن التوحيد المتنوع يكون في فكرة واحدة ، والذين درسوا منطق هيجل يعرفون أن هيجل بنى مفهومه الجدلي على أقسامه أي على أقسام الخطاب لنوضح المعنى
تصور أنك طلبت من أحد معارفك الخطباء معالجة حالة اجتماعية في المحاضرة ، مثلا الاختلاط الغير المبرر له شرعا مع النساء ، واستجاب صديقك الخطيب ما طلبته منه ، وعندما وقف الأخير وراء الميكروفون أخذ يقرا المأثورات الدينية والآيات من كتاب الله ، ويفسرها لغرض معالجة الحالة التي أنت طلبتها منه ، وعندما خرجت سألك كيف وجدت محاضرتي ؟ ماذا سيكون جوابك ؟
أبسط جواب : طيب الله أنفاسك ، ولكن الواقع لم يتغير بطيب الله أنفاسك لماذا ؟ لأن هذا الخطيب لم يستطع التميزبين المفهوم والتصور ، الاختلاط مع النساء الغير المبرر له شرعا كمصطلح من حيث المفهوم شيئ ومن حيث التصور شيئ أخر ، فالخلاف المعرفي الذي يحدث غالبا يتمحور حول المفهوم وأصل المفهوم وميدان المفهوم ووظيفة المفهوم وعلاقات المفهوم ، من هنا يتولد الخلاف حول الكلمة ، وللكلمة أهمية كبيرة عند الناس ، ماذا قال الحسين بن علي لمروان عندما طلب منه مبايعة يزيد بكلمة واحدة فقط ، رد عليه الحسين بن علي قائلا : الكلمة شرف ، الكلمة نور ، مفتاح دخول الجنة على كلمة ، ومفتاح دخول النارعلى كلمة ، الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة ....الخ
وهذا الذي يجعلنا أن نميز المصطلحات من حيث المفهوم والتصور في الميادين المعرفية المختلفة ، فالخطيب الذي يتصور أن المأثورات الدينية هي أساس إصلاح المجتمعات ، فإن هذا التصور ميدانه الإيدلوجيات بمعنى ، هذا الشخص الجالس أمامك في المسجد أو في قاعة المحاضرة يعرف أن القرآن كتاب الله يحتوي على مجموعة من النصوص المقدسة ، ويعرف أن النبي الأكرم (ص) قال كلاما ، و لكنه لا يعرف مدى إمكانية تطبيق هذه الآية أو تلك الرواية التي قرأتها لمعالجة الحالة الاجتماعية هل تتطابق مع الحالة أم لا ! لأنه الخطيب وظيفته الإرشاد وليست وظيفته العلاج ركزوا معي رجاء لنعرف ما هو الفرق بين الإرشاد والعلاج ؟.
خذ عينة واحدة مثلا إمراة إلى أخصائي النفسي وقل له إن هذه المرأة تحب الاختلاط مع الجنس الآخر أو العكس خذ رجلا إلى الأخصائي النفسي وقل له إن هذا الرجل يحب الاختلاط مع الجنس الآخر وأريد منك معالجة هذه الحالة ، مباشرة سيقول لك هذا الأخصائي أنا سأدرس الحالة وأرشد المسترشد إلى تحسين السلوك ، ولست طبيبا لأقدم له العلاج ، فالمرشد بنسبة للمسترشد مثل المرآة ينظر فيها بمقدار ما يريده هو رؤيته لا كما يريده المرشد ، تماما هذا الجالس في المسجد يريد أن يسمع من الخطيب بمقدار ما يريده هو لا بما يريده الخطيب ، ولكن إذا انعكست الآية وأصبح الخطيب ينظر إلى الحاضرين كمرآة له يرى فيها بمقدار ما يريده هو رؤيته فثق تماما إن هذا الخطيب فاشل ،
من هنا نفهم أن الخطاب وظيفته الإرشاد لحماية الناس من الوقوع في الأمراض والانحرافات السلوكية فالخطاب هو وقاية ، وادرهم وقاية خير من قنطار العلاج ، فالخطاب يجب أن يقدم مواضيع مبرمجة وقائية للأسوياء لئلا يصبحوا فريسة للمرض والانحراف السلوكي. وعلى هذا الأساس فإن أية محاولة تطبيقية لمفهوم في المسائل المعرفية يجب أن تأخذ إطار منهجي معين ، لأننا وجدنا في محاولة الترديد من حيث التعريف والتجزئه من حيث أن الخطاب لم ياخذ مساحته الحقيقية في الاتفاق مع الواقع وفي مجمله لا يفي بالموضوع.
مثلا أنت إسال أي خطيب : أولست تتحدث عن الأحداث التاريخية وما نتج عنها من علوم وتشكلت منها منظومات سياسية واجتماعية وفقهية وو..إلخ ما هي علاقتك بالتاريخ ؟ ماذا تتوقعون أن يكون جوابه ؟
نكمل بحثنا في الحلقة (3) إن شاء الله تعالى ...... إلى اللقاء.