زينب بنت علي من المحراب إلى النضال (2)


التراث الذي تعامل مع المرأة  كان ضمن قالب بيولوجي وليس ثقافي أو فكري ، وأصبح هذا التراث فيما بعد حقيقة تاريخية لا تدع المجال للإنفصال عنها لأن أسبابه مشتغلة فينا على الدوام  آخذة بأفكارنا موجهة لأعمالنا التي تجعل المرأة في حالة تبعية دائمة للرجل ، فلم تحررالمرأة اجتماعيا لأن العلاقة القائمة بينهما هي علاقة العبد مع سيده الذي يمسك بزمام الاقتصاد ، من أجل تأسيس لبنة جديدة لسلطة الرجل على المرأة. علما أن السيد لا يتوسط بين العبد وحاجته إلى المال ومهما تكن الحاجة فإن السلطة هي بين القاهروالمقهور، تماما مثل ما كانت عرب البادية التي اتخذت من الإبل مصدر معيشتها ، فهم يتغذون على ألبانها ، ويكتسون بأوبارها ، ويقتاتون على لحومها ، ويتخذون  بقعة من الأرض ذات عشب وفير ، وكان غالبا ما يحتبس المطر عنهم فيموتون ومواشيهم جوعا أو يقومون بالإغارة على من جاورهم ، فإذا أصاب أحدهم فتاة أو زوجة  فإنه كان يعتبرها غنيمة كسبها برمحه ويحتسبها له دون ورع أو حرج وإذا سبيت فإنها تتعرض للإهانة في شرفها من شيخ وأفراد القبيلة وتعمل لديهم ، فإذا سنحت لها الفرصة للرجوع إلى أهلها تكون قد أخذت  معها العار الذي لحقها منهم ، ويبقى هذا العار يلاحقها وأهلها أبد الدهر.

هذه المهانة للمرأة قبل الإسلام سلبت حريتها وأضعفت طاقتها ، علما أن المرأة المجاورة في تخوم الأرض كانت تملك حريتها ، ولم تكن تموت بموت زوجها ، بل كانت تمارس تجارتها وتستثمر أموالها بنفسها دون تدخل الذكر الذي كانت له الأفضلية عليها بسبب خروجه إلى ميدان القتال ، لهذا كان الرجل يأد الأنثى كي لا يلحقه العارمنها ، ليس فقط بسبب الفقر بل أيضا كي تبقى للقبيلة هيبتها فكانت المرأة أشبه بقربان يقدم للألهة كي لا تغضب عليهم . إذن المرأة أصبحت مشكلة ولكن مشكلة لمن ؟ هذا السؤال الذي يحرج الجميع فليس مسلما به أن المرأة مشكلة بذاتها خارج إطارالإنسان (الذكر والأنثى) ، إذن فالمرأة بصفة عامة أمام رهان كبير على مجابهة المشكلة النسائية ، والتي بدأت عناصرها تتشابك وتجتمع  في سياق من الخصوصيات التاريخية للثقافات المختلفة والمجتمعات المتعددة ، فهل المرأة عندما تنظر إلى هذه المشكلة هل تنظر إليها بمنظار التغيير أم بمنظار السكوت ، فإذا كان بمنظار التغيير  فالمرأة المعنية بهذه المشكلة عليها مواجهة هذه الأساطير التاريخية وما قيل فيها وما أعطي لها من دور في المجتمع ، أما إذا كان العكس فستبقى أبد الدهر تقدم كقربان للآلهة. ومما لا شك فيه أن المجتمعات العربية قبل الإسلام كانت لها خصوصيات ثقافية وأخلاقية وحضارية وحربية ، وكل هذه الخصوصيات كانت تسقطها على المرأة والأوضاع التي تعيشها جنب إلى جنب مع الرجل وتشاركه حياته ، وهذا يجعلنا النظر إلى المرأة ضمن هذه المراجع التي وصفت حالتها  إزاء هذه الخصوصيات وما رافقتها من قساوة الصحراء وشراسة الطبيعة وقهر العيش ومقاومة الإستيطان..

 وهذا القهر وفر للمرأة أن تكون أحد المراجع التي يرجع إليها إذا وقع نزاع بين الجماعة عندهم ، فإذا نشب أي خلاف بين القبائل المختلفة أتيح للنساء العربيات  فرصة لتتبوأ المكانة السياسية لتمثل قومها ، وهذا جعلها مستقلة اقتصاديا واجتماعيا ، مما وفر لها أكبر قدر ممكن من الحرية ،  ومن النساء اللائي برزن أنذاك السيدة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى ، كانت السيدة خديجة ذات شرف ومال ، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه نصيبا، كما يذكر المؤرخ ابن اسحق كانت لخديجة أخت تعمل في تجارة الأدم. وجاء في روايات عديدة أنه كان للنساء مشاركة فاعلة في أسواق مكة من قبل الإسلام مثل سوق عكاظ ، وتذكر هذه الروايات أن إمرأة من بني تيم بن ثعلبة تدعى ذات النحيين كانت من تجار السمن والمأكولات الأخرى.  

كما تأتي الروايات على ذكر عبلة بنت عبيد بن خالد وسلمى بنت حريملة ، والدة عمرو بن العاص، إنهن كن يبعن العباء، وكثرت المصاهرات في المجتمع التجاري وكان زواج النبي الخاتم (ص) من خديجة بنت خويلد يعتبر من أشهرالزيجات قبل الإسلام ، وزواج أبو سفيان من هند بنت عتبة التي كانت أشهر تاجرة في عصرها ، وقد شملت مظاهر الترف والثراء النساء التاجرات ، وهذا يعني أن المرأة العربية كانت محل استقطاب اجتماعي فالحرة تتزوج  حرا والعبدة تتزوج عبدا ، هذه المظاهر دليل أن لكل أمة  في كل مدة من الزمن عوائد وتقاليد وعادات خاصة بها. وهذه العوائد حتما تتغير بتغير الأنظمة ، وهذا التغيير غير محسوس به  تحت إقليم الوراثة والعقائد الدينية والعادات وهو نمط سلوك إنساني متمدن لا يمكن أن يكون متشابها مع بيئة متوحشة ، لأن سلوك الفرد يتحدد بما يناسب بيئته ومداركه العقلية ، وهذا سلوك الفرد الذي يعكس ارتباطه مع الأمة فرقيها مرهون بقدرات أفرادها ذكرا كان أم أنثى ، وفي هذا السباق   تشكل الشرائع جانبا مهما في إصلاح الأمة وبالتالي نشهد اختبارا تاريخيا لمنزلة المرأة ومكانتها  كفرد مهم في صياغة التاريخ البشري.

هذه الصياغة الفردانية سنجدها في الحديث عن السيدة زينب ، فالحديث عنها لا ينفك عن المرأة التي عاصرت عصرالتنزيل وما بعده حتى الربع الأخير من القرن الأول الهجري والتحديات التي واجهتها ، واسم السيدة زينب كلما ذكر لا يمكن لأحد أن يمر عليه مرور الكرام ، لما له من أثر في الواقع الحالي وكأن السيدة زينب تعيش معنا اليوم ، فهي استطاعت أن تعيش كل هذه القرون مع الشعوب وتشاركهم آلامهم ، فلو قلنا  للمرأة أن تكون معلمة لأبنائها سنجد السيدة زينب منار هذا التعليم ، وإذا قلنا للمرأة أن تنهض للدفاع عن الحق سنجد السيدة زينب أول من ينهض وبنهضتها ينهض الرجال.. والحمد لله رب العالمين.


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير