سؤال : لو التقينا نحن مع أنفسنا في الطريق وجها بوجه ماذا سنفعل معها ؟ تصور و أنت تدخل إلى المسجد أو قاعة المحاضرة أو تمشي في الطريق ورأيت نفسك ، كيف ستتعامل معها ؟ ماذا لو رأى الخطيب نفسه جالسة أمامه ، ماذا سيفعل معها ؟ ، طبعا المهتمين بعلم الفلسفة سيقولون هذا سؤال خطأ غير منطقي ، كلامهم صحيح سؤال غير منطقي ، ولكنك كيف ستقف مع نفسك ، هذه الوقفات أنت تحتاجها وأنا احتاجها أيضا ، لأن المسير مع بني جلدتنا لا يكون إذا لم نقف مع أنفسنا ، يقول أرسطو "أصعب أنواع الصداقة هي صداقة المرء مع نفسه" ، نحن في الحلقة الماضية قلنا كل ما ينطقه الخطيب سيرتد إليه اجتماعيا ، ولكن هل يملك سلطة النص حين يفسر رواية أو حديث أم لا ؟ ركزوا معي رجاء .
ماذا تمثل الخطابة لنا ؟ هي الواسطة التي نعرف من خلالها المعارف الحياتية بمعنى أن الخطيب هو الواسطة بين المنظومة الدينية أو الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية لنقل هذه المعارف إلينا ، مثلا المجتمعات الإسلامية خصوصا في شهر رمضان المبارك تنظم دروسا فقهية و أخلاقية و ما شابه ذلك ، الشخص الذي يجلس وراء الميكروفون ليتحدث عن مسائل فقهية هو ينقل نصوص فتوائية من كتاب الرسائل العملية للفقهاء ، قد يذكر اسم الفقيه في كلامه وقد يعمم بقوله قال الفقهاء . إذن هو واسطة بين الفقيه وبين الناس لينقل لهم فتاوى هذا الفقيه أو ذلك ،.
في هذه الحالة هو لا يملك سلطة النص ، ولكن إذا جاء وفسر نص الفتوى أو نظرية اجتماعية أو علمية المهم هو أمامه نصوص يريد تفسيرها لي ولك كي نفهم معنى النص ، جيد جدا . سؤال : عندما نسمع أنا و أنت تفسير نص ما لنقل نص فتوى الفقيه هل ما فسره الخطيب ، هو حقيقة النص أم هو اجتهاده في التفسير ؟ أنتم تقرؤون عن حياة الشعوب القديمة وكيف كانت علاقتهم مع الآلهة وقد ساد الاعتقاد أن الإله يجتبي من بين خلقه من يكون الواسطة بينه وبين مخلوقاته على حد سواء ، وهذا الاجتباه أو الاصطفاء يكون ضمن مواصفات معينة وشروط يقبلها الناس ، فعندما جاء نبي من أنبياء الله الى الناس ،الذين قبلوه كنبي أصبح البعض منهم فيما بعد كهنة ورجال الدين ،على اعتبار أن الله لا يتكلم مع الناس ككلام البشر بل كلامه يكمن وراء اللفظ ، وهناك ضروريات لا يعرف سرها إلا الكهنة ورجال الدين فعندما يكون السادن هو من يملك الحقيقة ، على الآخرين تصديقه والتسليم المطلق له .
استطاعت هذه العقلية تثبيت الواسطة لتعكس على ضرورة وجود من يتحدث بكلام الإله ، تماما هو ما نجده اليوم الذي يتصدى لشروحات الفتوائية رجل الدين وليس غيره ، فالناس يجب أن تسمع له لأنه يملك الحقيقة لنص الفتوى ، الآن المتعارف عليه في المجتمعات الإسلامية ،أنك عندما تريد معرفة حكم شرعي تذهب إلى من ؟ إلى رجل الدين ، هل تذهب إلى شخص آخر ؟ كلا ، لا تذهب ، ممتاز .
وبحسب قاعدة أن رجل الدين أو الخطيب عندما يتحدث فهو يتحدث بكلام الله لأنه هو من أنيطت إليه مهمة نقل المعرفة إلى الناس ، فالفقيه أيضا يعتبر ضمن هذه القائمة الذين يتحدثون بكلام الله لأن الجزء يتبع الكل حسب القاعدة المنطقية ، جيد ، فإذا وجدت أن الخطيب أو رجل الدين عندما يجلس على كرسي الفقاهة ويشرح للناس الفتاوى فهو يبني مصلحة واقعية ويهدم مفسدة واقعية ، لأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية . الآن هل هذا الواقع عند علماء الأصول واحد أم متعدد ، والذي يجب أن يكون هذا الخطيب ملم بهذا العلم ليميز بين الواحد التشكيكي والواحد التواطئي ، والواقع حسب المشهور واحد لا يتغير ، والإثبات ضمن معايير وشروط النص واحد أم لا ؟
الفقيه عندما يضع فتواه في الرسالة العملية ، إما عنده نص واستنبط منه حكما شرعيا أو لم يصل إلى دليل فيجتهد ويضع الفتوى على أساس اجتهاده ، جيد جدا ، إذن هناك نص بمنطوق المعصوم نسمية نص من عصر صدور النص ، مثلا صلاة الجمعة واجبة أم مستحبة ؟ لنأخذ عند الشيعة ، علما أن فقهاء أهل السنة قالوا بوجوب صلاة الجمعة في مصر (أي بلد) فيه قاض يفصل في الخصومات وفي غيره لا تجب ، فقهاء الشيعة قالوا بوجود المعصوم واجبة ، وفي غيبة المعصوم البعض منهم قالوا لا تجب والبعض ذهب إلى وجوبها حتى في عصر غيبة المعصوم .ففهم الناس النص في عصر الصدور بشكل ، وفي عصرنا فهمناه بشكل آخر، فأيهما الأصل ؟ لأن الأصل يجب أن يكون واحدا لا تشكيك ولا تواطئ ، و الأحكام تتبع المصالح والمفاسد الواقعية ، سأقرب لكم المعنى .
مثلا لنقل عندك موضوع هل إتيان صلاة الجمعة في جامع يجوز ، ولا يجوز إتيانها في جامع يبعد عن جامع (أ) 5 كيلو متر ؟ في وسائل الشيعة – الحر العاملي – حديث رقم 9392 عن الباقر (ع) " من ترك الجمعة ثلاثا متواليات طبع الله على قلبه " هذا النص في عصر صدور النص من المعصوم يحث على صلاة الجمعة في القرن الثاني الهجري حجة عليك أم لا ليس حجة عليك وأنت في القرن الرابع عشر الهجري ؟ في عصر النص صلاة الجمعة كانت حجة عليهم لأن الأصل الموضوعي عندهم وليس عندك .
أما في عصرك صلاة الجمعة واجبة أم مستحبة ؟ بعض الفقهاء ذهبوا إلى تخيير بين صلاة الجمعة و صلاة الظهر ، السيد السيستاني في منهاج الصالحين جزء 1 في صلاة الجمعة يقول "صلاة الجمعة واجبة تخييرا على الأظهر" لماذا قال تخييرا على الأظهر ؟ لأن عند علماء الأصول في الموضوعات إما تخيير أو إسقاط أو ترجيح ، والمشهور هو الترجيح ، ولكن بعض الفقهاء يذهبون حسب مباني الشيخ الكليني الذي كان يقول الأخذ بالتخيير ، سؤال : حكم صلاة الجمعة في الأصل واجبة أنت اسقطتها وجعلت القرار بيد المكلف يختار ما يريد حسب المصلحة والمفسدة ، لماذا اسقطت الأصل المفروض أن تثبت عليه لأن الأصل الواقعي واحد لا يتغير ؟
انتبهوا للجواب : عندما تم إسقاط الأصل عند بعض الفقهاء على اعتبار أن صلاة الجمعة لا تجب إلى بحضور المعصوم أو من ينوب عنه أمام عادل بيده السلطة ، ويراد بالعادل الشخص الذي يمارس السلطة فعلا بصورة مشروعة ويقيم العدل بين الرعية ، لهذا الفقهاء يعرفون أنهم لا يمارسون السلطة الشرعية لإقامة العدل بين الرعية ، أسقطوا الأصل ، وجعلوا أمر أصل صلاة الجمعة بيد المكلف ، فتاه الناس بين المسافة الجغرافية و المرجعية الدينية .
سؤال : هل يوجد عند الشيعة من يقيم العدل بين الرعية في عصرنا الحاضر أم لا ؟ نعم موجود وهو الولي الفقيه السيد علي الخامنئي ، من هنا نستدل بوجود الولي الفقيه بين ظهرانينا أصبحت صلاة الجمعة واجبة بلحاظ أقوال الفقهاء حول إمام عادل ينوب عن المعصوم ، له مشروعية السلطة ويقيم العدل بين الرعية .
فطالما أنت لم تأخذ لا بهذا ولا بذاك ، إذن الخطاب لم بعد يواكب بما فيه الكفاية ما حملته المعارف من مزايا حيث أصبحت رسالة الخطاب محصور في زاوية ضيقة وكأن أثره محدود ومفعوله غير ذي وقع كبير بالنتيجة الخطيب في هذه الحالة لا يملك سلطة النص حتى لو فسرها بطريقته فهو اجتهاد منه لا علاقة له بالنص إلا في حالة واحدة إذا لامس الموضوع الواقع والثبوت والإثبات .
نكمل بحثنا في الحلقة (6) إن شاء الله تعالى ... إلى اللقاء