نحن لدينا تساؤلات عديدة بحاجة إلى الإجابات النموذجية ، من ضمن هذه التساؤلات ، عندما جاء الرسول الأعظم (ص) و أعلن عن دعوته و أنشأ قوة عسكرية قوامها 100 ألف مقاتل هل غفل عن المظاهر الأخرى من العناصر المادية والمعنوية في بناء حضارة إسلامية تحكم البشرية أم لا ؟
في هذا الجزء من البحث سنعالج أهم فترة في تاريخ العرب قبل ظهور الإسلام ، قد يقول قائل ما علاقة ذلك العصر بعنوان البحث ! و اقعا إذا لم أقم بتوضيح كل الخلفيات التي سبقت النهضة الحسينية تاريخياً ، فإنني سأفقد البوصلة في تحديد مسار البحث بلا أدنى شك ، خاصة و نحن نجد العالم الإسلامي في الأيام الأخيرة يقف على مفترق الطرق لا يدري أيها يسلك وهو يجتاز فترة الازدهار واليقظة والتقدم السريع في مدارج الحضارة الغربية العالمية . والنهضة الحسينية أحدثت ثورة كبيرة في عالم السياسة والعقيدة والاجتماع ، ولا يمكن معرفة دقائق هذه النهضة ما لم نعرف البيئة التي هيئت لها الظهور في بلاد المسلمين قبل أن تخفق رايتها على ربوع العالم المتمدن الآن .
تاريخ العرب قبل الإسلام لفه غموض شديد، فالمؤرخون القدامي مع بدء التدوين التاريخ الإسلامي لم يكن يعرفون حدود مدلولاتهم ، على اعتبار أن عصر ما قبل ظهور الإسلام عصر إفلاس حضاري و تدهور اخلاقي و انحطاط في مجال الدين والسياسة . شوه عصر ما قبل ظهور الإسلام الأمر الذي سمح للمستشرقين الطعن في الإسلام واتهامه بأنه دين بدائي جاء من بيئة بدوية ، مع أن الإسلام نشأ في بيئة حضارية علمية كما سيتبين لكم . فشأن تاريخ العرب يختلف كليا عن شأن تاريخ الفراعنة الذي تم تعرف عليه من خلال ما كتب على حجر رشيد والبرديات التي اكتشفت مدفونه مع المومياوات استطعنا معرفة تاريخهم .
و حقيقة تاريخ العرب اكتشفت في مخطوطات عثرت في اليمن وشمال شبه الجزيرة العربية و فكت طلاسمها وبدأ تدوين تاريخ العرب، وقد حكمت اليمن ملوك حمير وسبأ ، ونظام الحكم في مملكة سبأ لم يكن استبداديا بل شبه شورى ، في وقت عاشت دولة الحمير الازدهار التجاري ولم يكن أحد ينازع الحميريين على طرق التجارة ، و كانوا يعبدون الأصنام حتى دخل الدين المسيحي ،و بدأت المسيحية تنتشر في بلاد اليمن إلى جانب الديانة اليهودية . تعرضت اليمن إلى الغزو الحبشي ، وسقطت تحت حكم الحبشة يحكمها ملك النجاشي ، والنجاشي لفظة حبشية يطلق على ملوك الحبشة عربها العرب إلى نجاشي .كان نظام حكم في الحبشة يقوم على أساس مراسيم ملكية و كان مجلس الشيوخ هو الذي يهمين على تصرفات الملك فإن شاء عزله و يتولى مكانه ملك أخر .
حضارة اليمن قامت على التجارة و الزراعة بحكم توسطها بين أمم العالم القديم ، و كان الملوك يتقاضون الضرائب من المتاجر التي تأتيها من الهند و السند و الصين و افريقيا و اشتهرت اليمن بصناعة السيوف ، و الآلات الحربية ، و كانون مهرة في فن العمارة ،و كانوا يتكلمون اللغة العربية الشمالية التي نتكلم بها الآن .
و لم يكن أهل اليمن يسيطرون على شئون بلاد العرب التجارية و السياسية بل كانت هناك دول أخرى متصارعة بين دول العظمى الروم والفرس مثل :
1.دولة الأنباط التي نشأت في مدينة البتراء في الأردن . 2. دولة تدمر نشأت في سورية التي بنائها نبي الله سليمان كما جاء في سفر الأيام و التي نافست اليمن في التجارة منذ عهد الامبراطور الروماني هادريان . 3. دولة المناذرة كانت تابعة لحكومة الفرس . 4. دولة الغساسنة قامت على انقاض دولة المناذرة وأصبحت أقوى حليف للفرس حيث وصلت حدود حضارة الغساسنة إلى الطرف الشمالي الغربي من بلاد العرب ، واشتهرت في بناء القلاع و الأبراج و القصور، و اشتهرت في شراء الجواري و النوادي الليلية الماجنة و كانت ديانتهم تعرف بإسم المذهب اليعقوبي و لم تكن لهم عاصمة و احدة حيث كان في مبدأ دولتهم كانت عاصمتهم معسكر متحرك . 5. دولة الكندة كانت تنظم العلاقات بين الدول و يمارسون نفوذهم على القبائل المتفرقة و يقيمون تحالفات معهم فلم يكن لهم مدن كباقي الدول السالفة الذكر . الآن يمكننا القول أن المجتمع المكي لم يكن أمياُ وإن طغى هذا المسمى عليه ، إلا أن تنصيب الحرفي للفظة الأمية يعود إلى عدم وجود نبي منهم كالذي عند المسيحيين واليهود.
و على الرغم أن الحجاز لم بكن قبيل الإسلام و اقعا في مجرى التيار العالمي إلا أنه لم يكن بمنأى عنها ، فقد تسربت إليهم عادات الدول المجاورة و ثقافتهم ،خاصة ثقافة بلاد الحبشة التي أثرت في ثقافة الحجاز ، اضافة على تأثرهم بالتوحيد المسيحي و بالثالوث المسيحي و هو الذي شجع العرب أن تضع لكل قبيلة صنم بإسمها إزاء الكعبة ، لهذا فشل المجتمع المكي أن يكون غذاءً روحاًا لسكانه فعمت الفوضى في عالمي الدين والسياسة . و كانت لحظة رهيبة عند العرب و كأنهم ينتظرون شخصية إلهية تخرجهم من هذه الفوضى و تضع عنهم اصرهم والأغلال التي عليهم ، و المتأمل في مسلك العرب يجد أنه لم تكن عندهم إشكالية في التوحيد أو الإيمان بالله عزوجل ، بل كانت هناك أمور تتعلق بتعليل و اقع متخلف للعرب و تقدم شعوب الحضارات المجاورة لهم .
و هنا تثار إشكالات متعددة بعد ظهورالرسول الأعظم (ص) في الحجاز مثل : علاقة العقيدة بالواقع ، الألوهية و الوجود الإنساني ، منهاج قراءة النص المقدس ، موقع التراث من التاريخ ما بعد ظهورالإسلام ، موقع الصحوة الإسلامية من الحضارات الإنسانية ، كل هذه الإشكالات بحاجة إلى تحديد أسئلتها ، فلنشرع في بيان هذه الإشكالات ، لنكشف عن مظاهر التي تجلت فيها. و الحمد الله رب العالمين .