بينا فيما مضى أن المرجعيات الدينية اهتمت بالجانب التكويني للإنسان في الفتاوى وأغفلت الجوانب الاجتماعية والثقافية والفكرية فيه ، وهذا واقعا لا يوصلنا إلى معالجة قضايا الأسرة من منظور شمولي ، لأن طبيعة علاقة الفتوى لها تأثير سلبي وإيجابي على الفرد ، إيجابي إذا لامس الواقع والتطور الزمني والمكاني ، وسلبي يورث التخلف والجمود الفكري والثقافي والاجتماعي على الفرد والمجتمع
ونحن نعرف أن الفقه له مقام رفيع بين العلوم الدينية ، و إن كان لا يمثل إلا 3 % من المنظومة المعرفية الدينية ورغم ذلك فإننا وجدنا أن الفتاوى بحاجة إلى تعميق البحوث لتجديد جنباته التي يمليها منطق العصر ، ومن أجل تغطية هذه المساحة التي يخلفها الفقه في حياة الناس ، يضطر الإنسان إلى سن قوانين وضعية لإدارة دفة الحياة وتلعب هذه الأخيرة دورها الفعال لتغيير مسار فتوى الفقيه لمصلحة عامة .
السؤال ما هو تعريف القانون ؟ الجواب القانون هو مجموعة من المبادئ واللوائح التي تفرضها السلطة وتطبقها على الناس على الشعب سواء كانت على شكل تشريعات أو سياسات أو عادات معترف بها وتنفذ بموجب قرار قضائي .جيد جدا . إذن القانون يتعامل مع قضايا مختلفة ضمن آليات معينة ومحددة في تنظيم علاقات الفرد مع المجتمع وقواعد تحكم المجتمع ، ولكل هذه الآليات قانون يختلف عن الآخر مثلا قانون العقود يختلف عن القانون الجنائي وقانون الشركات يختلف عن قانون الأحوال الشخصية .
من هنا تولد لنا فروع في القانون ، منه قانون العام الذي يتعامل مع الفرد من خلال مجموعة القواعد القانونية ، وهذه القواعد في تطبيقاتها إما خاص أو عام فهناك قانون دستوري عام وهناك قانون إدراي خاص ، والقانون الخاص يسمى بالقانون المدني الذي يهتم في حقوق و واجبات الأفراد اتجاه بعضهم البعض
نحن يهمنا قانون الأحوال الشخصية .
علما أن مصطلح الأحوال الشخصية خلا من كتب الفقهية ، أنت انظر إلى الرسائل العملية هل هي معنونة بعنوان فتاوى فقهية في الأحوال الشخصية ؟ أبدا رغم احتوائها بفتاوى تخص الأسرة كالعقود والزواج والطلاق والميراث والحضانة ، لذلك لا تجد لهذا المصطلح ذكر في هذه الكتب ، وتاريخيا إن أول دولة أدخلت هذا المصطلح في قوانينها هي ايطاليا في القرن 13 الميلادي حين واجهت مشكلة بين فقه القانون الخاص مع القانون الروماني العام في تحديد السلطات وهو ما سمي بتنازع قانوني بين تطبيق القانون الروماني العام وبين القانون المحلي الخاص .
ومصطلح الأحوال الشخصية يقصد بها الشريعة الإسلامية كيف ؟ ركزوا معي رجاء على الجواب ، أنت عندما تمسك بكتاب الرسالة العملية ماذا كتب على غلاف الكتاب ؟ منهاج الصالحين – العبادات حسب فتاوى المرجع الفلاني أو منهاج الصالحين – المعاملات حسب فتاوى المرجع الفلاني أو زبدة الأحكام – العبادات حسب فتاوى المرجع الفلاني أو زبدة الاحكام – المعاملات حسب فتاوى المرجع الفلاني ولكن هل تجد فيها ما يتعلق بعقائد الشيعة ؟ الجواب كلا .
إذن هذه الكتب – الرسائل العملية أخذت جزءاً من قانون الأحوال الشخصية وتركت الجزء الثاني منه وهي العقائد ، والحال أن كل فرد يتعامل يوميا مع حالتين من أحواله الشخصية العقيدة وأعماله اليومية ، وهذه الأعمال تنقسم إلى العبادات والمعاملات فلا يتبادر إلى ذهن أحدكم أنه إذا سمع بمصطلح الأحوال الشخصية يعنى العبادات والمعاملات فقط ، لا بل تشمل العقائد والعبادات والمعاملات ، لهذا أنت تجد قانون يسمى بقانون الفتنة يجرم من يسئ إلى عقائد الناس ويعاقبهم عليها ،
وجدير بالذكر أن الفقه في تعامله مع جانب واحد في الأحوال الشخصية وهي المعاملات كالزواج والطلاق والنفقة وغيرها ، لم يحدد حتى الآن تعريفا فقهيا دقيقا لتعامله مع هذه المعاملات ضمن إطار مصطلح الأحوال الشخصية ، وهذا الذي وضع المسائل التي تخضع للأحوال الشخصية كالعقود والميراث وحقوق المرأة وأحكام الطلاق وتطبيقاتها محل جدل كبير في الفقه حيث اكتفى الفقه بذكر بعض الأمثلة من مسائل الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والحضانة حسبما تقتضي طبيعته باعتباره أساس المركز الفقهي المتصل بمصالح الشخصية .
غير أن المحاكم المدنية اعتمدت على تعريف جاء في الموسوعة العربية الميسرة في مادة الأحوال الشخصية :- أنها مجموعة ما يتميز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية رتب القانون عليها أثر قانوني في حياته اليومية كونه إنسان من ذكر أو أنثى ، عموما القضايا التي يبحث فيها قانون الأحوال الشخصية هي ضمن نطاق القانون المدني فيما يتعلق بالموانع والعوارض في تطبيق المعاملات الشخصية .
ماذا تعني عبارة بالموانع والعوارض في تطبيق المعاملات الشخصية ؟ ركزوا معي على الجواب إذا رجعت إلى مقترحات المشاركين في دراسة ظاهرة الطلاق المبكر في المجتمعات الشيعية ستجد هناك 88 مشاركا طالبوا (بإعادة النظر في الأحكام الصادرة بالطلاق التي وقعت خلال شهر من رفع طلب الطلاق من الزوج إلى رجل الدين هل هو طلاق شرعي أم لا ؟ )
واقعا هذا العدد من المشاركين في هذا الاقتراح والذي يمثل 5 % من إجمالي عدد المشاركين وهم 1680 مشاركا تعتبر كارثة وتقود إلى فوضى اجتماعية وسنعيش في وضع بالعامية (الدنيا سايبة ياجدع)) ، هذا نوع من الطلاق يعتبر في قانون الأحوال الشخصية بالطلاق الضرر
من هم أطراف المتسبب للضرر ؟ رجل دين الذي أجرى صيغة الطلاق ، الزوج الذي ضغط على رجل الدين في الإسراع في إجراء صيغة الطلاق ما هي عقوبتهم الجرمية ؟ الحبس لمدة 3 سنوات في القانون المصري حسب المادة 171 ، الحبس سنتين في القانون اللبناني حسب المادة 134 ، وفي سلطنة عمان ، الحبس من 3 أشهر إلى سنتين حسب المادة 262 مكرر
قد يقول قائل أن رجل دين أجرى صيغة الطلاق خلال شهر ضمن قواعد فقهية حسب مباني فقيه يقلده فلماذا يعاقب ؟ سؤال منطقي أليس كذلك ، الجواب : أنت اسأل رجل الدين ما هي إجراءات الطلاق عند فقيه تقلده ؟ سيقول : أولا حضور أطراف النزاع والمثول أمامي ، ثانيا : تقديم أدلة الإثبات ومناقشتها . ثالثا : إقرار الزوجة بهذه الأدلة التي قدمها الزوج بوجود حكم من أهلها ، رابعا : إجراء صيغة الطلاق بحضور شهود عدل
السؤال هذه الإجراءات منصوص عليها في الرسائل العملية أو الفتوائية أم لا ؟ الجواب كلا وإنما وضع الفقيه شروط الطلاق على الإجراء الرابع وهو مدى صحة صيغة الطلاق ، صحيحة هي أم لا ؟ وان هذه الأجراءات وضعها العرف الاجتماعي فقط بمعنى ان المجتمع هو من وضع هذه الإجراءات جيد جدا
في هذه الحالة هل تستطيع أن تحدد العلاقة السببية بين الفعل والضرر ؟ الجواب لا تستطيع ، هنا يتدخل القانون المدني في تغيير مسار النظر في القضية ويحدد العلاقة السببية في الضرر الذي لحق بالطرف المتضرر وأول سؤال الذي سيطرحه القانون هو هل هذا الطلاق مشروع أم لا ؟
يجيب فقهاء القانون ، هذا يتوقف على مصلحة الأطراف دون إخلال بما نص عليه قانون الإجراءات المدنية في الأحوال الشخصية وهذا يتضمن أن يعيد الحكم من جديد و الغاء الحكم السابق ثم النظر في الشق الجزائي ومعاقبة المتسبب للضرر وتعويض المتضرر .
للحديث تتمة في الحلقة (6) إن شاء الله تعالى ... إلى اللقاء.