في الحلقة السابقة تحدثتُ عن المنهج التجريبي كأفضل منهج لتغيير العالم حسب الرؤية الحداثية نكمل بحثنا وبالله الاستعانة.
مازلنا في المنهج التجريبي سؤال ما هي معالم المنهج التجريبي في الفضاء المعرفي القديم في الغرب ؟ وكيف تعامل علماء الغرب معه ؟ واقعا بداية ظهور هذا المنهج كان من استنطاق الكتاب المقدس (الإنجيل والتوراة) الى قراءة الطبيعة ولاستنطاق الطبيعة كشف المنهج التجريبي عن نفسه ليقول كلمته فيها من خلال التداخل بين الفرضية والتجارب.
حيث كان المشهد الأوروبي قبل أربعة قرون يعيش صراعات علمية هي التي أسست طريقة التفكير الجديدة لرؤية العالم بعيدا عن منطق أرسطو القائم على قياس مقدمات كلية لاستنباط نتائج جزئية من خلالها وذلك وفق المنطق الصوري أو الشكلي دون الحاجة للرجوع إلى التجربة الحسية أو الوقائع المرئية للتأكد من صحة النتائج.
هذا المفهوم استمر برهة من الزمن في أوروبا حتى جاء فرانسيس بيكون في القرن 16 وقدم المنهج التجريبي كمفهوم جديد ويقطع منطق أرسطو من أجل فهم حركة النمو ونجاحه في التقدم العلمي.
إذن بداية التغيير الذي بدأ في الغرب نحو الحداثة كان في دراسة منطق المفاهيم التي كانت سائدة عندهم وهذا يعني أننا لا نستطيع أن نفهم أي مدرسة فقهية أو الفكر الديني أو أي من المعارف ما لم نكن نعرف منطق هذه المدرسة أو هذا المذهب أو هذا الفكر أو هذا الدين مثلا :
مفهوم دولة الأمة في الفكر الإسلامي ، أن للأقليات حق في تقرير المصير. سؤال هل كان معاوية محقا في إقامة دولة مستقلة في الشام في قبال دولة الخلافة الإسلامية أم لا ؟ إذا كان الجواب بنعم فالماذا حاربه علي بن أبي طالب و إذا كان الجواب بلا فلماذا قامت دويلات في بلاد المغرب كدولة الرستمية ودولة الأدارسة في قبال الخلافة العباسية ؟ بأي منطق قامت هذه الدويلات ؟
وكذلك عندما تمسك بيدك رسالة عملية أو كتاب الأحكام الشرعية لفقيه ما هل تعرف منطق هذا الفقيه هل يسلك طريق الإخباريين أم طريق الأصوليين أم طريق الشيخيين في استنباط الأحكام هذه الأسئلة يجب أن تسأل بها نفسك لأن المسألة كما قلنا مسألة منهج والمنهج بدون المنطق لا يساوي شيئا.
نعود إلى سؤالنا ماذا فعل علماء الغرب مع المنهج التجريبي ليقطعوا به القديم ؟ إنهم أعطوا للمنهج التجريبي دورا أساسيا لمطابقة النتائج التي يصل إليها مع الواقع الحسي والتجربة ثم مراجعتها سؤال : هنا هل يمكن أن يكون هناك إنسان آلي و إنسان حقيقي أو لا يمكن بحيث يأخذ الإنسان الآلي مكان الإنسان الحقيقي في أحاسيسه ورغباته ؟
لا أدري هل شاهد أحدكم نادلة آلية تخدم في مطعم (درينكس اند سبايس ماجيك) في إمارة دبي وتقدم للزبائن ما يحتاجونه من طعام هندي وصيني وإسمها (روبي) وبعد تقديم الطعام لهم تقول (لا تنسوا أن تشكروني).
المنهج التجريبي جعل من هذا الإنسان الآلي يتحسس ويشعر ويتألم فهل يحتاج الى روح أو لا يحتاج ؟ الجواب قد يستنتج أحدكم باستناج يختلف عن غيره قد يكون منطقيا وقد يكون غير منطقي هذا الاختلاف من أين يأتي ؟
يأتي من مجموعة الأحاسيس والعواطف والثقافة وكل هذا يدخل ضمن المنطق الرياضي وهو الذي يميز الإنسان الحقيقي من الإنسان الآلي مثلا
إذا غاب إنسان عن بيته مدة 40 عاما هل يعتبر من عداد الأموات أم الأحياء ؟ أسرته لا تستطيع أن تقول إنه ميت لان العاطفة تجذبهم إليه ولكن ماذا ستقول أنت ؟ إذن الانتقال من دائرة إلى دائرة استنتاج ذاتي أو استنتاج منطقي ؟
من المؤكد أن يكون استنتاجا ذاتيا فالمنهج التجريبي عندما وسع دائرة تجاربه كان ذاتيا أم منطقيا ؟ كان ذاتيا ولكنه طور ذاته أم لم يطور؟ نعم طور ذاته ولديه دليل مادي ملموس على هذا التطور
وهذا يدل أن كثيرا من الاستدلالات هي بهذا الشكل مثلا تقول هذا إنسان عالم ، عالم في ماذا ؟ تقول في الفقه وعندما يعطيك رأي في الفلك أو العقائد تقبل منه أو لا تقبل ؟ من المؤكد لا تقبل لأنه لا يوجد ملازمة بين دائرة الفلك ودائرة الفقه
لنقرب المعنى عندما تستمع لخطيب عبر الوسائل الإعلامية المتعددة تخصصه في العلوم التطبيقية ويتحدث في تفسيرالقرآن هل ستقبل منه أم لا تقبل ؟ إذا كان قد درس علوم القران والتفسير يمكن أن تقبل منه لأنه يوجد ملازمة بين التفسير وسنوات دراسته المشهودة بها وغير ذلك لا ملازمة بين دائرة تخصصه ودائرة تفسير القرآن.
نكمل بحثنا في الحلقة (14) ان شاء الله تعالى ... الى اللقاء.