علاقة العقيدة بالواقع وعلاقة الألوهية بالوجود الإنساني ترجع إلى القوانين الاجتماعية التي يخضع لها الفرد المسلم ، فالدعوة الإسلامية كانت تطمح لتغيير واقع اجتماعي و رسم مستقبل جديد للمجتمعات الإنسانية ولكن هل هذا التغيير سيكون بعيدا عن إرادة الإنسان أم من خلال إرادته الداخلية ؟ الجواب بكل تأكيد من إرادته الداخلية ، كقول الرسول الأعظم (ص) " قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " أنتم بإرادتكم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا فالقوانين الاجتماعية حسب التصور الإسلامي لا تعبر عن حتمية مطلقة بل تخضعها لشروطها الموضوعية وهي إرادة الإنسان.
إذن الإنسان هو عنصر فاعل في عملية التغيير المنشودة ، وهو أساس انطلاق التطور الاجتماعي والتاريخي وهو محور حركة التاريخ ، فلايمكن للرسول الأعظم (ص) رسم مستقبل الإنسانية بعيدا عن إرادة الإنسان ، وعلى هذا الأساس بنى (ص) الحكومة الدينية ليسترشد الناس بدينهم في أمور دنياهم (1) وهذه الحكومة قامت على أساس احترام القوميات الإسلامية والتوحيد بينها ترجمها (ص) بالمواخاة بين المهاجرين والأنصارحين وصل (ص) إلى يثرب بعد أن بايعته قبيلتي الأوس والخزرج ، وهذه البيعة لم تكن سياسية بل كانت اجتماعية اقتصادية.وعليه بنيت الأسس والقوانين الاجتماعية بوجوب الالتزام بالقرآن والسنة النبوية وليس لأي عامل مصطنع كالتعصب الذي يدخل المجتمعات في صراعات وجودية بسبب أخطاء شخصية وخلافات قبلية ، وهذه النزاعات يجب أن لا تسبب القطيعة بين المسلمين لأن هناك مصالح شخصية ومجتمعية على حد سواء حيث أن التعصب يترتب عليه آثار جانبية منها :
أولا : النفاق فلقد كان الوضع العقائدي غير مستقر في عهد التنزيل حيث كان المسلمون يتشبثون بأية وسيلة لغرض الاستمرارعلى التمسك بأرائهم الشخصية وخير دليل انهزام بعض المسلمين في معركة الخندق حيث قالوا أن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا هكذا رسم القرآن الكريم في سورة الأحزاب الصورة النفسية للمسلمين أنذاك. ثانيا : الانكار لحقيقة النبوة والتشكيك بقوة الرسالة المحمدية.
هذه الآثار كان على الرسول الأعظم (ص) إنهائها بالمنطق والمصالح المشتركة وكشف أباطيل المغرضين وبالتدخل الإلهي لمحو هذه الآثار فكانت الريح التي هبت وقلعت خيام قوات الأحزاب فكان النصر حليفاً للمسلمين. إلا أن عصبية النسب لم تذهب بعد الإسلام ذهابا تاماً لكنها تحولت إلى وجهة دينية فأصبح أشرف الأنساب قربا إلى الرسول الاعظم (ص) هو أحق بالخلافة من بعده ، فكان القريشي يفتخر بنسبه إلى قريش وله الحق للتقدم إلى المناصب العليا في الدولة الإسلايمة وهذه العصبية قسمت الإسلام إلى إسلام سياسي و إسلام ديني رغم أن الرسول الأعظم (ص) قال في خطبة حجة الوداع " إن ربكم واحد ، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" ، ولكن بنو أمية كان لهم شأن آخر مع هذه النظرية فهم اعتبروا أن السلطة التي كانت بأيديهم قد سلبت تحت هذه الشعارات فخاضوا 82 معركة ضد النبوة حتى و صلوا إلى حكم الممالك الإسلامية فذهبت دهشة النبوة وعادت الناس إلى العصبية الجاهلية ، هذا الخطر الذي حذر منه الرسول الأعظم (ص) أمته.
" تحدث إمام وخطيب مسجد الخلفاء الراشدين في طرابلس لبنان الشيخ محمد الزعبي في برنامج «حقائق التاريخ» على قناة الكوثر الفضائية وقال ، أخرج الحاكم في مستدركه على الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً وإن أشد قومنا لنا بغضاً بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم». وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا بلغت بنوأمية أربعين اتخذوا عباد الله خولاً ومال الله نحلاً وكتاب الله دغلاً»"." وأضاف خطيب مسجد طرابلس ، حتى الأحاديث التي حاول الحفاظ تضعيفها والتي تتعلق بمؤسس هذه الدولة ، معاوية بن أبي سفيان ، نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه». طبعاً هذا الحديث ضعفه أكثر الحفاظ لأن من بعد عهد المتوكل صار نوع من التعصب لبني أمية لكن الحافظ أبوالفيض أحمد بن صديق الغماري الذي قالوا عنه آخر الحفاظ قال ، هذا الحديث موافق لشرط البخاري في الصحة "(2).
ما هي حقيقة بنو أمية ؟ هل الصراع بين النبوة وبنو أمية هو صراع الحضارات أم هو صراع العصبية القبلية أي منهم ؟ ركزوا معي على الجواب رجاءً لأنه بحث مهم جدا نصل من خلاله إلى الأسباب التي جعلت من الحسين بن علي يمتنع عن مبايعة يزيد بن معاوية ويخطط لنهضة مستدامة تحفظ الرسالة المحمدية من الزوال إلى يوم القيامة. يذكر المؤرخون أن عبد شمس بن عبد مناف أخا هاشم بن عبد مناف قد تبنى عبدا له روميا يقال له أمية فنسبه عبد شمس إلى نفسه فنسب أمية بن عبد شمس. فأصل بني أمية من الروم ونسبهم في قريش (3).
وتعود قصة هذا النسب إلى أن قصي بن كلاب بن مرة الجد الرابع لخاتم الرسل (ص) كان اسمه زيدا سمي قصي أن أمه تزوجت بعد وفاة أبيه كلاب بن مرة القريشي بربيعة بن حزام بن سعد القضاعي وانتقلت به إلى الشام مع زوجها فسمي قصيا لقصوه عن أهله ، ترعرع قصي عند ربيعه بن حزام على أنه أبوه ، فكان أن تنازع مع بنو عذرة (الخزاعة) فعيروه أنه دخيل ، فسأل أمه فقالت له إنه من مكة وأن ربيعة ليس أبوه.
فرجع إلى مكة حتى حاز على سدنة الكعبة من أبي غشيان ، ندلعت حرب إثر حصول قصي على ولاية البيت من أبي غبشان. فحـُشدت قريشاً وبني كنانة وقضاعة على حرب خزاعة ، فلما كثر القتل بينهم حكموا عمر بن عوف فحكم بإسقاط الدماء ونقل ولاية البيت إلى قصي ، فاجتمعت له السدانة والرفادة والسقاية. قام بعد ذلك بتجميع قبائل قريش في نواحي مكة ، وأعاد بناء الكعبة وبنى دار الندوة (4).
مات قصي وترك أمور السدانة والرفادة والسقاية بيد إبنه عبدالدار، غضب منه أخوه عبدمناف حتى تصالحا وقسما أمور إدارة السدانة والسقاية والرفادة بيتهما ، ثم آلت الأمور إلى عمرو المشهور في كتب التاريخ بإسم هاشم ، أما ما يذكر في كتب التاريخ أن هاشم وعبد شمس إخوة فقد ثبت بالدليل التاريخي بطلان هذا الرأي وأن عبد شمس ونوفل كانا تحت كفالة عبد مناف فهما أبناء زوجته من بني عدي (5).
ترعرع امية عند عبد شمس ، فأصبح أميه بن عبد شمس مثله مثل زيد بن حارثة الذي رباه خاتم الرسل (ص) فسمي بزيد بن محمد حتى نزلت آية " أدعوهم لأبائهم " (5) فتفاخر أمية في النسب على هاشم فأحتكما إلى كاهن الخزاعي بعسفان ويكون على الخاسر فيها أن يدفع خمسين ناقة سود الحدق لتنحر، وأن يجلو عن مكة عشر سنين ، فحكم لهاشم على أمية ، وطرد أمية إلى الشام ، فتزوج من إمرأ ة هناك ، إلا إنه كان عقيما فأعطى زوجته لعبده ذكوان وكان يهوديا فذرية بنو أمية من هذا العبد اليهودي (6) .
والرسول (ص) يصرح بأن ذكوان يهودي من أهل صفوريه قاله لعقبة بن أبي معيط " إنما أنت يهودي من أهل صفورية " (7). وكان ذكوان ( أبو عمرو) یھودیاً من الشام. إذ قال عقیل بن أبي طالب للولید بن عقبة بن أبي معیط بن ذكوان : كأنك لا تدري من أنت ، وأنت علج من أھل صفوریة – وھي قریة من أعمال الأردن من بلاد طبریة ، كان أبوه ذكوان یھودیاً منھا (8). والحمد لله رب العالمين.
المصادر
1- أحمد محمود صبحي ، نظرية الإمامة ، ص 17
2- الموقع الإلكتروني لقناة الكوثر ، تحذير النبي من بني أمية ومعاوية ، 16-4-2018م
3- الإستغاثة ، أبو القاسم الكوفي جزء 1 ص 72
4- موسوعة ويكابيديا – قصي بن كلاب
5- سورة الأحزاب آية 5
6- جواهر التاريخ ، الشيخ علي الكوراني العاملي ، جزء 2 ص 82
7- السيرة الحلبية ، الحلبي الشافعي ، جزء 2 ص 186
8- مروج الذهب ، المسعودي جزء 1 ص 336