الظهور المقدس التوقيت منهج قرآني (1)


قال لوكيوس سينيكا الخطيب والفيلسوف الروماني : " ليس ثمة ريح موأتية لا يعرف أين يتجه " الإنسان منذ القدم كان تفيكره نحو المستقبل ، وبدون هذا التفكير لا يستطيع التقدم أو إنجاز أي عمل لأن المستقبل عالم مجهول المخاطر ، بحر الظلمات ، لا تدخله الشمس ، وهو مصدر قلق وجودي للإنسان ، وهذا القلق كان دافعا له في التفكيرالمستقبلي فأصبح كالغريزة لا يشاركه فيها أي من الكائنات الحية ، يقول ابن رشد : " الإنسان الحيوان الذي يدرك الزمان " فأصبحت عنده القدرة على التخطيط والتنبؤ ، ومع تطورعقل الإنسان ظهرت كتابات تتحدث عن الأحداث المستقبلية كجزء من ثقافته ، فالنظرة البدائية أن الإله هو من يحدد لك مستقبلك وهو قدرك المحتوم ولا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال.

وكانت وراء هذه النظرة الجرائم الاجتماعية التي وقعت بسبب عدم كبح جماح السلوك المنحرف وعدم معرفة الفرد لقاعدة " إعرف نفسك " وهي القاعدة التي نادى بها المصلحون في الأرض كالأنبياء والأوصياء ، يقول علي بن أبي طالب (ع) : " وتحسب إنك جرم صغير وفيك أنطوى العالم الأكبر ". ومنذ أن اكتشف الإنسان الزمن كان من مصلحته قراءة طالعه ، و الزمن هو تعبير مطلق يحتوي على الوقت كجزء منه ، والفارق بينهما أن الوقت مدته محدودة طالت أم قصرت بعكس الزمن. يقول الطبيب النفسي يحيى الرخاوي : " أن وقت الشيء جعل له وقتا محددا يفعل فيه أمر ما ، بمعنى جعل له وقت في هذا اليوم لذات الفعل ، وكل ذلك يحدد الوقت كظاهرة ملموسة في متناول التحديد والقياس والوصف والتصنيف ".

والإنسان اهتم بالوقت وتوقيت الأحداث القادمة سواء على المستوى الاجتماعي والسياسي وغيره ، ونجد أنه وضع الخرائط لمشاريعه المستقبلية. والرسالات السماوية لم تخرج عن هذا المسار لتنمية العقل البشري ووضع قواعد وأسس لما هو قادم من الأيام ، وعليه سار الإنسان في حساب حركة النجوم والكواكب والتنبؤ للأنواء المناخية والنهضة العلمية التي أطلقها الإمام الباقر(ع) حيث وضع قاعدة " الخزرة يتبع بعضها البعض " كقاعدة للتنبؤ والتخطيط المستقبلي ، والقرآن الكريم لم يألوا جهدا في تبيان أهمية دراسة المستقبل قال تعالى في سورة يونس -5- (هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب).

وعلى إثر ذلك جاءت الأحاديث والروايات عن الأحداث المستقبلية بدأ من نبؤة الأنبياء بظهور خاتم الرسل إلى نبؤة ظهور المخلص للبشرية في آخر الزمان ، ودونت هذه التنبؤاءات في الكتب السماوية وفي أسفار الديانات الوضعية . وهذه التنبؤءات ليست من الغيب كما يتصورها البعض أو يعتبرها من التوقيتات الغيبية ، ويستند في ذلك على الرواية عن الصادق (ع) " كذب الوقاتون نحن أهل بيت لا نوقت ". علما أن الفرق بين الغيب والوقت هو أن الغيب ما غاب عنك من علم وسر من الأسرار ، أما الوقت قلنا محدد بزمن طال أم قصر، مثلا تتحدث التوراة في سفر إشعيا في الإصحاح الثاني في الآية الثانية : " ويكون قي آخر الأيّام أنّ جبل بيت الرب يكون ثابتا في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه كل الأمم ، وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك سبيله فيقضي بين الأمم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل لا ترفع أمة على أمة سيف ولا يتعلمون الحرب فيما بعد ".

هذه التنبؤاءت بظهور شخصية ربانية التي ستنصف شعوب كثيرين فلا قتال بعد ذلك والتي تحدثت عنها التوراة ليست غيبا ، أو كما في الرواية عند المسلمين عن الرسول الله (ص) والأئمة الأطهار(ع) حول خروج السفياني والخراساني واليماني في شهر واحد وسنة واحدة ، ثم تأتي الروايات وتحدد صفات هؤلاء الثلاثة أيضا ليست من الغيب بل إخبار لأحداث ستقع في آخر الزمان. وهذه الأحداث المدونة في التراث على الإنسان أن يبحث فيها ضمن قاعدة الخزرة والإحتمالات للتنبؤ المستقبلي.

هذا الإنفتاح والتشجيع نحو البحث في عالم المستقبل أظهرعلوما كثيرة مثل إحتساب عدد الآيات القرآنية وتسلسل أرقامها أوصل الباحثين إلى الإعجاز الرقمي في القرآن الكريم ، وهذا الإنجاز ليس غيبا بل حسابات منطقية علمية. أما الغيب هو ما ليس في قدرة الإنسان الوصول إليه ضمن الأدوات المتوفرة لديه في التنبؤ لحدوث أمر ما مثلا لو قلنا متى ستكون الصيحة التي ذكرها القرآن الكريم ؟ ، فقد قال تعالى في سورة ق -42 " يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج " هل يستطيع احد التنبؤ بها ؟ لا أحد يستطيع التنبؤ بها في أي يوم أو أي سنة لأنها خارجة عن الحسابات المنطقية وقاعدة الخرزة والإحتمالات فهي من الغيب.

فالتوقيت للصيحة فقط محل شاهد الرواية (نحن أهل بيت لا نوقت) وهذا يقودنا إلى طرح بعض الأسئلة أنه لماذا المسلمون وخاصة الشيعة لم يهتموا بكتابة أبحاث في التنبؤات المستقبلية لأحداث آخر الزمان ؟ لماذا جهدت المؤسسات الاجتماعية والدينية الشيعية على تحجيم العقول في هذا الشأن ؟ علما أنهم أكثر طائفة من المسلمين اهتماما بقضية المهدي المنتظر(ع).

الجواب أن الصعوبات الناجمة عن غياب الرؤية المستقبلية في العقل الديني الشيعي وسيطرة شيوع الموروث ذات نمط التفكير داخل الصندوق والإطمئنان إلى ثقافة القطيع هو أمر أدى إلى صعود مجموعة تقف وراء التوجيه لا إلى أفكار جديدة بل إلى الهيمنة وترسيخ الصيغة التراثية الروائية الموروثة في طبعتها المستجدة كالذي يتنبأ بالماضي ويذكر المستقبل مما دفع ذلك إلى تأخير ظهور هذه الأبحاث والدراسات المستقبلية عند الشيعة.

وخلاصة قولنا أن التوقيت والبحث في التنبؤ للأحداث المستقبلية في أخر الزمان ليس منهي عنه فهو سنة قرآنية سارعليها الأنبياء وأوصياء الأنبياء ، وفتحت لنا آفاق جديدة للدراسات والأبحاث في المجالات المعرفية المختلفة.


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير