عندما يقوم أحد من الناس بطرح سؤال على فيلسوف كيف ترى صورة العالم ؟ فإنه سيجيب عليه إنه يرى العالم مجموعة من الأفكار و مكانة الإنسان فيه. بهذه الرؤية دعونا نرى مفردة العطش التي أصبحت أيقونة للثورة الحسينية و تعبر عن الجانب المأساوي فيها، و مدى قسوة العدو في استخدام سلاح الماء في سبيل إخضاع خصمه .
ترى أين موقع (الحسين بن علي) من مفردة العطش كقائد أنيطت إليه مسؤولية قيادة الأمة الإسلامية ؟ و لو بحثنا و تحرينا عن موقفه من مفردة العطش و سألنا التاريخ مثلا عن (عابس بن شبيب الشاكري) أحد شهداء كربلاء ، هل تركه قائده و إمامه (الحسين بن علي) يسشتهد عطشانا أم لا ؟
الجواب التاريخ لم يخبرنا أنه أستشهد عطشانا .
و إذا طرحنا هذا السؤال على الأئمة الطاهرين التسعة من ولد (الحسين بن علي) هل أصحاب (الحسين) و أنصاره استشهدوا عطشا أم لا ؟ الجواب لم نقرأ فيما وصلتنا من نصوص زياراتهم لشهداء كربلاء أنهم ذكروا أن أنصار (الحسين) استشهدوا عطشا ، و إذا كان عند أحدكم نص زيارة في رواية عنهم فليتفضل بها علينا تفضله على الفقراء .
أو هل أن (الحسين بن علي) قال لهم ليلة عاشوراء أنكم ستقتلون غدا عطاشى ضمن اختبار نفسي لمعرفة نواياهم الحقيقية ؟ الجواب كلا . هل وقف هو موقفا سلبيا مع مفردة العطش ؟ ما هي قصة مفردة العطش التي أصبحت أحد العناوين لإظهار مظلومية شهداء كربلاء و التي نسمعها على لسان خطباء المنابر ذا إئتلاف الروزخوني التقليدي ؟
تعالوا معي لنبحث معا عن حقيقة مفردة العطش .
في كل مرة نستنطق الكتب التاريخية لنصل إلى هدفنا. هنا أيضا سنتصفح هذه الكتب التالية :-
أخبار الطوال (لأبي حنيفة الدينوري) ص 293 – تاريخ الطبري ج 4 ص 340 – مقتل الحسين (للخوارزمي) ج1 ص 245– كتاب روضة الواعظين تأليف محمد النيشابوري – الفتوح (لابن الأعثم الكوفي) ج5 ص 159 – البداية و النهاية (لابن كثير) ج1 ص 169– مقتل الحسين (السيد عبدالرزاق المقرم). ماذا تقول هذه المصادر عن مفردة العطش ؟
ملاحظة : ستأتينا عبارة (نقص في مخزون المياه) هذا ﻻ يعني نفاذ المياه كليا ، و (إنما هناك نقص في كمية المياه في المخيم بحاجة إلى سد هذا النقص ).
منذ خروج (الحسين بن علي) من مكة إلى العراق سلك طريقا عبر منازل متعددة منها على سبيل المثال : أنه نزل في منطقة التنعيم و هي تبعد عن مكة 5 كيلوميترات و بها ماء ، استراح فيها ثم أكمل السير إلى منطقة تسمى الصفاح و فيها التقى بالفرزدق و عسكر فيها واستسقى القوم ،
ثم أكمل السير إلى منطقة ذات العيون عسكر بها و أخذوا حاجتهم من الماء ثم أكمل السير و نزل في منطقة زرود و التي تسكن فيها قبيلة (زهير بن القين البجلي) عسكر (الحسين بن علي) بها و كانت غنية بالمياه و النخيل ، ثم أكمل السير إلى أن وصل إلى منطقة شراف.
حيث التقى (بالحر بن يزيد الرياحي) و العطش قد أخذ مأخذه من جيش (الحر) فأمر بسقي جيشه و خيولهم و دوابهم أيضا و كانوا 1000 ألف فارس. يقول السيد المقرم " أن جيش الحر أخذوا يملأون القصاع و الطساس"
إلى أن وصل إلى أرض كربلاء في الثاني من محرم عام 61 هجرية ، و في يوم الخامس من محرم بان النقص في مخزون المياه في المخيم. ذهب (الحسين بن علي) خلف مخيم النساء وخطى 19 خطوة ثم طلب من أنصاره حفر بئر في الموضع الذي حدده لهم انفجرت عين ماء ارتوى العسكر و النساء و الأطفال و ملأوا القرب .
وفي يوم السابع من محرم بان النقص في مخزون المياه في مخيم (الحسين بن علي) مرة أخرى. يقول صاحب الفتوح أنه أمر أخاه (العباس) و ولده (علي الأكبر) السير إلى المشرعة شط الفرات). خرجوا و معهم 30 فارسا و 20 راجلا بأيدهم القِرب ( قربة ماء))
عندما وصلوا سألهم القوم عن مجيئهم. قالوا جئنا نستسقي الماء و كان المتحدث مع جيش (عمر بن سعد) ( نافع بن هلال البجلي) ، إلا أن القوم منعوهم فاحتدم القتال بين الطرفين سقط قتلى من جيش (عمر بن سعد) و هذا أول صدام عسكري بين المعسكرين .
انتصر (العباس) و أمر من معه بملء القرب و رجعوا إلى المخيم بالماء و لم يقتل من جيش (الحسين بن علي) أحد. بعدها وصل كتاب (ابن زياد) بمنع الماء عن (الحسين) أمر(عمربن سعد) بتنفيذ الأوامر و وضع على المشرعة 500 فارس بقيادة (عمرو بن الحجاج الزبيدي)).
وفي يوم التاسع من محرم أيضا بان النقص في مخزون المياه في مخيم (الحسين بن علي) ، أمر مرة ثانية أخاه (العباس) وولده (علي الأكبر) بجلب الماء إلا أن القوم منعوهم فاحتدم القتال مرة ثانية بين العسكرين و نجح (العباس) بإحضار الماء إلى الخيام و سقط قتلى من كتيبة (عمرو بن الحجاج الزبيدي).
وفي يوم عاشوراء بعد صلاة الظهر بان النقص في المياه في مخيم (الحسين) فأمر أخاه (العباس) و ولده (علي الأكبر) بإحضار الماء فخرجوا و معهم بعض الأنصار نجح (العباس بن علي ) بإحضار الماء ولكن (علي الأكبر) استشهد في هذه الحملة العسكرية ، و بعد ساعات قلائل استشهد (الحسين بن علي) و فتح معبر إلى المشرعة و جيء بالماء إلى المخيم .
نكمل بحثنا في الحلقة (6) إن شاء الله تعالى . إلى اللقاء