المهدي المنتظر والتحولات العالمية - 13


لقد سعيت في حقيقة الأمر في جزئية  إثبات هوية إسرائيل إلى توضيح الجوانب المتعلقة بالمعالجات الدينية للأحداث والقصص التي حدثت في أزمان مختلفة من تاريخ البشرية وردت في  الكتب المقدسة، سواء  التوراة أو الإنجيل أو القرآن الكريم، وهذه القصص بُنيت على نص مقدس جاءت من جهة مقدسة وهو مؤلف النص، وقد تلقاها الناس من لسان  نبي أو رسول السماء، وهو أيضاً الجهة التبليغية  المقدسة ، فكلُّ نص مقدس محاط بهذه الجوانب الثلاثة (النص المؤلف ومبلغ النص)، وهذه القاعدة يمكن تطبيقها على كلِّ النصوص التي نقرؤها ، فمثلاً تفسير الميزان للسيد محمد حسين الطباطبائي وهو من أبرز فلاسفة ومفكري الشيعة الاثني عشرية  في القرن العشرين الميلادي - الرابع عشر الهجري،  اعتمد  على تفسيرالقرآن بالقرآن، وهو منهج يعتمد على شرح آيات القرآن بآيات أخرى من القرآن نفسه، أي إنه  يعتمد على تفسير كلام الله بكلام الله .

وهناك اتجاهات أخرى يتبعها مفسرو آيات في القرآن الكريم  كالتفسير بالرأي والتفسيرالموضوعي والتفسير بالمأثور (بالقرآن والسُّنة الشريفة)، وإذا عرضنا هذه التفاسير التي قدمها علماء المسلمين في تفسيرهم لأحداث القصص التاريخية  نجدها أنها غير ناجعة بالنسبة لأمور لها ارتباط بالموضوعات الاجتماعية في حقبة تاريخية معينة، وهذا يحتاج إلى منهج تحليلي مقارن في بيان حقيقة تاريخية لقصة ذُكرت في الكتب المقدسة الثلاثة، خاصة إذا كانت هذه القصة شاملة ومتفقاً عليها  بين الأديان السماوية، وهذا يدفعنا للبحث عن المنهج التطبيقي العلمي الحديث في تفسير مقاصد القرآن الكريم كقصة الجناية الكبرى التي وقعت في الأرض بين قابيل وهابيل.

  تجدر الإشارة هنا إلى أن اسم قابيل اسم عربي، والبحث عن هذا الإسم في الحضارات القديمة أو في التوراة أو الإنجيل ليس من الصواب في شيء، لأن أسماء الأنبياء المذكورة في القرآن الكريم غير تلك التي عرفوا بها عند أقوامهم مثلاً:-  يعقوب النبي يعرف في العبرية بإسم (ياكوف)، ويوسف النبي يسمى ( جوزيف أو يوساف)، وموسى كليم الله ورد اسمه في العبرية (موشيه)، ونبي الله إدريس يسمى ( أخنوخ)، ونبي الله إبراهيم الخليل في السريانية يسمى (أوراها)، وسمي قابيل في العبرية بـ(قايين)، وهابيل بـ(هايل). إذاً الأسماء التي لدينا في العربية، إما هي من قبيل التعريب أو جاءت موافقة لأوزان اللغة العربية. 

وإذا رجعنا الى حضارة مصر القديمة نجد أن أسماء الأنبياء الذين عاشوا قبل الطوفان مثل نبي الله إدريس يسمى (أوزير)، وآدم يسمى (آتوم)، ونوح النبي يسمى (نوو)، وبعد الطوفان نبي الله يحيى يسمى (توت عنخ  آمون)، وزكريا النبي يسمى (سمنخ كارع)، والسيدة مريم العذراء تسمى ( ميريت آتون).

إذاً البحث في تاريخ الأرض لا يكون بالإسم، إنما بالوقائع التاريخية المدونة في الكتب المقدسة التي جاءت قبل القرآن الكريم وكذلك في الحضارات التي عاشها أنبياء الله مع أقوامهم، فبحث الفعل بالفعل والحدث بالحدث، فنبي الله إدريس في المدونات الأثرية مثلاً نجد أنه كان يتلقى دعوة من الملائكة (النتر حسبما جاء في برديات الحضارة المصرية ) وأنه كان يخط بالقلم ويخيط الثوب ويزرع الأرض، وهذه الصفات تتطابق مع ما جاء عند المفسرين المسلمين للقرآن الكريم أن نبي الله إدريس أول من خُط بالقلم، وأول معلم للبشر، وكان غزير العلم وفي عهده عرف الناس لبس الأثواب (1) وتشييد البيوت وابتكار أدوات الزراعة والري.  

وهذا ما أكده السيد الطباطبائي في تفسير آية ( واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً"  (2)، يقول " قالوا : إن إدريس النبي كان اسمه أخنوخ وهو من أجداد نوح (عليه السلام) على ما ذكر في سفر التكوين من التوراة ، وإنما اشتهر بإدريس لكثرة اشتغاله بالدرس(3) ، اذاً الطباطبائي  اختلف هنا في منهجيته في تفسير آية القرآن بالقرآن واعتمد على التوراة وما ذكر فيها عن اسم نبي الله إدريس  هناك ،لأن اسم أخنوخ بالعبرية ليس وارداً في القرآن الكريم، من هنا نؤكد أن البحث في التاريخ لا يكون بالإسم، بل بالحدث التاريخي .

و إسرائيل اسم عبراني، وليس اسماً عربياً  كما جاء في قاموس المعاني أنه اسم علم مذكر عبري، أصله "يشرائيل" أي يجاهد مع الله، أو يصارع الله، ومعظم أسماء التوراة جاء بصيغة المضارع ، ولو رجعنا إلى التوراة سنجد أن الله عزّ وجل غيّر اسم يعقوب إلى إسرائيل بعد أن صارع الله وغلبه ،" فبقي يعقوب وحده، وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر، ولما رأى أنه لا يقدر عليه، ضرب حق فخذه، فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه. وقال: أطلقني لأنه قد طلع الفجر فقال: لا أطلقك إن لم تباركني فقال له: ما اسمك؟ فقال:  يعقوب، فقال: لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت". (4) 

هنا أقرت التوراة أن يعقوب تغيّر اسمه إلى إسرائيل، ولكن القرآن الكريم رفض هذا المعنى وكان ردّه صريحاً أن نبي الله يعقوب سُمي بيعقوب من قبل ولادته وفي حياته، وسمي يعقوب عند حضور وفاته، وسمي يعقوب بعد وفاته "، وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" (5) وبعد وفاته "يرثني ويرث من آل يعقوب" .(6) 

من هنا نفهم أن وجود اسم إسرائيل في القرآن الكريم هو لبيان أن مسمى إسرائيل ليس مرادفاً لإسم يعقوب النبي، ولو كان كذلك لذكر الله اسم إسرائيل في سورة يوسف على اعتباره أحد أسباط إسرائيل وهو يعقوب النبي، ولكن لم يرد اسم إسرائيل لا مفرداً أو مضافاً إليه ولو لمرة واحدة، والعجيب في الأمر أن الله عزّ وجل أنزل سورتين تتعلقان بيعقوب النبي، وإذا سلمنا أن يعقوب اسم مرادف لإسرائيل ،  ففي سورة يوسف وعدد آياتها 111 آية لم يذكر اسم إسرائيل فيها ، وسورة  الإسراء وعدد آياتها 111 آية لم يرد فيها على الإطلاق اسم يعقوب النبي.  

إذاً القرآن الكريم لم يربط بين إسرائيل ويعقوب أبداً، بل ذكر إسرائيل أو بني إسرائيل في شؤون بعيدة كل البعد عن يعقوب النبي وآل يعقوب ، وليس في القرآن الكريم أدنى دليل على أن يعقوب هو إسرائيل، وما جاء في تفاسير المسلمين  أن يعقوب مرادف لإسرائيل مقتبس من الكتاب المقدس ومن سفر التكوين تحديداً وهو ما يسمى في علم التفسير الإستظهار أي الاقتباس من الغير .والحمد لله رب العالمين

 

المصادر:
1. مستدرك الوسائل ، المحدث النوري ،  جزء 13 ص 461
2.سورة مريم ، الآية: 56
3. تفسير الميزان ، السيد محمد حسين الطباطبائي مجلد 14 ص 33
4.سفر التكوين الإصحاح 32 الآيات: 17 – 30 
5.سورة هود، الآية: 71
6.سورة مريم ،الآية: 6


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
السبت 2025/12/13 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير