
كان أول ما وصل إلى الشيعة الاثني عشرية من كتب حول المهدي المنتظر هو كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني، محدث ومفسر شيعي من القرن الرابع الهجري ، ويضم الكتاب 478 حديثاً من دون تكرار، وهو المصدر الرئيسي الذي اعتمد عليه علماء الشيعة الإمامية أمثال الشيخ المفيد والطوسي والطبرسي . ذكر النعماني عن الدجال أنه من اليمن وأن خروجه سيكون أيضاً من اليمن، وأنه كان حياً في عصر النبي الخاتم، (1) وفي موضع آخر يقول: "من أشراط الساعة كذلك خروج الدجال فيخرج من خراسان". (2)
بهذه الصورة نحن لن نصل إلى هوية الدجال ، فإذا ما أردنا أن نتبيّن الكيفية التي يراد لها أن تكشف القناع عن ارتباط الدجال بالتاريخ المنظور الذي نحن بصدد بيان مدى صلته بأوضاع العالم اليوم ، فعلينا أولاً أن نعرف بوضوح ما هي البيئة التي يعمل الدجال من خلالها للسيطرة على المجتمعات البشرية ؟ وهل هناك علاقة تربط بينه وبين الحضارات التي قامت قديماً وحديثاً أم لا ؟
قبل الخوض في غمار تفاصيل هذا الموضوع ورغم ضبابيته في مدونات المسلمين ، والإهمال في مراجعة السجلات التاريخية، هذا الوضع جعل من الصعب على الباحثين الوصول إلى الوثائق التاريخية المهمة التي تتحدث عن الدجال حيث أدى ذلك إلى تغييب أو إخفاء جزء كبير من التاريخ منذ بداية تشكل النواة الأولى للدجال ، وعلى الرغم من ذلك فالبحث عنه أصبح رغبة ملحة ليست عندي فقط، بل هي رغبة العديد منكم أيضاً من خلال الرسائل التي وصلتني من بعضكم ، وأنا أتفق معكم أننا يجب أن نميط اللثام عن هذه الشخصية، وأعدكم أنكم لن تخرجوا من عندي خاليي الوفاض، فرحلتنا ممتعة ومفيدة فهل أنتم مستعدون لها ، فلننطلق إذاً على بركة الله .
بتاريخ 26 يوليو 2024 أقيمت دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس وكانت رسالة العروض التي افتتحت بها فعاليات الأولمبياد أنها دشنت عصر نهاية الأديان بظهور "الدجال المنتظر" أو المسيح الدجال" على اعتبار أن عصر الدجال قد بدأ، وإذا أردت فعلاً أن تعرف من يتحكم في مصائر الشعوب اليوم يكفيك أن تشاهد فعاليات عروض أولمبياد باريس لتعرف الشخصية التي جسدت الدجال في هذه العروض ألا وهو " السامري" عرّاب الماسونية
فمن هو السامري يا ترى ؟ لقد ظهر السامري في زمن أقدس أنبياء الله في تاريخ البشرية وهو النبي موسى كليم الله ، وأقدم على ارتكاب أكبر الكبائر التي أغضبت الله عز وجل، ،حيث ارتبط اسمه مع العجل الذهبي الذي له خوار ،وقد افتتن به بنو إسرائيل بعد أن طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهاً حين رأوا قوماً يعبدون الأصنام ، فصنع لهم السامري عجلاً في غياب موسى فقال لهم :إن هذا هو رب موسى نسي أن يأخذه معه .
ذهب أغلب المفسرين إلى أن ولادة السامري كانت في فترة ولادة نبي الله موسى نفسها، غير أن أم السامري أخذته إلى الكهف بعد أن جاءها المخاض فوضعته هناك لأن فرعون كان يبقر بطون النساء الحوامل ويذبح أطفالهن من بني إسرائيل . كان فرعون يفعل ذلك بسبب خوفه من تحقيق النبوءة التي تنبئ بأن زوال ملكه سيكون على يد رجل من بني إسرائيل .
وضعت أم السامري وليدها واسمه موسى بن ظفر من بلدة كرمان ، قال الإمام أبو حسين محمد البغوي: إن اسمه صائغ من كرمان يدعى ميخا، وفي التوراة اسمه زمري بن سالو الشمعوني. وكرمان هي إحدى محافظات جنوب شرق إيران، عاصمتها مدينة كرمان. تُعدُّ ثاني أكبر محافظة إيرانية من حيث المساحة، وتشتهر بثرائها التاريخي والطبيعي، حيث تضم مدناً مثل بم وميمند المدرجتين ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو وتشمل أبرز معالمها الجبلية جبل هزار، بالإضافة إلى سوقها المسقوف القديم الكبير الذي يُعدُّ أقدم وأطول سوق في إيران .
أما بخصوص لقبه السامري فقد ذهب أغلب المفسرين أنه من قبيلة سامرة ،غير أن بعض المؤرخين ذهبوا أنه من بلدة سامرة وليس من قبيلة سامرة، وأن هذه البلدة وجدت في عهد رابع ملوك بني إسرائيل، أي بعد خمسة قرون من عهد النبي موسى كليم الله وهذا يتنافى مع ما ذكر عن السامري في القرآن الكريم والكتب المقدسة أنه عاش في زمن النبي موسى كليم الله .
وللمقاربة التاريخية نجد أن بلدة سامرة هي بلدة شمرون التي كانت في زمن نبي الله موسى ووصيه يوشع بن نون، وأن حرف السين في اللغة العربية بُدل إلى حرف الشين في اللغة العبرية كموسى بالعربية هو موشي في العبرية ، واسم "شمرون" في العبرية يشير إلى منطقة السامرة وهي منطقة جبلية شمال الضفة الغربية، أصل اسمها من المدينة القديمة التي كانت عاصمة مملكة إسرائيل الشمالية وتقع بالقرب من قرية سبسطية الحالية، شمال غرب نابلس
في السياق الإسرائيلي، يُستخدم مصطلح "يهودا والسامرة" للإشارة إلى الضفة الغربية ككل في التقسيمات الإدارية، وبالنتيجة نقول: إن اللقب السامري مقتبس من بلدة سامرة .
الملفت في قصة السامري أنه ليس أعور ، فكيف اعتبرت الحكومة الفرنسية أن عصر الدجال قد بدأ ! والحال أن وصف الدجال في الأحاديث والروايات عند المسلمين أنه أعور، وعند اليهود هو ابن الشيطان، وفي المسيحية هو وحش ، وفي الهندوسية لا يوجد مفهوم مطابق للدجال بالمعنى الذي يظهر في الأديان السماوية، بدلاً من ذلك تواجه الهندوسية قوى الشر نتيجة لأفعال الفرد والصفات السلبية التي تظهر هذه الأفعال في مواجهات مع الآلهة في نهاية العصر المظلم ، ولكن ما علاقة السامري بالدجال ؟
يبدو أن الاشتباك مع آليات النصوص الآنفة الذكر الواردة حول الدجال أشبه بمغامرة معرفية ، فالقرآن الكريم لم يأت على ذكر الدجال لا من قريب ولا من بعيد، غير أن الروايات والأحاديث ذكرت خروجه في آخر الزمان، فعند الشيعة الاثني عشرية الدجال يقاتل المخلص الموعود (المهدي المنتظر) وعند أصحاب المذاهب الأخرى فإن مقتل الدجال يكون على يد نبي الله عيسى ابن مريم .
في ضوء هذا التمشي يمكن إجراء مقاربة بين النصوص الحديثية وبين القرآن الكريم، هنا ثمة تساؤل مهم يطرح حول ما إذا كان القرأن الكريم لم يأت فعلاً على ذكر الدجال فكيف سنقوم بالمقاربة بين المصدرين ؟ قبل الإجابة على هذا التساؤل من المهم جداً أن نبحث عن تفسير آيات وردت فيها كلمة إسرائيل ونقوم بالمقاربة مع الكتب المقدسة مثل التوراة والإنجيل لنصل إلى الشخصيات الواردة أسماؤهم فيها كالأنبياء والصالحين ومن آمن بهم . والحمد لله رب العالمين.
.1.الغيبة ، محمد بن إبراهيم النعماني ، جزء 1 ص 13
2. المصدر نفسه ، ص 14