المهدي المنتظر والتحولات العالمية - 12


اتفق المفسرون المسلمون  على أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ومعناه عبد الله، لأن "إسر" في لغتهم هو العبد، و"إيل" هو الله، قيل: إن له اسمين، وقيل: إسرائيل لقب له  وقد أضاف الشيعة تفسيراً إلى ما سبق نقلاً عن رواية في علل الشرائع للصدوق ورد فيها أن يعقوب هو إسرائيل،   عن أبي عبد الله " ع " قال : كان يعقوب وعيص توأمين، فولد عيص ثم ولد يعقوب، فسمي يعقوب لأنه خرج بعقب أخيه عيص، ويعقوب هو إسرائيل، ومعنى إسرائيل عبد الله، لأن إسرا هو عبد، وإيل هو الله عز وجل (1).

 وعندما نذهب إلى علماء اليهود ونسألهم: ما معنى لفظة إسرائيل ؟  سيقولون: لفظة إسرائيل مكونة من كلمتين ساميتين من التوراة القديمة "إسرى" تعني غلب و"إيل" تعني الإله أي غلب الإله.

بهذه  النصوص  لن نصل إلى فهم  حقيقة هوية  إسرائيل بمعنى هل هو شخص واحد أم شخصان مختلفان؟ وهذا يستدعي حتماً تحليل  النصوص في سياقها الزماني والمكاني والاجتماعي، ومقارنة المصادر المختلفة، والبحث عن الأدلة من مصادر متنوعة لا تقتصر على النصوص المكتوبة ، بل يجب استخدام أدلة أخرى مثل الآثار والوثائق الأثرية، ولا يمكن النظر إلى الحدث بمعزل عن سياقه التاريخي الأكبر وذلك للأسباب التالية : 

أولاً : القرآن الكريم  لم يقل إنه حذف اسم يعقوب النبي واستبدله  بإسرائيل، والدليل على ذلك  في سورة الإسراء 2-3: ((وآتينا موسى الكتاب وجعلناهُ هُدى لبني إسرائيل ... ذرية من حملنا مع نوح)، فالذين ركبوا السفينة مع نوح هم أبناء إسرائيل. ومن هذا يتبيّن أن إسرائيل كان قبل نوح النبي، ويتضح أيضاً أن بني إسرائيل لم يكونوا من ذرية نوح ولا من ذرية إبراهيم.

ثانياً : وردت فقرة في دعاء السمات عند الشيعة الاثني عشرية حيث يقرأ هذا الدعاء في آخر ساعة من نهار الجمعة: " وَبارَكْتَ لِيَعْقُوبَ إسْرائيلِكَ في أٌمّةِ مُوسى عَلَيْهِمَا السَّلامُ،"غير أن علماء الشيعة طعنوا في هذه الفقرة وقالوا إنها مدسوسة وهي من الإسرائيليات  التي دخلت في التراث الشيعي. 

ثالثاً : بنو إسرائيل لعنوا  في القرآن الكريم في سورة المائدة 78-79 " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ۝ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ". 

رابعاً : السيد الطباطبائي في تفسير الميزان حسم الموضوع في الآية: " أولَئِكَ اَلَّذِينَ أَنْعَمَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلنَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْرَائِيلَ"
وقد ذكر في القصص السابقة  كلاً من الذراري الأربع كإدريس من ذرية آدم، وإبراهيم من ذرية من حمل مع نوح، وإسحاق ويعقوب من ذرية إبراهيم، وزكريا ويحيى وعيسى وموسى وهارون وإسماعيل على ما استظهرنا من ذرية إسرائيل". والاستظهار مفردة يستعملها المفسر في تحويل الملكية إلى الغير، أي أخذ المفسرون ظاهر الآية واعتمدوا على الدلالة اللفظية حسب الظاهر. 

هذه الصورة عن إسرائيل  في تفاسير المسلمين بحاجة إلى نبش التاريخ وإجراء المقارنة بين النصوص المقدسة، وبين الشواهد الأثرية في الحضارات التي تحدثت عن هوية إسرائيل ،وأن المنهج التاريخي الوصفي التحليلي هو الأنسب لمثل هذه الدراسات، ونحن نعرف أن الماضي لن يعود، فإن كان الماضي بمعناه المجرد مادة تاريخية فإن الآثار تعدُّ جزءاً من الماضي .

وحسب علمي فإن الدور المهم في هكذا دراسات هي النتائج العملية التي بدونها لن نحصل على الفائدة المرجوة في تطبيق النظرة التفسيرية للنصوص المقدسة (القرآن الكريم)، لأنها ستدخلنا في البحث عن الحلول لواقع تاريخي، مثلاً اسم يعقوب النبي لم يحذف من  القرآن الكريم ليستبدل بإسرائيل ، فإذا تجاهلنا هذه الجزئية وتم التركيز فقط على الآراء التفسيرية لآيات كتاب الله جلت قدرته التي تتحدث عن إسرائيل كشخص مستقل عن يعقوب فسننخرط في مساجلات ومماحكات من النمط الذي زخرت به آراء علماء السلف في القرون الماضية.

لا شك في أن المطالعة التاريخية لهوية إسرائيل تستدعي القيام ببحث تاريخي مستقل يوضح لنا إلى أي مدى يمكن الوثوق بالنتائج التاريخية التي بلورت  حقيقة هوية إسرائيل، ونحن في هذا الجزء من البحث سنكشف عن جوانب مهمة ومثيرة وسنحصل على إجابات لمعظم  التساؤلات التي لم تلق الاهتمام الكافي في المدونات التي كتبت عن هوية إسرائيل أنه شخص غير يعقوب النبي .

دعونا نرجع إلى تاريخ البشرية ما قبل طوفان نبي الله نوح حيث وجد إسرائيل وكما عرفنا أن المفسرين ذهبوا إلى أن إسرائيل تعني عبد الله ما عدا صاحب الميزان الذي قال: إسرائيل هو الغالب وهو المعنى نفسه الذي ذكر في التوراة في سفر التكوين، وتبيّن لنا أن صاحب الميزان استظهر هذا المعنى في تفسيره من الآخرين، والسؤال المهم هنا: لماذا  تم إلصاق اسم إسرائيل على يعقوب النبي  حيث  كانت ولادته بعد طوفان نبي الله نوح ؟

جاء في سورة المائدة  الآية :27" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ". من المفسرين كصاحب الميزان قال: "إن القاتل هو أحد رجال  بني إسرائيل"، ولكنه لم يذكر اسمه، والبعض ذهب أن اسمه  قابيل كالطبري ، وإذا تصفحنا كتب اليهود فإن هذا الاسم اقْتُبِس من سفر التكوين 4:1، اسم قابيل في التوراة ليس قابيل ولكن قايين ، نجد أن اسم قابيل عند المفسرين هو تصحيف عربي، إذاً من قام بهذه الجناية من أبناء آدم قابيل أم غيره ؟

كشفت آثار مصر القديمة عن حادثة القتل في التاريخ، ودوّنت في رسائل العمارنة التي اكتشفت في قصر أمنحوتب الرابع " أخناتون" واعتبروها أسطورة ، والأسطورة هي شكل من أشكال الأدب القديم والتقليدي الثابتة نسبياً، وتصاغ على شكل قصة حصلت في قديم الأزمان من دون تحديد الزمن ولكنها حقيقة أزلية.  تدورهذه القصة كما جاء في موسوعة ويكيبيديا  حول جريمة قتل الإله (أوزوريس) حيث قام قاتله وهو أخوه (ست) باغتصاب العرش  فأصبح ست إله الشر والعنف (4) ، غير أن (إيزيس) زوجة (أوزوريس) لم تستسلم  فذهبت سعياً وبحثاً عن جثة زوجها  حتى عثرت عليه في جبيل ( ملاحظة : جبيل مدينة أثرية في قضاء جبيل في لبنان) ، ولكن (ست) أفلح في سرقة الجثة وقطعها ووزع أشلاءها على أقاليم مصر، وطبقاً لأسطورة أن الإله (جب إله الأرض) كان متزوجاً من (إلهة السماء نوت) ، وأنجب منها أربعة أبناء هم: (إيزيس وأوزوريس وست وأختهم نيفتيس) ، ولكن (ست) كان غيوراً من (أوزوريس) وزوجته (إيزيس) والتي تعتبر إله الحب عند المصريين القدماء. 

هذه القصة متداولة عند المسلمين أن  قابيل أراد أن يتزوج بأخت هابيل، وآدم أمر هابيل أن يقبل فرفض، فطلب منهما أن يقربا قرباناً هكذا جاءت القصة في تاريخ الأمم والملوك للطبري، والمفارقة بين القصتين أن هذه الغيرة حسب المصادر الإسلامية لم تكن منافسة على العرش كما جاء في مصادر مصر القديمة. وحسب هذه المعطيات فإن الحدث التاريخي من حيث الزمان والمكان له  الخواص نفسها من حيث البعد التاريخي، ومن حيث الحدث الموضوعي فلا يمكن اعتباره أسطورة ، لماذا ؟ لأنه إذا فتشنا عن النسب في النقل التاريخي وأقصد به نسب (أوزوريس وست) لا يتناقض مع الحدث التاريخي من حيث النسب بين (هابيل وقابيل) ، علاوة على ذلك فإن استخدام التفسير التاريخي للوثيقة سواء رسائل العمارنة أو سفر التكوين جاء مترابطاً مع الحدث التاريخي والسرد التاريخي.

فإذا أخذنا الحدث في معناه الأول، أي في رسائل العمارنة وأضفنا ما جاء في سفر التكوين الذي جاء بعد هذه الرسائل مع السرد التاريخي والتفسيري عند المسلمين فإننا ننزل هذا النسب منزلة الديمومة أن (أوزوريس وست) هما  أبناء آدم ، وإن كان ضئيلاً في كتب المسلمين كاختلاف في أصل التسمية ، وأن أوزوريس هو هابيل ، وست هو قابيل ، وجب إله الأرض هو آدم ، ونوت إلهة السماء هي حواء . 

هناك جزئية أخيرة أود الإشارة إليها وهي أننا عرفنا أن قابيل عند المسلمين  هو ست في الحضارة المصرية، وبعد مقتل هابيل جاءت هذه الآية في سياق الآية الآنفة الذكر من سورة المائدة وهي الآية (32):  "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا .." وهذا المعنى ورد في سفر التكوين 

" قالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: « أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟ » فَقَالَ: « لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟ » 10 فَقَالَ : « مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ. 11 فَالْآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ! 12 مَتَى عَمِلْتَ الأَرْضَ لاَ تَعُودُ تُعْطِيكَ قُوَّتَهَا. تَائِهًا وَهَارِبًا تَكُونُ فِي الأَرْضِ ». 13 فَقَالَ قَايِينُ لِلرَّبِّ : « ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ. 14 إِنَّكَ قَدْ طَرَدْتَنِي الْيَوْمَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ وَمِنْ وَجْهِكَ أَخْتَفِي وَأَكُونُ تَائِهًا وَهَارِبًا فِي الأَرْضِ فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي"  فقال له الرب : « لذلك كل من قتل قايين فسبعة أضعاف ينتقم منه ". (2)  والحمد لله ربّ العالمين. 

المصادر
1.علل الشرائع ، الشيخ الصدوق ، ج1 ص 43
2. سفر التكوين  14:13:12:11:10:4


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/12/4 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير