
حين شرعت في كتابة هذا البحث وهو مكمل لبحث "ليلة سقوط تل أبيب" بدا لي أن النظام السياسي في الإسلام وبالرغم من إضاءاته بحاجة إلى تحديث يواكب العصر الراهن خاصة في الملف المهدوي، حيث إن أكثر ما كتب في هذا الملف من الناحية السياسية أو لنقل حاكمية المهدي المنتظر الشيء القليل، لأن التركيز انصب على الجانب الديني الذي لعب دوراً فعالاً في توجيه الناس بعدم قبول الباطل مهما كان شكله.
وهذه الحالة النفسية عند الناس جاءت لتثبت فكرة المهدي المنتظر التي كانت سبباً من أسباب اشرأبت نفوس الناس لحاكم عادل تتحقق فيه جميع أشكال العدالة ، فمن الناس من لجأ إلى الخيال ليجد فيه مأواه، فبنى لنفسه مدينة فاضلة على حدّ تعبير الفارابي، وخلق من دنياه يوتيوبيا خالية من الظلم كل الخلو، وأقام نظاماً عادلاً كل العدالة. ومنهم من اتجه إلى الثورة عاقداً العزم على اقتلاع جذور الظلم من مجتمعه، وتحقيق العدالة الاجتماعية، غير أن عجزهم عن تحقيقها جعلهم يؤملونها حلماً.
ومنهم من تحالف مع الاستعمار سعياً لبناء دولة الخلافة الإسلامية ولرفع الظلم عن الناس، ولما فشلوا في مسعاهم لجؤوا إلى فكرة الدين على أمل تحقيق أحلامهم فوجدوا في فكرة المهدي المنتظر ما يحقق أملهم مثل تنظيم داعش، حيث لجأت مجلة النبأ الناطقة باسم التنظيم إلى نشر سلسلة حلقات أسبوعية عن الملاحم والفتن وظهور المهدي .
وكلمة المهدي في الأصل كلمة بسيطة، وهي اسم مفعول من هدى يهدي، فكل من هداه الله فهو مهدي، من هنا ليس للكلمة معان أخرى ، فمن جهة التصقت بالشيعة وهم الذين استخدموها على هذا المعنى ، ومن جهة أخرى أضيفت إليها كلمة المنتظر وأصبح يقال دائماً المهدي المنتظر.
والجدير بالذكر أن هناك دولاً قامت باسم المهدي كالدولة الفاطمية حين ظهر عبيد الله ابن حسين مؤسس الدولة الفاطمية والملقب بالمهدي المنتظر، حيث اختلف المؤرخون حول نسبهم فمنهم من أرجع نسبهم إلى فاطمة بنت محمد (ص) وعلي بن أبي طالب، وقسم شكك في نسبهم، وكدولة الموحدين في المغرب العربي وزعيمهم محمد بن تومرت وهو شيعي من نسل علي بن أبي طالب.
ودولة القرامطة والتي هي دولة فتنة شيعية مهدوية، وقد رأى حمدان بن قرمط أن العالم الإسلامي غارق في الجهل والظلم ولا سبيل إلى الخلاص إلّا بظهور المهدي فقام بثورة في بغداد. والقرمط تعني "المعلم السري"، لهذا ظهرت تيارات باطنية تؤمن بتناسخ الأرواح بين الشيعة. أما فرقة الحشاشين التي أسست على التشيّع والاعتقاد بالمهدية فقد انبثقت من الإسماعيلية وزعيمهم هو الحسن بن الصباح . وهناك ثورة البساسيري وهي من الثورات الصغيرة التي أُخمدت في مهدها في زمن الدولة الفاطمية،
وكذلك الفرقة البابية فهي فرقة ظهرت في العصر الحديث وقد دعا إليها السيد علي محمد الشيرازي الذي ادعى أنه الباب الذي يلجأ إليه الناس لحمايتهم ومساندتهم وهو مثل المهدي المنتظر، من هنا ظهرت فكرة أن المرجع الديني عند الشيعة هو نائب المهدي المنتظر المستور
والقاديانية فرقة زعيمها هو غلام أحمد انتشرت في الهند، والقاديانية نسبة إلى قاديان وهي بلدة بأعمال البنجال، وقد زعم غلام أحمد أن عيسى ابن مريم مدفون في كشمير حيث هرب من اليهود ببيت المقدس، كما وزعم أنه المهدي المنتظر وأن الله حل في جسده وله رسالة عالمية لتخليص الناس من الظلم والجور.
السنوسية من أشهر دعاة المهدوية في العصر الحديث وزعيمها هو الإمام محمد بن علي السنوسي الذي ظهر في المغرب العربي في القرن الثالث عشر الهجري، وقبل وفاته لمح أنه المهدي المنتظر وسيخلفه ابنه السيد محمد المهدي ليتزعم بعده المهدوية، هذه الفرقة قريبة في جوهر تأسيسها من الحركة المهدوية التي ظهرت في محافظة البصرة في العراق وزعيمها هو أحمد إسماعيل القاطع في هذا العصر. وأخيراً حركة المهدي السوداني، وهي حركة قوية شغلت الحكومة السودانية فترة من الزمن، وزعيمها هو محمد بن عبد الله الملقب بالمهدي المنتظر.
هذه الصورة الموجزة عن الدول والحركات المهدوية قامت باسم المهدي المنتظر، وأياً كانت هذه الحركات إلّا أنها أثرت كثيراً على مفهوم حاكمية المهدي المنتظر والتي شجعت الصليبيين على غزو الأقطار الإسلامية لما وجدته من ضعف في طرح مسألة قيام دولة العدل الإلهي على يد المهدي المنتظر.
هذه الدول والحركات المهدوية هي إحدى أسباب اضطهاد الشيعة على مرّ التاريخ ، وكتاب مقاتل الطالبيين فيه من القصص المرعبة لناحية قتل العلويين وتشريد كل طالبي وعلوي وفاطمي من نسل علي بن أبي طالب الأمر الذي اضطر الشيعة للعمل بالتقية حتى ظهرت في القرن الرابع عشر الهجري دولة إسلامية في إيران تولى زعامتها الإمام الخميني الذي قاد الثورة وأطاح بحكم الشاه، وقلب الطاولة على كل ما هو متوارث في العقل الجمعي الإسلامي بشقيه السني والشيعي عن المهدي المنتظر وحركته التصحيحية المرتقبة.
تطورت المؤسسات السياسية بقيام جهورية إيران الإسلامية، وتشكلت منظمات جهادية. وفي السنوات التي أعقبت ثورة الخميني طرأت على المسرح السياسي العالمي تغيرات عدة بالغة الأهمية، مثل بروز دول شرق آسيا كقوة اقتصادية، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وتسارع وتيرة العولمة، وبداية دمقرطة الحكومات، إلا أن الاستقرار السياسي لم يتحقق في كل المناطق في العالم وهذا كان سبب قلق الدوائر الغربية كيف يمكن تطبيق الديموقراطية ؟ وكيف يمكن إخراج الدول الإسلامية من وهم قيام دولة المهدي المنتظر؟ وكيف يمكن أن تكون للدول الاسلامية مؤسسات سياسية وليست لديها في الحقيقة فكرة عن معالم الحكومة الإسلامية المرتقبة ؟. والحمد لله رب العالمين