عرفنا في الحلقة الماضية أن المنهج التجريبي طور ذاته عبر تجاربه وقدم دليلا ماديا ملموسا على ذلك نكمل بحثنا وبالله الاستعانة..
مازال حديثي مستمرا حول المنهج التجريبي الذي خطى خطوات جبارة في تحديد كل المتغيرات التي تؤثر في الظواهر التي يدرسها . أنت أسال فقهاء البحث العلمي هذا السؤال لإثبات حقيقة ظاهرة ما أو للوصول إلى حقيقة موضوع ما. ما المنهج المتبع لديكم ؟ الجواب المنهج التجريبي لماذا هذا المنهج وليس باقي المناهج كالمنهج الفلسفي أو العقلي أو العرفاني لماذا فقط هذا المنهج ؟
انتبهوا للجواب : لأن المنهج التجريبي يضمن إثبات شيء بالبرهان جزئيا كان أو كليا من خلال المعلومات المحصلة للوصول إلى النتائج والاستنتاجات الصحيحة وفي المنهج الفلسفي لايمكن الوصول إلى الحقائق التي نريدها بسبب أن إثبات الشيء الجزئي لا يناله العقل عندهم فهو ليس كاسبا ولا مكتسبا..
أما في المنهج العرفاني لا يمكن تنبؤ الحوادث المستقبلية به ، أما المنهج العقلي فإنه يفرض اليقين على الواقع الخارجي حتى لو انعدم عنده الدليل ، لهذا فالخصوصية عندنا هو المنهج التجريبي. سؤال ما هي خصوصيات المنهج التجريبي ؟ ركزوا معي على الجواب
الخصوصية الأولى : يستطيع المنهج التجريبي أن يعكس نمط الأسئلة التي تتطلب فيها المعلومات التفسيرية للإجابة عليها فهو يكشف كل حقيقة من الحقائق المحسوسة حولنا
مثلا : عدة المطلقة طلاقا بائنا بينونة كبرى يقول الفقهاء تعتد في بيتها 3 أشهر حتى يتم التاكد من استبراء رحم المرآة بوجود حمل من عدمه لاجتناب وقوع اختلاط الأنساب .سؤال : هل يمكن ضمن معطيات المنهج التجريبي أن ينتظر 3 أشهر ليتحقق من استبراء الرحم بوجود حمل أو لا ؟ الجواب كلا لأن المنهج التجريبي سيقول لك أنا اخترعت جهازا يستطيع كشف الحمل من عدمه ، زيادة على ذلك سيخبرك هذا الجهاز متى سوف تلد المرآة ؟ .
الخاصية الثانية : لا يكتفي المنهج التجريبي في الفكر الحداثي بإجراء التجربة فقط بل يمكن له أن يتنبأ الحوادث المستقبلية ، لأنه يقوم بتحليل وتفسير كل ظاهرة يقوم بدراستها ويقدمها على شكل إثباتات علمية لا تقبل الشك ،
فيستطيع أن يتنبأ ماذا سيحدث بعد 20 سنة من الآن وهذا التنبؤ ليس تنبؤا غيبيا بل القضية مرتبطة بالشروط أما التنبؤ في الفكر الإسلامي فقد عجز حتى الآن أن يوحد رؤية هلال الشهور القمرية مع وجود النصوص قطعية الثبوت ولا يحتاج إلى دليل..
الخاصية الثالثة : قابلية المنهج التجريبي في وضع الحلول لظواهر تم التنبؤ لها ، وإيجاد دواء لمعالجة أي مرض ، وأعتقد أغلبكم سمع عن علم الجينات أو ما يسمى بعلم الوراثة الذي يساعد على دراسة الحمض النووي للإنسان وفهم طبيعته وتكوينه ، والروابط التي تجمعه مع مجموعات بشرية مختلفة ، فالشخص الذي يعيش في الغرب يستطيع بعلم الوراثة أن يحدد هويتك عربية كانت أو أفريقية او هندية.
الخاصية الرابعة : قابلية المنهج التجريبي في التخطيط المستقبلي كما تريده أنت مثلا أصدرت منظمة الصحة العالمية إصدارات متعددة عام 2005م لتوعية الناس في حماية أنفسهم من الجائحات التي قد تنتشر في العالم والإرشادات الاحترازية التي يجب أن يطبقها الفرد للحيلولة دون وقوع المحذور..
الخاصية الخامسة : يستطيع كل واحد منا الدخول إلى المنهج التجريبي فإذا أردت أن تُدخِل المباحث الفقهية أو العقائدية في معطيات المنهج التجريبي ، فهل يمكن أن تكون حجة أو ليست بحجة ؟ مثلا درجة غليان الماء ، ثبت علميا عند 100 درجة مئوية تعادل 212 فهرنهايت ، ويبدأ الماء بتحول من السائل إلى الغاز..
هذه المعادلة تعتبر حجة أو ليست كذلك ؟ إذا قلت ليست بحجة إذن على الفقيه أن يحدد درجة غليان الماء للناس لأنه قد تسقط حبة العنب في الماء المغلي فهل يجوز شرب عصيرها أو لا يجوز؟
فإذا لم يوجد عند الفقيه معادلة درجة الغليان فلا يستطيع إصدار الفتوى في مثل هذه الحالات أليس كذلك وإذا قلت أنها حجة فكل الظواهر التي قام المنهج التجريبي باستنتاج نتائجها و التثبت منها يجب الأخذ بها طواعية..
إذن بالنتيجة الفقيه طبق المنهج التجريبي أم لم يطبق ؟ نعم طبقه دون أن يشعر ، لهذا تجد أن الإنسان الحداثي الغربي من إحدى خصائصه أن محوره التجربة ، وهو لا يهتم لكلام الآخرين ، ولا يمكن أن يسمح لأحد أخذ ثمار جهوده مجانا..
فقام بوضع علامة تجارية على كل منتجاته ، وسن القوانين والتشريعات الخاصة بحق الإمتياز من أجل تنظيم العلاقة بين المانح والممنوح له الإمتياز في استخدام العلامة التجارية مقابل الحصول على نسبة من الأرباح والعائدات الماليه لقاء منح حق الامتياز..
نكمل بحثنا في الحلقة (15) إن شاء الله تعالى.... إلى اللقاء.