الخطاب الديني في عصر العولمة والحداثة (19)


  مازال الحديث مستمر حول العولمة ، ولكي تكتمل الصورة  أين نحن من مصطلح عالمية الإسلام ، و إستكمالا لما مضى من الحديث عن الركن الأول الذي  بني عليه مفهوم العولمة  وهو إلغاء الحدود الجغرافية  فلا اعتبار لمسألة الوطن ، فأنت مواطن في المنظومات الاجتماعية التي تديرها النخب الرأسمالية ، فالمواطن هو الركن الثاني الذي تهتم به العولمة ،  ما هي صفاته  ؟ الجواب ركزوا معي رجاءً .أنت عندما تخرج من البيت و تلتقي مع الناس ، تستطيع التمييز بين من هو مواطن وبين من هو غير مواطن ،  ما هي هذه المواصفات التي يجب أن تكون في المواطن كي تتعرف عليه وتشير إليه إنه مواطن ؟ 

الجواب:  جاء في النظام الأساسي لكل دولة  مثلا في سلطنة عمان النظام الأساسي نص على أن :-
" كما يحدد النظام الأساسي للدولة حقوق وواجبات المواطنين العمانيين التي تتضمن عدم التمييز بأي شكل من الأشكال، وحرية التعبير والتجمع، وحق المشاركة في القرارات السياسية للدولة، وحق الملكية الخاصة والحق في الخصوصية الشخصية وحرية الدين والمساواة بين الجنسين".(1).

 وفي 10 ديسمبر 1948م، تبنت جمعية العامة للأمم المتحدة  القرار 217 (الثالث)   تنص المادة الثانية منه على أن  "لكل فرد الحق في التمتع بجميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الآراء السياسية أو غير السياسية أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو مكان الولادة أو أي وضع آخر. علاوة على ذلك، لا يجوز التمييز بين الأفراد وفق المركز السياسي أو القضائي أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمون له، سواء كان مستقلًا أو مؤتمنًا أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو خاضع لأي شكل آخر من أشكال السيادة ". (2) .

سؤال في ظل مفهوم العولمة أي من هاذين التعريفين ستأخذه العولمة ،  التعريف الأول والذي جذوره وطنية ومحلية ولأهل البلد ، أم التعريف الثاني الذي يلغي كل أصناف التمييز والسماح للجميع بالمشاركة ،  أي منهم ؟  الجواب : لا هذا ولا ذاك ، لماذا ؟ الجواب لأن العولمة تؤمن بوحدة الأراضي والحياة لجميع البشر على كوكب الأرض دون قيد أو شرط  ، تحول هذا المواطن من مشارك في بناء الوطن إلى ورقة ضغط  ، كيف ؟   

الجواب :-  الناخب شخص مسالم يتقدم لتمثيل ولايته أو منطقته في البرلمان ، أليس كذلك ، العولمة  حولت هذا الناخب إلى ورقة ضغط لا للوصول إلى مقعد في البرلمان أو مجلس الشورى أيا كانت التسمية ، بل للوصول إلى السلطة  ، كيف يصل هذا الناخب إلى السلطة  في ظل العولمة ؟  الجواب ركزوا معي  رجاءً 

 أولا : هناك ناخبون دوليون يشاركون مع هذا الناخب وهم  مرتبطون بالشركات العملاقة  أي النخب الرأسمالية . ثانيا : - الأشخاص المرتبطون بالإنتاج وترويج المنتجات بمعنى هناك أسواق تهيئ لإستقبال المنتجات من بلد هذا الناخب . ثالثا . الفئة التي ساعدت في ترويج البرنامج الانتخابي وهم المحليون القوميون  الذين يعملون تحت مظلة مفهوم العولمة للمواطنة .  لنوضح أكثر ،عندما دخلت أمريكا العراق واحتلتها في عام 2003 للميلاد  صرفت أكثر من 30 تريليون دولار  ، جزء منه صرف على تمويل القنوات الفضائية للشيعة والسنة . 

هنا لعبت العولمة دورها و قالت للفرد الشيعي الذي  يريد أن يتنفس  بعد سقوط صدام  ، خذ يا سيدي هذا المال وافتح قناة فضائية لك ،وأنشر مذهبك  فهذا الشيعي كم قناة  فضائية أصبحت لديه ؟ البعض عنده 6 قنوات فضائية والبعض الآخر 10 قنوات ، قائمة مطولة  ، هذا الأمر ليس محل بحث حاليا  .  نفس المعادلة  طبقت على الجهة السنية .

هؤلاء ضمن برنامج العولمة مواطنون عراقيون ولكن يخدمون من  ؟ الشركات العملاقة التجارية فهم مواطنون في النظام  العالمي المراد إنشائه ، فلا يحق لأحد التعرض لهم . الآن أنت انظر كم قناة فضائية شيعية تنشر الخرافات ؟ عدد لابأس به ، هل يستطيع أحد حتى المرجعية الدينية  التعرض لها ؟  أبدا . 

اذهبوا إلى شبكة اليوتيوب الإلكترونية المرئية ستشاهدون أشرطة مرئية شيعية فيها العجب العجاب من الكذب والتحريف والتزييف والتدليس  وكلها باسم الإسلام ، وباسم أهل العترة الطاهرين ويعملون تحت مظلة المرجعية هل يستطيع هذا المرجع أو ذاك إيقاف هذه التجاوزات المعرفية  ؟ الجواب  كلا . 

إذن العولمة اسقطت اعتبار  المرجعية الشرعية . يقول د. حسن حنفي " تظهر العولمة في احكام الحصار حول مناطق الاستقلال الاقتصادي أو السياسي أو الحضاري عن المركز " ثم يقول " فاحتمال ظهور قطب ثان وارد حضاريا من المنطقة العربية والإسلامية بإرثها التاريخي الثقافي الطويل " (3) ما معنى هذا الكلام  ؟  المعنى إن إسقاط اعتبار المرجعية الشرعية يعطي  مساحة واسعة لإيجاد  قطب ثان  جديد من المرجعية الشرعية  ضمن مفهوم العولمة ، ولكنه مرتبط بإرث تاريخي ثقافي طويل .

رابعا :-  الجماهير المرتبطة بفوز هذا الناخب والاستفادة من الانتاج القادم  . ومن هذا المنطلق أدت العولمة نمطين من المواطنة الأول :  انتماء معنوي ناتج عن المكان ؛ وما يوجده من ارتباطات لغوية و عاطفية و دينية.  والثاني : انتماء مادي مرتبط بشبكة التفاعلات التجارية  والتنظيمية، كالمنظمات غير الحكومية مثل: جماعات  الألفة والمودة ، وجماعة توست ماستر وغيرهم . سنتحدث عن منظمة الألفة والمودة لاحقا. 

بالنتيجة العولمة جعلت حياة المواطن غير ثابتة ،  ينتقل من مكان إلى مكان في آن واحد ، ومفتاح الدخول إلى هذا المكان أو ذاك ، هو الرمز السري لفتح حسابك على شبكة التواصل الاجتماعي . 

نكمل بحثنا في الحلقة (20) إن شاء الله تعالى...... إلى اللقاء.

المصادر 

البوابة الرسمية للخدمات الحكومية الإلكترونية  ، النظام الأساسي للدولة  .أضغط على الرابط النظام الأساسي للدولة - سلطنة عمان
(2) موسوعة ويكابيديا . أضغط على الرابط موسوعة ويكابيديا 

(3) د. حسن حنفي ، الثقافة العربية بين العولمة والخصوصية ، منشورات جامعة فيلادلفيا ، عمان ، الأردن ، عام 1999م ، ص 30


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير