إذا كانت سلطة السيادة العليا المتمثلة في حق الله على الأرض لم تتجسد بشكل كلي في التاريخ ، وإنما بشكل نسبي وهذه السيادة في ذروة السيادة الشرعية لم تتجسد في الواقع وإنما كان وجودها ذهنيا في عقول المؤمنين ، وأن حضور سلطة الفقهاء أصبح مقدسا ، فماذا علينا أن نعيد التفكير فيه ؟ للإجابة على هذا السؤال ، لابد لنا من مقدمة
إن الوقائع التاريخية التي أشارت إلى البديهيات الحقيقية الذهنية ، لا يمكن العثور عليها في موقع حياتي واحد، بل يجب النظر إليه ضمن مسار تاريخي وعيني ، ونحن لن ننال قابلية التطبيق لها إلا من خلال الحضور العملي للتحليل وضرورة مناقشتها وانتزاع المفاهيم الإعتبارية بمعونة أجهزة العلم . والعلم لا يتكون إلا من خلال التحليل ومناقشة الوقائع ، لهذا لا يمكن تسمية أية عملية التحليل إلا إذا كانت له درجات معينة من التدرج والإستمرار والشمول. . وعلى الرغم من كثرة التحولات والتغييرات فإن العلاقات وتأثيرها على الظواهر الاجتماعية والتغيرات الناجمة عنها هي وقائع مستقله عن فاعلها العاقل الواعي . إذن وجود الوقائع والعمليات ضمن صياغة معينة تكون فاعلة حينما يتم تعرفتها والاعتراف بها ، وإلا فهي غير موجودة . وهذا ما نسمية تفاعل أصالة الإنسان مع التطور الحضاري والتحول التغييرات السياسية والاجتماعية والعلمية ، وقد يدخل أحيانا مصطلح االاحتكار واستقطاب القطب الواحد ضمن الحركة الحضارية للإنسان ويعبر عنها بدرجة واحدة إلا انها لا تتمتع بوزن وأهمية متساوية
بهذه المقدمة أتضح لنا أننا إذا كنا نرغب في أن يكون للمعارف الدينية تأثير في حياة الإنسان ، فلا بد أن تخضع كل جزئية منه في قالب التحليل الواقعي لنخرج ضمن صياغة معينة تكون فاعلة وإلا فلا قيمة لهذه المعرفة . مثلا تريد إقناع العالم أن الإمامة أصل من أصول الدين أو تريد إقناعه أن الخمس المورد المالي في القرآن الكريم اختص جزء منه لفئة بشرية معينة وهم السادة الهاشميين ، أو أن نظرية شورى الفقهاء هي الأنسب لإقامة حكومة إسلامية .
كل هذه العمليات هي مجموعات مستقلة بذاتها ، فيجب أن تناقش في ذاتها ، وتأثيرها على الواقع العملي ضمن المسار للعمليات الحضارية الثلاثة وهي :- التحديث ، العلمنة ، العولمة . التحديث هو الشعور العام بحضور الدين في العالم الحديث وهو ما نسمية بحداثة الدين سناتي في الحديث عنها في موضوع مستقل عن الحداثة وتأثيرها على الدين والخطاب الديني . وأما العملية الثانية وهي العلمانية فإنها ليست محل بحثنا في الوقت الراهن لأنه علمنة الدين يجب أن ننظر إليها من أربع مستويات :- أولا : المستوى العام وهو إلى أي مدى تمتع الفرد في المجتمع بمواهب الحياة ضمن إطار الخطاب الديني أيا كان هذا الخطاب ، سواء الخطاب السلفي النصي أو الخطاب التيار الصوفي ، او الخطاب الرفض واحتجاج العنف أو الخطاب الوسطية الإسلامية . والمستوى الثاني هو المستوى الوسطي بمعنى ما هي المميزات التي استفاد منها الفرد في المجتمع . والمستوى الثالث هو المستوى التفصيلي بمعنى ما هي المعارف الدينية التي استفاد منها الفرد في المجتمع بشكل تفصيلي
مثلا إذا قلنا أن الممارسات للتيار الصوفي تدخل ضمن الممارسة الوسطية يقبله الدين الإسلامي ، فهل استفاد الفرد الصوفي من هذه التفاصيل في بناء المجتمع أم لا ؟ أو أن الخطاب الرفض الذي يحتج على ممارسات الغير الإسلامية ،هل استطاع الفرد أن يعيش بمعزل عنها أم لا ما زالت تعيش معه ؟ وقس على ذلك ما سواها من الممارسات التفصيلية للمعارف الدينية .
أما المستوى الرابع هو مستوى الدين نفسه ، وهو مستوى لمعرفة مدى النضج الذي وصل إليه الفرد في المجتمع واتسع مداركه العقلية في الوصول إلى التمييز بين النقضين مثلا . هذه المستويات تبحثها العلمانية في الدين والخطاب الديني ، عموما سيكون تركيزنا على تأثير العولمة على الدين ودور الدين والخطاب الديني في قبول أو رفض التحديات المعاصرة . حيث أن العولمة تأخذ مسارين في التأثير على المجتمعات والأديان .
المسارالأول :- أسلوب الحياة واستلهام المرجعية الدينية والفكرية . المسار الثاني طريقة تقريب المجتمعات والثقافات وربط بعضها بالبعض الآخر والطرق التي تؤدي إلى تكثيف روح التنافس على اعتناق دين معين.
أما المسار الأول: هو أسلوب نمطي التي تسعي إليها المرجعيات الفكرية والدينية في إدارة الحياة ، فلو قمنا بإحالة الأفكار التي تطرحها المرجعية الدينية لنقل عند الشيعة الإثنا عشرية تحديدا في إدارة الحياة هل يمكن لها انتهاج سياسة التغيير ضمن مظاهر العولمة أم لا ؟ ركزوا معي على الجواب رجاءً
أولا ما هو تعريف العولمة عند المرجعية الدينية ؟ وكيف تنظر لها ؟ يقول الشيخ حيدر حب الله " العولمة الفعلية عبارةٌ عن واقعٍ؛ أي صيغةٍ نظريةٍ لا نقرأها في الكتب وفي التصور الذي قدمه مؤسّسوها ومنظّروها على كافة الصعد فحسب، وإنما نطالعها في الميدان الخارجي فيما استدعته من نتائج وآثار حقيقية على العالم كله " . (1)
والشيخ محمد علي التسخيري (رحمه الله) الأمين للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية قال بأنّ " العولمة هي نوع من التركيز على الفطرة الإنسانية التي تمثل عنصراً مشتركاً بين جميع أبناء البشرية وهي في الواقع حركة إيجابية وطبيعية نحو الوحدة بين الأديان" . (2)
نكمل بحثنا في الحقلة (16) إن شاء الله تعالى .... إلى اللقاء.
المصادر
(1) الموقع الرسمي لحيدر حب الله ، العولمة وعالمية الدين ، 12-5-2014 م - أضغط على الرابط > العولمة وعالمية الدين
(2) حوار مع آية الله الشيخ محمد علي التسخيري ، عولمة الدين ضرورة فطرية ، الموقع الإلكتروني الرسمي الموسوعة الإسلامية، 24 -11-2013م . أضغط على الرابط > عولمة الدين ضرورة فطرية