لا يوجد نبي من أنبياء الله دخل التاريخ إلا من خلال نصوص دينية محكومة بالسلطة الإلهية ، فكلما جاء خطاب نسخ الخطاب السابق الذي كان متداولا بين الناس ويمارسون من خلاله السلطة الدينية والسياسية وتنظيم شئون العباد ، وإذا بهذا الخطاب لا أثر له ، أنت إسال أي مسلم لماذا لا تأخذ التعاليم الموجودة في الإنجيل ؟ الجواب القرأن نسخ ما جاء في الإنجيل .
بهذا الجواب يعد لحظة دخول القرأن إلى التاريخ تحقيقا لخطاب سيادي جديد .السيادة الإلهية التي تكون بمثابة المرجع لكل بشر ، فقامت العلاقة بين الله والبشر في الإسلام على طاعة الله من خلال تعاليم النبي الخاتم (ص) يتم الوصول إلى السيادة بين الله والبشر، وهذه السيادة هي تلك العاطفة والاتفاق العميق الذي يربط بين أعضاء جماعة بشرية أو هي دفاع عن الهوية . بهذه الهوية مثل الأنبياء سيادتهم في إثارة الحياة ، ومثل الأئمة الطاهرين سيادتهم في إثارة الحياة ، ومثل الصالحون سيادتهم في إثارة الحياة ، ومثل المفكرون سيادتهم في إثارة الحياة ، ومثل العرفاء سيادتهم في إثارة الحياة ، إذن طاعة الله فيها من القوة لإثارة الحياة، هذه القوة مستمدة من قيم ومبادئ وروابط التي تجمع بين الخالق والمخلوق صوب هدف معين .
ولكن الواقع التاريخي هو أنه تم توظيف السلطة البشرية للسيادة الإلهية في تحقيق مصالحها السلطوية ، أنا اعرف إن هذه الكلمة ستثير حفيظة البعض ، ولكن هذا هو الواقع التاريخي ، لأن السلطة تحافظ على مكتسباتها ، وتدير الأوضاع ضمن النظام القائم لديها عن طريق الإكراه والتقييد ، وهي عندما تلجأ إلى الإقناع فإنها تخفي الآليات والرهانات الحقيقية من أجل إنتاج أيدلوجية تبريرية ، وهذه الأيدلوجية من اجل الحفاظ على دوامها واستمرارها التاريخي.
لنوضح المعنى ونعود إلى بحثنا حول الخمس والمصطلحات الفقهية كما أشرنا إليها في السابق ، ركزوا معي رجاء ، سؤال هل دفع الخمس واجب أم لا ؟ اختلف فقهاء الشيعة على وجوبه في عصر غيبة الإمام المهدي (ع) لنأخذ ممن أ وجب دفع الخمس وقال يجب دفعها للفقيه الجامع للشرائط ، ممتاز، سؤال هل يوجد دليل من القرأن على وجوب دفع الخمس للفقيه ؟ الجواب أن فتوى الفقهاء الآن بوجوب إعطاءه للفقيه على الإحتياط (1) ، جيد جدا ، متى يستخدم الفقيه كلمة الاحتياط في الفتوى ؟ الجواب (2)
الحالة الأولى : قد لا ينتهي الفقيه من عملية البحث عن الحكم الشرعي في مسألةٍ ما؛ لضيق وقته، أو لعدم توفّر المصادر الكافية، أو لأسباب أخرى، فلا يصل إلى الحكم فيها، ويلجأ بَدَل تقديم حكمٍ غير مستدلّ عليه إلى الاحتياط، .
الحالة الثانية : أن يخرج الفقيه من عملية الاستدلال بحكمٍ واضح في المسألة مورد بحثه، لكنّه ـ لأسباب متعدّدة تقدَّم ذكرها ـ يعرض عن التصريح برأيه، والإفتاء بالنتيجة التي توصّل إليها، ويختار أن يحتاط في مقام الفتوى
الحالة الثالثة : أن يذهب الفقيه إلى ميدان الاستدلال، ويجول بفكره في الأدلّة، فيجدها غير تامّة أو غير ناهضة، أو يجد بعضها مخالفاً أو معارضاً لبعضٍ آخر .
إذن الفقيه يطلب من المكلف أو من مقلديه الإنضمام إلى غيره من الفقهاء في بيان من يجب عليه تحصيل الخمس ، فدخلنا في دائرة البحث من هو الأعلم من الفقهاء ، تعالوا لنتعرف على أوجه هذه الاختلافات الفقهية ، يقول الشيخ حيدر حب الله (3) ، " الإفتاء بوجوب مراجعة المرجع الأعلم أو وكيله في سهم الإمام في الخمس، ولا يكفي مطلق المجتهد ، وإنّما كان الأمر مبنيّاً على الاحتياط اللزومي" ويذكر أسماء الفقهاء وارائهم المختلفة فيما بينهم .
بالنتيجة إن دفع الخمس لا يرقى إلى درجة الوجوب، فإذا كان كذلك، فهل نحن بحاجة للاحتياط أم لا ؟ لسنا بحاجة إليه ، لأن استحضاره يعتبر كحصن منيع من أجل تحقيق أغراض تنظيرية للفقهاء لتبرير وجودهم ، قد يقول قائل نحن بحاجة إلى الفقه ؟ صحيح نحن بحاجة إلى الفقه ولكن ليس الفقه الذي يحافظ على الأوهام من أجل سيادة عليا للفقيه ، نحن نعرف أن الفقه لا يمثل سوى 3 بالمئه من المعارف الدينية
هذا الاختلاف ماذا يوحى لنا ؟ الجواب، إن كل جماعة استلمت السلطة ترى نفسها أنها بحاجة إلى صياغة شرعيتها عن طريق التقرب من النص التأسيسي وهي آية الخمس في القرأن الكريم ، إذن هي تستند إلى الدين الذي يمثل الحقيقة المطلقة التي يجب على الجميع الخضوع إليها .
من هنا يجب التفريق بين السيادة الإلهية وبين سيادة سلطة الفقهاء لأن حضورهم أصبح مقدسا ، فالسلطة ينبغي لها أن تتجدد من خلال الاهتمامات الواقعية والمادية للمجتمعات الإسلامية ، لأن سلطة السيادة العليا المتمثلة في حق الله على الأرض لم تتجسد بشكل كلي في التاريخ ، وإنما بشكل نسبي وهذه السيادة في ذروة السيادة الشرعية لم تتجسد في الواقع وإنما كان وجودها ذهنيا في عقول المؤمنين .
نكمل بحثنا في الحلقة (15) إن شاء الله تعالى ....إلى اللقاء .
المصادر
(1) مركز الأبحاث العقائدية ، الموقع الإلكتروني أضغط على الرابط :- مركز الأبحاث العقائدية
(2) نصوص معاصرة ، مركز البحوث المعاصرة في بيروت ، الاحتياط في الفتوى ، السيد أمير العلي ، 10.12.2019 أضغط على الرابط :- الاحتياط في الفتوى
(3) الموقع الرسمي حيدر حب الله ، هل يجب تسليم الخمس للمرجع أو وكيله أم يكفي التسليم لمطلق المجتهد؟ ، 17.6.2014 أضغط على الرابط :- الموقع الرسمي للشيخ حيدر حب الله