الصراعات بين الأطراف المختلفة في الأديان والمذاهب تعبرعن الخلاف الفكري فيما بينهم من جهة وعن التشابه في التراث الفكري والمنهجية الفكرية من جهة أخرى ، فكل طرف لديه من التراث ما يخفي فيه حجم التشابة للحقيقة التي يتملكها كأداة خاصة حول فكرة الخلاص.
وفكرة الخلاص متفق عليها بين الأديان السماوية والوضعية بأن المخلص سيملاء الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا مع اختلاف في تسميته وسمات شخصيته ، فهو معروف لديهم بأنه سامي بأخلاقه ، وغزير في علمه ومعرفته وحنكته في حسم المعارك وإدارتها المؤيدة بقوة غيبية ، وقدرته على قيادة الشعوب إلى برالأمان لا مثيل لها، وهو من نسل خاتم الرسل (ص)
ففي الدين اليهودي اسمه (المسيا) وفي البوذية اسمه (المبشر) وفي الهندوسية في إحدى طوائفها اسمه (ويشنو) والطائفة الجانتية اسمه (مهافيرا المنتظر) وفي المسيحية اسمه (أبن الإنسان) وفي الإسلام اسمه ، (محمد ). وقد سيطرالفكرالجمعي في كل هذه الأديان وقبل ظهور الصراعات والإنقسامات فيها إنها الفرقة الناجية ،
التي حولت مسار حركة المخلص للإنضمام إليها في معركتها الوجودية. من هنا يمكن معرفة إنه لا تخلو أمة من الأمم أو شعب من الشعوب عن فكرة الخلاص ، وهي ليست بسيطة كما قد يتصورها البعض لأنها تقوم على تراث ومنظومة فكرية لأحداث ستقع في آخرالزمان قبل وبعد ظهوره.
وهذا يدفعنا إلى القول أن التراث الواصل إلينا الصحيح منه يتفق مع تراث الأديان الأخرى مثلا حول خروج السفياني وأصحابه واليهود والمهدي (ع) وغيرها من أشراط الساعة ، هنا أود أن أسأل : هل نستطيع كمسلمين وتحديدا الشيعة مطالبة أصحاب الديانات الأخرى بإلغاء ذلك التراث من كتبهم وعدم دراسته ؟
الجواب : لا نستطيع ، إذن عندما يمنع بعض الشيعة الناس من دراسة التراث المهدوي بحجة أن 90% منه غير صحيح ويستشهدون في نفس الوقت بالتراث اليهودي أوالمسيحي المشابه للتراث الشيعي في تثبيت صحة عقيدتهم المهدوية ،
سؤال : كيف عرف هؤلاء البعض أن ما نقلوه من اليهود أو النصاري إلى الناس صحيح السند والمتن حتى أطمئنوا لصحة عقيدتهم ؟ الجواب : لن تحصل عليه منهم ، وجدير بالذكر نحن مكلفون بنقل التراث الصحيح للناس ، لماذا هذا التجاوز ؟ ما هو السبب ؟ السبب واضح لأنهم بؤساء ، وأيضا لأنهم ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي إنتفاخا صولة الأسد.
وهذا يأخذنا إلى الجزئية المهمة جدا أن العامل المشترك فيما بين الأديان والمذاهب أن هناك شخص واحد وليس عدة شخصيات التي ستخلص العالم من الظلم والجور وبها نطقت كتبهم عن سماتها ، إنها شخصية لاطائفية ولا مذهبية ولا عنصرية دينية بل هي شخصية ذخيرة الأنبياء ربانية إنسانية رحيمية طاهرة من كل دنس ورجس.
جاء في الكتاب المقدس عند البوذية (أوبانيشاد ص 54) " حينما يمتلىء العالم بالظلم ، يظهرالشخص الكامل الذي يسمى (المبشر) ليقضي على الفساد ويؤسس العدل والطهر " ، وفي الكتاب المقدس الهندوسي (ريك فيدا ص 4 ) " ظهر ويشنو بين الناس .. يحمل بيده سيفاً كما الشهاب المذنب و يضع في اليد الأخرى خاتماً براقاً "
، وجاء في سفر إشعيا في الإصحاح الثاني في الآية الثانية " فيقضي بين الأمم وينصف لشعوبٍ كثيرين فيطبعون سيوفَهم سككاً ورماحَهم مناجل. لا ترفع أمّةٌ على أمّةٍ سيفاً ولا يتعلّمونَ الحرب فيما بعد ".
جاء في (كمال الدين وإتمام النعمة للشيخ الصدوق ج 5 ص 272) أن رسول الله (ص) قال: " المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة وتضل فيها الأمم يأتي بذخيرة الأنبياء فيملؤها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ".
وقد ركزت نبؤاة (كالاتشاكر) البوذية بضرورة توحيد أسماء المخلصين في جميع الأديان تحت مسمى واحد ، وعليه اتفق معظم فقهاء الأديان رغم ما جرى في كتبهم من التحريف غير معالم النصوص التي تحدثت عن المهدي المنتظر (ع) إلا ان ذلك لم يمنعهم بقول أن النصوص الواردة في كتبهم عن المخلص أنها تخص وصي نبي آخر الزمان وهو خاتم الأوصياء واسمه (محمد بن حسن العسكري).
مثلا يقول القس الأمريكي في الكنسية الانجيلية ( جون ماك أرتير) أن رؤية يوحنا 13- 16- 19- 20 تخص مهدي المسلمين ،
وبتاريخ 8- 4- 2015 نشرت صحيفة اليوم السابع المصرية ماجاء في كتاب (المسيح الدجال الإسلامي) للمؤلف (ريتشاردسون) ، أن المهدي المنتظرالذي تتنظرالأمة الإسلامية ظهوره لإنقاذ العالم هو نفسه المسيح الدجال الذي ينتظرالمسيحيون ظهوره في آخرالزمان.
والنصوص الأصلية في تراث الأديان لانجد فيها العداء لأي أحد لا للإسلام ولا لليهودية ولا للهندوسية ولا للبوذية ولا للمسيحية ولا لأي أحد من العالمين وإنما جميعها تتفق على وجود ظلم في العالم بأشكاله المختلفة يجب إزالته، وهذه النظرة في الإيمان بوجود المخلص وقرب ظهوره هي مرحلة يجب النظر إليها بأهمية في رؤيته للتغيير والتحررالإنساني الشامل وهذا التحرر يلقي بمسؤولياته على عاتق المخلص ،
مثلا التحررالاجتماعي بعدم إحتكار طبقة المنافع على حساب الطبقات الفقيرة ، و كذلك التحررالثقافي بإطلاق الثورة الثقافية التي تحرر الإنسان من قيوده الفكرية التقليدية البائسة، إضافة إلى التحررالديني القائم على اللاعدالة لنصل إلى مرحلة الأخوة الإنسانية القائمة على العوامل المشتركة بين الجميع ، وأيضا التحرر السياسي الذي يلغي حرية التعبير عن الرأي والممارسة الحرة في حق تقرير المصير
فالمخلص محور خير وهو مؤشر إيجابي والتجليات الحقيقية للرحمة الإلهية على البشر. فالبشرية مع قدومه ستنتقل من مرحلة الإستبداد الديني والسياسي والاجتماعي إلى مرحلة العدالة الاجتماعية وكسرالقهر السياسي ، ومن الفكر التقليدي إلى الفكر العلمي ،
ومما يزيد من الجرعة الإنتقال من عقيدة الفرقة الناجية والعذاب للفرق الأخرى إلى عقيدة خلاص الإنسان من حيث هو إنسان له كرامته وإحترامه لا تتأثر بعنعنة الثقافية ، فسفينة المخلص يجب أن تعبر عباب البحر وتخلص الناس من الإصطفافية والإنتقائية. فالأرض خلقت للجميع والحفاظ عليها مهمتهم جميعا.