كان حديثي فيما سبق أن علم الاجتماع عندما يدرس الظواهر الدينية يريد أن يعطي لها صياغة جديدة ضمن عامل تطور الإنسان والعقل الإنساني . نحن عندما نسمع أن هناك موضوع ديني سيتحدث به فلان من الخطباء، نفهم أن هذا الموضوع سيكون فيه إضافة جديدة في بناء الإنسان ، فالدين جاء أساسا لبناء الإنسان ، ولكن أي إنسان يريد الدين بنائه ؟
قبل الدخول إلى صلب الموضوع ، لابد من تسليط الأضواء على هذا الإنسان الذي هو محور الدين ، أيا كان هذا الدين ، سواء الدين الهندوسي أو الإسلامي أو المسيحي أو اليهودي ، فكل هذه الأديان تذهب إلى بناء الإنسان ، وهذا ما نجده نحن عندما نحضر محاضرة في المسجد أو الحسينيات ، الذي يتحدث معنا إنسان مثلنا ، وكلامه موجه إلينا ، أي إلى بني جنسه ، ولكنه هل يعرف أن هذا الكلام سيوجه إلى أي إنسان ؟ فالحاضرون إما إنسان ديني أو عرفاني أو فلسفي أو تاريخي أو اجتماعي وقد يكون اللاديني .
أنتم انظروا الأن ما حدث من حولنا ، التطور في العلوم الإنسانية أم في العلوم الطبيعية ؟ في العلوم الطبيعية ،هذا التطور يوازي ما نسعى إليه في بناء وتطور الإنسان ؟ الجواب كلا .
علما أنك عندما تنظر إلى المعارف الإسلامية بشكل عام ستجد إنها تضع الإنسان في محور حديثها ، خذ مثلا ، هل وجدتم خطيبا أو عالم دين لم يتحدث عن الخمس ! الجميع يركز على الأمور المالية في الخطابة المنبرية ، سواء موافقة للمنهج القرآني أم لا ، المهم عليك أن تدفع ، لأباس ندفع ، ولكن من أجل من ندفع ؟ سيقول لك من أجل سد جوع الفقراء ، تعليم الأيتام ، وجزء أنا أخذه لأنني أتكلم نيابة عن الله ، جيد جدا .
دعونا من النقطة الأخيرة سأرجع إليها لاحقا ، لنناقش جزئية القضاء على الفقر ومحو الأمية ، نشرت الأمم المتحدة على صفحتها الإلكترونية تقريرا عن نسبة الفقر خلال جائحة كورونا حيث دفعت الجائحة ما بين 88 و 155 مليون شخص إلى براثن الفقر (1) ، هذا التقرير أشار إلى تزايد الفقر بشكل عام .
ولكن بشكل خاص وتحديدا في المجتمعات الشيعية ، فقد ذكرت الدراسات الاستراتيجية (2) أن الفقر يتزايد في البحرين في المجتمع الشيعي ، ولو تتبعت في المجتمعات الشيعية الخليجية ، سترى نسب الفقر فيها مختلفة . قل لي أليس الشيعة يدفعون الخمس إلى وكيل الفقيه، إذن أين هو الإشكال في عدم قدرة الوكيل او جابي الخمس في القضاء على الفقر ؟ ركزوا معي رجاء
ظهرت دراسة في السعودية ((3) مفادها "أنه أثير في عام 2008م نقاس مهم حول الفساد في جمع الخمس وإنفاقه ، انقسم حوله الشيعة السعوديون ، فقد رد وكيل المرجع الشيعي السيد محمد حسن فضل الله في القطيف "شرق السعودية" الشيخ حسين المصطفى على بيان اصدرته شخصيات شيعية في المنطقة ، يتهم وكلاء أموال الخمس بالفساد وإنفاقه على رفاهيتهم ، وهو وصف معدى بيان أصدره مثقفون وصحافيون وإعلاميون وكتاب وناشطون اجتماعيون من الشيعة باسم " نداء إلى المتصرفين بأموال الخمس في القطيف " بتشويه الواقع الشيعي ورموزه نافيا ما تضمنته هذه الإتهامات "
الإتهامات التي تضمنها البيان هي : - " شراء السيارات الفاخرة ، بناء بيوت لهم ولأقربائهم ذي طوابق متعددة ، تمضية اوقات العطلة الصيفية في االمنتجعات خارج البلاد ، الزواج مثى وثلاث ورباع " يقول البيان " بينما تعاني طبقات وشرائح عديدة من شعبنا من ضعف المادة وقل الحيلة وبؤس الحال".
أحد الباحثين (4) قال " إن أموال الخمس استخدمت منذ القديم في الصراعات الداخلية بين الفرق الشيعية ، وفي دعم المؤسسات الدينية الشيعية ، والصراع الطائفي مع خصومهم الدينين والمذهبين ، ونشر الإسلام وفقا للمذهب الشيعي" وأضاف " إن من أكبر الأدلة على فساد أموال الخمس ، هو عدم وجود أي أثر لها على الواقع الاجتماعي للمناطق الشيعية في الخليج ". وجاء الرد على هذه الإتهامات وموقعي البيان "إنهم يجهلون فلسفة الخمس " وكان رد الباحث " إن دفع الخمس للفقهاء غير واجب في الشريعة إنما قال به بعض الفقهاء بناء على نظرية النيابة للفقيه في عصر الغيبة ، وهي مجرد نظرية ليست من صميم العقيدة الشيعية".
نحن هنا من حيث التفاصيل مهمة لن نركن لأي جهة منها ، لا إلى هذا الذي قال عدم معرفة أصحاب البيان لأنهم يجهلون فلسفة الخمس ولا نريد الرد عليه ، أن سهم السادة من أين جئتم بها ، فهل أنت فهمت تشريع الخمس ؟ ولا نريد إقصاء ما ذهب إليه الباحث ، ما يهمني هنا أن الوفاق والشقاق حاضران ويرسمان لوحاتهما بكل دقة متناهية أشبه بقوس قزح .
تعالوا معي لنرى ما يقوله التيار الإصلاحي الشيعي عن أموال الخمس الشيخ ياسر عودة، لبناني الجنسية قال في إحدى محاضراته (5) " هل من العدل والإنصاف أن يبقى في الطائفة الشيعية رجل لا يجد قوت يومه ، وهؤلاء وكلاء المراجع يقبضون ملايين الدولارات"
ويقول السيد حسن الكشميري (6) " لو أن مدخول الطائفة من الخمس يوزع 80 % وليس مئة بالمئة بالعدالة ، ما بقي جائع شيعي في باكستان ولا الهند ولا في أفريقيا ".
ويقول المحقق والمرجع السيد كمال الحيدري (7) " لا أقوله نقلا ولكن عن علم ، أعلام من علماء الشيعة وجدت في سراديبهم أكياس مملؤوة ، هذا مال من ؟ مال الإمام بأي حق يتصرف بها." ويضيف " في بعض الحسابات ذهبت أموال الخمس سدى أدراج الرياح" .ويضيف "أنا قلت لأحد أكابرهم عن هذه الأموال فأجاب " يجب أن تكون لنا اليد العليا على الآخرين ، لابد نحن نعطي والآخرين يركضون خلفنا".
نكمل بحثنا في الحلقة (8) إن شاء الله تعالى.. إلى اللقاء
المصادر
(1)الأمم المتحدة - اليوم الدولي للقضاء على الفقر 17-10-2021م
(2) الموقع الإالكتروني لمركز الخليج لسياسة التنمية ، طي الكتمان – اتجاهات الفقر في دول مجلس التعاون الخليجي ، ريم سليم
(3) مركز الفمر الاستراتيجي للدراسات ، السعوديون الشيعة ... الفكر والإشكالات ، مجموعة من المؤلفين ، ص 33-35
(4) رائد قاسم ، أموال الخمس حق الشعب وحق الوطن
(5) شبكة اليوتيوب المرئية _ قناة نبراس الميدان – كلام خطير عن الخمس
(6) المصدر السابق
(7) المصدر السابق