الخطاب الديني في عصر العولمة والحداثة (7)


كان حديثي فيما سبق أن علم الاجتماع عندما يدرس الظواهر الدينية يريد أن يعطي لها صياغة جديدة ضمن عامل تطور الإنسان والعقل الإنساني . نحن عندما نسمع أن هناك موضوع ديني سيتحدث به فلان من الخطباء، نفهم أن هذا الموضوع سيكون فيه إضافة جديدة في بناء الإنسان ، فالدين جاء أساسا  لبناء الإنسان ، ولكن أي إنسان يريد الدين بنائه ؟ 

قبل  الدخول إلى صلب الموضوع ،  لابد من تسليط الأضواء على هذا الإنسان الذي هو محور الدين ، أيا كان هذا الدين ، سواء الدين  الهندوسي أو الإسلامي أو المسيحي أو اليهودي ،  فكل هذه الأديان  تذهب إلى بناء الإنسان ، وهذا ما نجده  نحن عندما نحضر محاضرة  في المسجد أو الحسينيات ، الذي يتحدث معنا إنسان مثلنا ،  وكلامه موجه إلينا ، أي إلى بني جنسه ، ولكنه هل يعرف أن هذا الكلام سيوجه إلى أي إنسان ؟  فالحاضرون إما  إنسان ديني أو عرفاني أو فلسفي أو تاريخي أو اجتماعي وقد يكون اللاديني .
 أنتم انظروا الأن ما حدث من حولنا  ،  التطور في العلوم الإنسانية أم في العلوم الطبيعية ؟ في العلوم الطبيعية  ،هذا التطور يوازي ما نسعى إليه في بناء وتطور الإنسان ؟ الجواب  كلا .

علما أنك  عندما تنظر إلى المعارف الإسلامية بشكل عام ستجد إنها   تضع الإنسان في محور حديثها ،  خذ مثلا ،  هل وجدتم خطيبا أو عالم دين لم يتحدث عن الخمس  ! الجميع يركز على الأمور المالية في الخطابة المنبرية ، سواء موافقة للمنهج القرآني  أم لا  ، المهم عليك أن تدفع  ، لأباس ندفع ،  ولكن من أجل من  ندفع ؟ سيقول لك من أجل سد جوع الفقراء ، تعليم الأيتام ، وجزء أنا أخذه لأنني أتكلم نيابة عن الله ، جيد جدا .

 دعونا من النقطة الأخيرة سأرجع إليها لاحقا ، لنناقش جزئية القضاء على الفقر ومحو الأمية  ، نشرت الأمم المتحدة على صفحتها الإلكترونية تقريرا عن نسبة الفقر خلال جائحة كورونا  حيث دفعت الجائحة  ما بين 88 و 155 مليون شخص إلى براثن الفقر (1) ، هذا التقرير أشار إلى تزايد الفقر بشكل عام .
 ولكن  بشكل  خاص  وتحديدا في المجتمعات الشيعية ، فقد ذكرت الدراسات الاستراتيجية (2) أن الفقر يتزايد في البحرين في المجتمع الشيعي ، ولو تتبعت في المجتمعات  الشيعية الخليجية  ، سترى نسب الفقر  فيها  مختلفة  . قل لي  أليس الشيعة يدفعون الخمس إلى وكيل الفقيه، إذن أين هو الإشكال في عدم قدرة الوكيل او جابي الخمس في القضاء على الفقر ؟  ركزوا معي رجاء 

ظهرت دراسة في السعودية ((3) مفادها "أنه أثير في عام 2008م نقاس مهم حول الفساد في جمع الخمس وإنفاقه ،  انقسم حوله الشيعة السعوديون ، فقد رد وكيل المرجع الشيعي السيد محمد حسن فضل الله في القطيف "شرق السعودية" الشيخ حسين المصطفى  على بيان اصدرته شخصيات شيعية في المنطقة ، يتهم وكلاء أموال الخمس بالفساد  وإنفاقه على رفاهيتهم  ، وهو وصف معدى بيان أصدره مثقفون وصحافيون وإعلاميون وكتاب وناشطون اجتماعيون من الشيعة باسم " نداء إلى المتصرفين بأموال الخمس  في القطيف " بتشويه الواقع الشيعي  ورموزه نافيا ما تضمنته هذه الإتهامات "

 الإتهامات التي تضمنها البيان هي : -  " شراء السيارات الفاخرة ، بناء بيوت لهم ولأقربائهم ذي طوابق متعددة ، تمضية اوقات العطلة الصيفية في االمنتجعات خارج البلاد ، الزواج مثى وثلاث ورباع "   يقول البيان " بينما تعاني طبقات وشرائح عديدة  من شعبنا من ضعف المادة  وقل الحيلة  وبؤس الحال".

 أحد الباحثين (4) قال " إن أموال الخمس استخدمت منذ القديم في  الصراعات الداخلية بين الفرق الشيعية ، وفي دعم المؤسسات الدينية الشيعية ، والصراع الطائفي مع خصومهم الدينين والمذهبين ، ونشر الإسلام وفقا للمذهب الشيعي" وأضاف " إن من أكبر الأدلة على فساد أموال الخمس ، هو عدم وجود أي أثر لها على الواقع الاجتماعي للمناطق الشيعية في الخليج ".    وجاء الرد على هذه الإتهامات وموقعي البيان "إنهم يجهلون فلسفة الخمس " وكان رد الباحث " إن دفع الخمس للفقهاء غير واجب في الشريعة  إنما قال به بعض الفقهاء بناء على نظرية النيابة للفقيه في عصر الغيبة  ، وهي مجرد نظرية ليست من صميم العقيدة الشيعية".

نحن هنا من حيث التفاصيل مهمة لن نركن لأي  جهة منها ،  لا إلى هذا الذي  قال عدم معرفة أصحاب البيان لأنهم يجهلون فلسفة الخمس ولا نريد الرد عليه ، أن سهم السادة من أين جئتم  بها ، فهل أنت فهمت تشريع الخمس ؟  ولا نريد  إقصاء  ما ذهب إليه  الباحث  ، ما يهمني هنا أن الوفاق والشقاق حاضران ويرسمان لوحاتهما بكل دقة متناهية أشبه بقوس قزح .

تعالوا معي لنرى ما يقوله التيار الإصلاحي الشيعي عن أموال الخمس الشيخ ياسر عودة،  لبناني الجنسية  قال في إحدى محاضراته  (5) " هل من العدل والإنصاف أن يبقى في الطائفة الشيعية رجل لا يجد قوت يومه ، وهؤلاء وكلاء المراجع يقبضون ملايين الدولارات"

ويقول السيد حسن الكشميري (6) " لو أن مدخول الطائفة من الخمس يوزع 80 %  وليس مئة بالمئة  بالعدالة ، ما بقي جائع شيعي في باكستان ولا الهند ولا في  أفريقيا ".

ويقول  المحقق والمرجع السيد كمال الحيدري (7) " لا أقوله نقلا ولكن عن علم  ، أعلام من علماء الشيعة وجدت في سراديبهم أكياس مملؤوة  ، هذا مال من ؟ مال الإمام بأي حق يتصرف بها."  ويضيف " في بعض الحسابات ذهبت أموال الخمس سدى أدراج الرياح" .ويضيف "أنا قلت لأحد أكابرهم عن هذه الأموال  فأجاب " يجب أن تكون لنا اليد العليا على الآخرين ، لابد نحن نعطي والآخرين يركضون خلفنا".

نكمل بحثنا في الحلقة (8) إن شاء الله تعالى.. إلى اللقاء

 
المصادر 
(1)الأمم المتحدة  - اليوم الدولي للقضاء على الفقر 17-10-2021م 
(2)  الموقع الإالكتروني لمركز الخليج لسياسة التنمية ، طي الكتمان – اتجاهات الفقر في دول مجلس التعاون الخليجي ،  ريم سليم 
(3) مركز الفمر الاستراتيجي للدراسات ، السعوديون الشيعة ... الفكر والإشكالات ، مجموعة من المؤلفين ، ص 33-35
(4) رائد قاسم ، أموال الخمس حق الشعب وحق الوطن 
(5)  شبكة اليوتيوب المرئية _ قناة نبراس الميدان – كلام خطير عن الخمس
(6) المصدر السابق  
(7) المصدر السابق


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير