قال الإمام علي ابن أبي طالب " وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول " (1) . الإنسان لحظة وجوده على الأرض هو كائن مفكر، وأي تغيير يحدث في حياته هو في الحقيقة انعكاس لتغيير في العقل ، فالعقل يمجد السؤال ولا يمكن أن يحصل تغيير في سلوك الإنسان ما لم يسأل . فالسؤال هو وظيفة الإنسان ، والأنبياء مهمتهم تحريك فكر الإنسان من خلال إثارة التساؤلات فيه وهذا دأب الأنبياء " قال رب أرني كيف تحيي الموتى " (2) .
فالسؤال يعد أحد المرتكزات العقلية ، إذن لا مكان للإنسان في الحياة دون إثارة أو طرح التساؤلات ، هنا يأتي هذا السؤال: ما قمية العقل في حياة الإنسان ؟ يقول الراغب الأصفهاني " العقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة عقل ، ولهذا قال أمير المؤمنين رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذا لم يكن مطبوع كما لا ينفع الشمس وضوء العين ممنوع " (3).
وإذا ذهبنا إلى شرائع سماوية الأخرى سنجد أن الإسلام هو من اعتمد العقل كحجة باطنية الثانية بعد الحجة الظاهرية وهم الرسل والأنبياء والأئمة يقول الإمام موسى الكاظم " يا هشام إن لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما حجة ظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة وأما الباطنة العقول" (4).
يقول الريشهري " لقوة العقل نزوع إلى التسليم أمام الحق . وإذا كان العقل خالصا لا يخالطه جهل تجده يتبع الحق ولا يقبل شيئا سواه " (5) . دكتور هشام غرايبة قال " بأن مفردة (العقل) لم ترد في كتاب الله، وإنما جاءت في صيغ أفعاله مثل: (يعقلون) في 22 موضعا، و(تعقلون) في 24 موضعا، ووردت أفعال: (نعقل) و(يعقلها) و(عقلوه) مرة واحدة لعل في ذلك دلالة على أن العقل ليس كيانا ماديا معرّفا، بل هو محض منتج فعل، ولم يستطع أحد الى اليوم تعريف العقل عضويا، ولا دليل على أن مكانه في الدماغ أو في القلب" (6) .
من هنا نستنتج ان العقل ليس مدركا بذاته وإنما هو الواسطة إلى القلب وهو ما ذهب إليه ابن سيناء أن القلب هو المدرك والعقل أداة الإدراك مثل البصر فأداة قوة البصر العين فهي أداة لتلك القوة . سؤال : حجة الأنبياء أنت ملزم بقبولها أم لا ؟ جاء في القرأن الكريم "لست عليهم بمسيطر" (7)، هذا في حالة عندك حجة في قبال حجة الأنبياء ، وإلا فعليك أن تقبل بحجتهم .
والعقل هل تقبل حجيته أم لا ؟ الجواب : أن العقل هو على حد حجية الأنبياء ، نحن نعرف أن هناك جانبان في المدرسة الشيعية جانب إخباري وجانب أصولي، الإخباريين عندما يأتون إلى حادثة أن السيدة زينب بنت علي ضربت برأسها مقدم المحمل ، أجاز بعض فقهاء الشيعة التطبير . هؤلاء عندما أجازوا التطبير أجازوه من خلال نص وصل إليهم أليس كذلك ، ولكن هذا النص هل هو حجة عقلية لإصدار حكم شرعي أم لآ ؟ وحكم التطبير كظاهرة اجتماعية حكم ملازم عقلا للنص أم لا ؟ ولكي لا نتشعب في مناقشة النص وآليات فهم النص ، نحن أمام حجيتين ، و حجية العقل لا يكون في طول النقل بل في عرض النقل هذه وظيفة العقل فنحن هنا نريد حجة واحدة . إذن ملخص ما تقدم هو أن إثارة التساؤلات مهم والإجابة عليها مهم أيضا.
أنا عنونت البحث النهضة الحسينية وصراع الحضارات وكان الهدف من ذلك هو دراسة شخصية الإمام الحسين بن علي عن قرب، لأن المجتمع الذي أعيش فيه كلما دخل شهر محرم الحرام ينظم مجالس عزاء ويقوم بتجهيزات اللازمة لإحياء مراسم عاشوراء ، فإن الدليل على تاريخ الحسين بن علي هو عندما يصعد الخطيب المنبر يتكلم معنا عن الحسين خلال العشرة أيام الأولى ، أنه خرج من المدينة كذا ثم وصل إلى مكة وبقي فيها ثم خرج إلى الكوفة كذا ، ثم غير وجهته إلى كربلاء كذا ثم استشهد بطريقة كذا. هذا ما اسمعه قرابة أكثر من 20 عاما ، وهذا ما ستسمعه في المجتمعات الشيعية الأخرى .
شخصية الحسين بن علي حوصرت ضمن هذا الإطار في المجتمعات الشيعية ، فإذا سألت أي فرد شيعي ماذا تعرف عن الحسين بن علي في عهد معاوية ؟ الجواب لا أعرف ، ماذا تعرف عن الحسين بن علي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ؟ الجواب لا اعرف ، مع أن تاريخيا لا نستطيع فهم أية شخصية خاصة إذا كانت أهم رمز من رموز المسلمين كالحسين بن علي ما لم نتعرف على سيرته الكاملة منذ ولادته حتى استشهاده ، وإلا فإن عنوان البحث لا قيمة علمية له ، ونحن لن نقف متفرجين امام ما نشهده اليوم من انجذاب الناس إلى الحسين بن علي ، فالمسالة ياسادة أكبر بكثير من معركة كربلاء ، فلهذه القضية أبعاد متعددة .
سنفتح ملف خاص لمعرفة هذه الأبعاد في شخصية الحسين بن علي ، و قبل الدخول في ملف صراع الحضارات ودور الحسين فيه ، هذا إن كان له دور، سنعرف ذلك خلال البحث . ركزوا معي رجاءً . في علم النفس للشخصية سمات خمس حسب نموذج "أوشن" لمعرفة أبعاد آية شخصية كانت نبياً كان أو إمام ، خطيب منبر كان أو مهندس ، طالباً كان أو معلماً ومن خلال هذه السمات الخمسة يمكننا تحليل شخصية الإنسان ، ما هي هذه السمات ؟ السمات هي :
أولا: الإنفتاح على التجارب من خلال طرح المعتقدات وهو ما يعرف بالبعد العقائدي ويندرج تحته البعد السياسي
ثانيا : الضمير وهو الميل لإظهار الانضباط الذاتي والتصرف بمسؤولية والسعي للإنجاز خارج المتوقع وهو ما يعرف بالبعد العاطفي.
ثالثا : الانبساط النفسي وهو إثارة مشاعر الآخرين وهو ما يعرف بالبعد الشفهي.
رابعا : الوفاق وهو التناغم الاجتماعي وتوافق اجتماعي ، وهو ما يعرف بالبعد الشعبي.
خامسا العصابية وهو مدى ثقة الآخرين بك ويعتبر هذا البعد الأخطر من كل ما سبق .
والحمد الله رب العالمين .
المصادر
1-نهج البلاغة ، شرح محمد عبده مفتي الديار المصرية سابقا ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، لبنان ، الجزء الأول ص 23
2-سورة البقرة آية 260
3- مفردات في غريب القرأن ، الراغب الأصفهاني ، دار المعرفة ، بيروت ، لبنان ، 2005م ص 577
4- موسوعة العقائد الإسلامية ، محمد الريشهري ، دار الحديث للنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 2008 ص 224
5- العقل والجهل في الكتاب والسنة ، محمد الريشهري ، تحقيق دار الحديث للنشر والتوزيع ، بيروت، لبنان ، 2000 م ، ص 37
(6) مجلة الغد ، مفهوم العقل في ميزان الشرع ، 27-12-2018م
(7) سورة الغاشية ، آية 22