زينب بنت علي من المحراب إلى النضال (3)


سنبدأ بالحديث الآن في ترجمة هذه السيدة الفاضلة ، ضمن التاريخ والرواية والسرديات التاريخية وعلاقة الروايات مع هذه السرديات لنتعرف على هويتها ، فمما لا شك فيه أن الحضور الجامع بين التاريخ والرواية ممكن وإن كانت هناك فروقات وخصوصيات تمتاز بها الروايات والخطاب الروائي ، فبين التاريخ والرواية سجال طويل يحقق التعلق بينهما ولا يزري احدهما الآخر . والتاريخ الذي نقصده هي تلك المنجزات التي مر عليها الزمن ضمن حدود تأملية بيننا وبين المادة المعنية في البحث، والرواية هي تلك المادة التي لا تلغي الواقع ولا تصادره وإذا كان التاريخ والرواية صنفان لا يفترقان، غير أن التاريخ لا يقحم أحدا في سردياته  الذاتية كذاتية المؤرخ  لأنه المؤرخ مطالب أن ينقل الأحداث كما هي ويوصلها إلى المتلقي  بعكس الرواية التي تنطق عن ذوق القارئ وأحاسيسه ، هنا يدخل  ناقل أو سارد للرواية ويجمع بين التاريخ والرواية ويوظفهما ضمن العلاقات الثنائية بينهما لتنشئ علاقة خارجة عنهما تعطي امتداد كبيراً للزمن والمكان وهو ما نسميه "المتخيل السردي".

جاء في سورة مريم آية 30 (وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا) وجاء في سورة يوسف آية 26 (وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد قُد من قُبل فصدقت وهو من الكاذبين).الباري عزوجل ينقل في سورة مريم كلام عيسى النبي  مع علماء بني إسرائيل والشهادة التي شهد بها وهو في المهد عن براءة أمه من التهمة التي وجهت لها ، وفي سورة يوسف ينقل الباري عزوجل كلام شهادة صبي عن واقعة وقعت في قصرعزيزمصربين زوجته ونبي الله يوسف. نبي الله عيسى والصبي حين أدليا بشهادتيهما هل كانا في سن الرشد حينذاك ؟ ، لأن ما نطقا به لا ينطقه إلا صاحب عقل راجح وصل إلى كمال الرأي ، الجواب كلا ، إذن على أي معياروأساس ومبدأ أدليا بشهادتيهما ؟ ركزا معي على الجواب 

 لا يختلف إثنان أن للنص مفهوم خاص ودلالة خاصة في الأديان السماوية وكذا الحال في باقي الأديان الغير سماوية ، فالنصوص التي نطق بها عيسى روح الله والصبي لها إرتباط وثيق مع الجهة التي صَدرمنها النص ، وهذه الجهة هي من تملك سلطة النص ، قد يقول قائل من أين عرفنا جهة النص ؟  الجواب من القرآن الكريم ، قد لا يطمئن السائل للجواب معللا أن القرآن لم يُجمع في عهد النبي الخاتم (ص) فكيف عرفتم أن هذا الكلام هو كلام الله. الجواب :-

أولا : أن لهذا الكتاب تاريخ  وتاريخه يعود  إلى عصرالتنزيل، العصرالذي صدرت فيه هذه النصوص. ثانيا : البنية المرجعية لهذه النصوص عكست رؤية معينة في قالب تنظيمي لغوي له دلالة معينة وهذا كاف لمعرفة مؤلف النص. ثالثا : إرتباط النص بالبنية اللغوية لمقصد معين تفاعلت مع الفضاء الخارجي المتلقي للنص.وهذه هي أركان النص الثلاث (أصل النص ، مؤلف النص ، متلقي للنص)، مثلا إذا جاء عيسى وقال أنا نبي مرسل من قبل الله وهذا كتابه فهل تصدقه ؟  مؤكد لا ، لأن الذي قال لك أنه نبي مرسل من عند الله وهذا كتابه هو إنسان مثلك ، فهل يملك هذا النبي أو الرسول السلطة على نصوص كتاب الله الذي جاء به من عنده أم لا ؟ فإذا كان عيسى النبي لا يملك السلطة على نصوص كتاب الله ، فالكتاب بالنسبة لك كتاب معرفة وهداية وتصديقك له سيكون أسرع من تصديقك للنبي لأن سلطة النص بيد مؤلف الكتاب وهو الله عزوجل ، أما إذا كان عيسى النبي يملك السلطة على نصوص الكتاب فأنت تحت هيمنة النبي أوالرسول لا تحت هيمنة كتاب الله. إذن في هذه الحالة ستكون سلطة النص بيد النبي لأنه سيكون هو مؤلف هذا الكتاب وليس الله عزوجل. فهل عيسى النبي والصبي يستطيعون تأليف نصوص في قالب تنظيمي لغوي  له دلالات خاصة وفي هذا السن  المبكر ؟  الجواب كلا ، فسلطة النصوص التي نطقوا بها بيد الله وهو مؤلف هذه النصوص .

 بالنتيجة  المؤرخ عندما ينقل النص  ينقلها ضمن مرجعية معينة ، ورؤية معينة ، ووظيفة معينة ، ولغة معينة ليحقق هدف معين في زمن ومكان معينين لربط العلاقات الداخلية والخارجية له فضاء واسع يسمى (بسلطة النص) أيا كان هذا النص قرآني ، روائي ، حديثي أوغيره  ولكن إذا تم إضافة صوراً جديدة  للقصة وما ينتج من التصورات الذهنية تشبه الحلم وتبتعد عن الحقيقة هنا يكون المتخيل قد دخل على الخط وفكك الواقع وأعاد تركيبه من جديد فهو لا ينطلق من الواقع وإن كانت سردياته من واقع الحال إلا أنه ينطلق من الجانب النفسي ويستحضر مكوناته ليستنطق مكبوتاته المعطلة و المنحبسة في ذاته .

تعالوا معي في المعلومات المتوفرة لدينا عن حياة السيدة زينب  من منظورتاريخي وهي قليلة في مقابل حجم التراث الروائي الكبير جداً حول ولادتها ، حيث اختلفت الروايات في سنة ولادتها وهي كما يلي : أولاً :  أن ولادتها كانت في السنة الخامسة من شهر الجمادى الأول من الهجرة ، ثانياً :  أن ولادتها كانت في السنة السادسة من الهجرة ، ثالثاً :: أن ولادتها كانت في السنة التاسعة من الهجرة ، رابعاً: أن ولادتها كانت في السنة الرابعة من الهجرة . 

قبل الدخول في تفكيك النصوص الروائية علينا التحقق من النصوص التاريخية التي سبقت ولادة السيدة زينب  خاصة فيما يتعلق بولادة أمها السيدة الجليلة فاطمة الزهراء ، ومتى كان زواجها من الإمام علي ؟ فإذا استطعنا معرفة تواريخ هذه الأحداث  سيكون سهلا علينا تحديد تاريخ ولادة  السيدة زينب . والحمد لله رب العالمين


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير