الحركة الفكرية للنهضة الحسينية


 إن الصحوة الإسلامية التي بدأت تظهر معالمها وبقوة في العالم عامة وبالمجتمعات الإسلامية خاصة  لهي ثمار جهود الأنبياء في إصلاح البشرية وتبليغ رسالات الله إلى الناس ، وأن ما نجده اليوم من آثار هذه الصحوة  في إذكاء الهوية الإسلامية واعتزاز المسلمين بانتمائهم إلى الدين الإسلامي لهو تأكيد على دور كل نبي في الأخذ بالقافلة الإنسانية إلى برالأمان ، وقد أكد القرآن الكريم على ذلك حين قال {قُلْ آمَنَّا بِالله وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (عمران: 84). وهذا يعني أن الأنبياء هم السبب في تحويل المجتمعات إلى مجتمع راقي وكريم ، وهم الذين وضعوا الأساس لهداية الناس إلى القيم الإنسانية، والأخلاق الحميدة .

 ولا يشك أحد أن أعظم هؤلاء الأنبياء هو النبي محمد (ص) ، والذي اختتمت به رسالات الأنبياء ليخرج الناس من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق  ومعارضة الديكاتوريات المتسلطة على رقاب الناس ، هذه الشرعية اعتمد عليها الحسين بن علي حينما حررالناس من عبادة طاغوت زمانه يزيد بن معاوية ، حيث أن معاوية  حول الخلافة الإسلامية إلى ملك عضوض ، يقول سماحة الشيخ أحمد الخليلي عن الحسن البصري أنه قال " أربع خصال كن في معاوية ولو لم تكن إلا واحدة لكانت موبقة وهو أخذه الخلافة بالسيف من غير مشاورة ، وفي الناس بقايا الصحابة وذوو فضلية ، واستخلافه ابنه يزيد وكان سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير وادعاؤه زيد أخا وقد قال رسول الله (ص) " الولد للفراش وللعاهرالحجر" وقتله حجربن عدي وأصحابه  فيا ويلاً له من حجر وأصحاب حجر"(1) .

من هذا المنطلق لم تكن مرحلة الحسين بن علي مرحلة سنية أو شيعية بل كانت مرحلة حق وباطل ولكن للأسف تم ترويج روايات مفبركة من قبل بعض المتخلفين الإسلاميين ، حتى ظن الناس أن ما هو موجود عن نهضة الحسين بن علي هو ما يتحدث به هؤلاء ، لأن فقهاء بنو أمية روجوا كلاماً خطيراً، وهم أجازوا الخروج على الحسين واليوم نسمع من يبرر ليزيد إجرامه ويعطيه الاعذارأن " الحسين اجتهد ويزيد اجتهد ، هذا من سخرية القدر أن يوضع الحسين بنفس الميزان مع يزيد ،  فالإسلام عانا من انحراف فكري في عهد حكومة بني أمية والاجتراء على سبط الرسول الأكرم (ص) الذي قال عنه "حسين مني وأنا من حسين " (2)

والواقع أننا إذا استنطقنا هذا النص لوجدنا أنه يشكل منظومة متكاملة من القيم التي لا يمكن التغاضي عن واحدة منها خاصة في اختيار خليفة المسلمين ، وإذا تم التهاون فيها فهو بسبب غياب الشرعية ، وحسب رؤية الحسين بن علي إذا وقع هذا التهاون وغاب عن الخليفة شروط الإيمان ، وإقامة العدل بين الرعية  فإن المسار هو تقويم الشرعية ، وقد عبرعن  ذلك بقوله يا أيها الناس أن رسول الله (ص) قال (من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله (ص) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيرعليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله ان يُدخله مدخله ) ألا وإن هؤلاء- أي الحكام الأمويين- قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء واحلوا حرام الله وحرموا حلاله ، وأنا أحق من غيري ) (3) .

وإذا تعمقنا في الخطاب الحسيني نجد أنه  يضع معايير جديدة لتشخيص كيف يتم تفريق الشرعية   فهو يضيف سمة أخرى في معارضة الظلم ويتضح ذلك من خلال وصيته لابنه علي زين العابدين " أي بني إياك وظلم من لايجد عليك ناصراً إلا الله عزوجل ) (4) .
 المصادر
1-الاستبداد مظاهره ومواجهته ، سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ، المفتى العام لسلطنة عمان ، الطبعة الولى عام 2013 م ، ص 75
2- رواه الترمذي (3775) وابن ماجه (144) وأحمد (17111) عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): ( حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ ) والحديث حسنه الترمذي والألباني.
3- بحار الأنوار، الشيخ باقر المجلسي ،  جزء 44  ص382
4- الكافي ، الشيخ الكليني ، جزء 2 ص331
بقلم


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/8 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير