سلسلة رمضانية (8) الأخيرة " إني تارك فيكم الثقلين" قراءة فكرية بين عقلية الفقيه وعقلية المثقف.
288.png | 19 KB |


عنوان المقال يتضمن جزء منه على حديث نبوي شريف متفق عليه بين الفريقين حيث قال (ص) : (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا).

عندما نسمع أحدا يتحدث عن الفقيه فإن ذلك يثير استفزاز قطاع كبيرمن الناس في المجتمعات الإسلامية والتي لا تستسيغ سماعه ، لأن الفقيه يمثل حضورا مكثفا وتأصيلا منهجيا في الثقافة الإسلامية ، ومصطلح المثقف بمفهومه في الذهن الإسلامي يثير إشكاليات متعددة.

أولا : لكون مصطلح المثقف جديد في مقابل مصطلح الفقيه وغير مقبول لدى الكثيرين بل تعتبره خصما للفكر العقدي ، وثانيا : مفهوم الفقيه والمثقف كلاهما مستمد من المعرفة ولكل منهما خصائصه ولكن هناك ضدية بين عقل المثقف وعقل الفقيه ، وثالثا : إنه يوحي هناك فقيه آخر فقيه مثقف بمعنى هناك تميز بين الفقهاء. الحقيقة لا توجد هناك أي محاذير طالما أن المدار هو التقويم لقيمة أهل العلم والاختصاص.

لأن البحث عن المعرفة والثقافة الواسعة مطلب بشري ، والتجارب في التطبيقات المعارف الإسلامية والدينية أثبتت الحاجة إلى ثقافة جديدة وفكر جديد لا لهدم كيان علمي وأنما لإنتزاع المفهوم ومدلولاته ، وأنا أعرف أنني دخلت في مغامرة كبيرة ، لهذا أحببت إثارة هذه النقاط حتى لا يكون طرح الموضوع مفاجئا يثر الحساسية عند البعض.

من البديهي جدا أن تؤثر التحولات الجديدة التي لحقت بالثقافة الإسلامية في أدوارالفقيه في التعبير عن أفكار الناس، فالمنصات الإفتراضية كسرت نيابة الفقيه عن تمثيل دور وكالة الناس والتعبيرعن أفكارهم بلسانه ، فبعد أن احتضنت هذه المنصات كل كتاب وباحث ومفكر تلاشى دورالوكالة الذي كان يقوم به الفقيه نيابة عن الجمهور، فقد حل محله دورالمثقف في هذه المنصات ، الذي أصبح لديه جمهورعريض وأكبر من عدد سكان المدينة التي يعيش فيها الفقيه.

وهذه التحولات أبرزت عقلية المثقف في تعاطيه مع القضايا المعاصرة والفكر الإسلامي ورغبته في التعامل مع الفقيه والذي يتطلب منه التفاعل مع الفكر الإنساني الحديث ، ومعالجة المشاكل الاجتماعية من منطلق الحرص على المجتمع وصون معتقداته دون الإنغلاق على نفسه وكأن الدين أصبح هشا لا طاقة له على مواجهة الدس والتدليس في النصوص الموروثة التي أساءت إلى الفكرالديني بإسم الدين.

مثلا ينقل العلامة المجلسي في بحارالأنوار ج 40 ص 160 عن كتاب (مناقب آل أبي طالب لشهر آشوب) ج1 ص 324 أن الآية في سورة الكهف ــ 54 " وكان الإنسان أكثر شيء جدلا " أن الإنسان هوعلي بن أبي طالب (ع).

وفي المجلد 4 من ظلال نهج البلاغة يقول الشيخ (محمد جواد مغنية) أن عليا(ع) قال : (أن المرأة شر مطلق) ص 237 و 359 ، ثم عقب بقوله : أن ما قاله علي(ع) عن المرأة قاله كثيرون من الأدباء والفلاسفة من قبل ومن بعد فقد جاء في كتاب (يحيا الإنسان) للفيلسوف الصيني لين يوثانج أن الأديب الإنجليزي " اوسكار وايلد " ورأيه أيضا (أن المرأة شرلابد منه منذ آدم وإلى يوم يبعثون).

إذن نظرة المجلسي أن القرآن الكريم ذم علي بن أبي طالب (ع)، فهل يستحق أن يكون أحد الثقلين ؟ والشيخ مغنية رمى داء الهيمنة الذكورية على المرأة وألصقها على ظهره (ع) ، ومنها صدرت فتاوى ضد المرأة التي تزكم الأنوف وموجودة في أغلب الرسائل العملية للفقهاء المعاصرين فهل يحق له (ع) أن يدافع عن حقوق المرأة ؟

ولكن وجدنا في طرف غيرإسلامي عكس اتجاه بعض فقهاء المسلمين ، حيث صوّتت غالبية دول العالم في الأمم المتحدة على كون عهد علي بن أبي طالب (ع) لمالك الأشتر كأحد مصادر التشريع للقانون الدولي.

سؤال : لو أجرينا استبيان عالمي لأخذ أراء شعوب العالم في علي إبن أبي طالب ووضعنا 3 اختيارات (نظرة المجلسي ونظرة الشيخ مغنية ونظرة الأمم المتحدة) ترى ماذا ستكون النتيجة ؟

النتيجة ستكون اختيار نظرة الأمم المتحدة هي الأكثر لماذا ؟ لأن نظرة العالم إلى علي بن أبي طالب (ع) نظرة تجسيد حي للقرآن الكريم في الواقع العملي والديانات السماوية والبشرية احتضنته على هذا الأساس وعليه استحق ليكون أحد الثقلين بجدارة.

  • كان العلامة المجلسي الفقيه الذي كان يقول عن نفسه إنه نائب المهدي(ع) ومنه انتقلت ثقافة النيابة البائسة إلى الفقهاء المعاصرين ، ويعتبر أن كل ما ينقله هو من الأصول المعتبرة ، فأين هي هذه الأصول ؟ ( بحارالأنوار ج1 ص 10) والإسقاطات الشخصية ضد المرأة للشيخ مغنية وإلصاقها على ظهر علي بن أبي طالب(ع) دون مراعاة لمنزلته (ع) ، هل تعتقدون أن المثقف سيقبل عقلية هكذا فقهاء؟ الجواب كلا.

وعلى ضوء ما ذكر فإن ما تتصف به عقلية المثقف من الإنفتاح على واقع متجدد يجعل منه أداة متجددة للفكر يتحرك ضمن منهجيات متعددة ، وهو العنصر الذي يستحكم بالمثقف بعكس عقلية الفقيه الذي هو أيضا ليس منفصلا عن الواقع ، ولكن النص وإن كان مدسوسا مستحكم فيه وله منهجية واحدة.

وهذا يستدعي إيجاد فقهاء جدد يمكنهم صياغة تجديد الفكر الديني والخطاب الإسلامي ووضع حلول للقضايا الفكرية وغيرها ضمن رؤية واثقة قادرة على تقديم البديل ونبذ القديم.


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير