لم تدخل بريطانيا في استثمار عقيدة انتظار المخلص الموعود بشكل مباشر، ولكنها استغلت الظروف الاجتماعية والسياسية في المجتمعات المستهدفة لتكريس هيمنتها. فعندما يكون هناك شعور باليأس والظلم تتدخل بريطانيا أو الفكر الاستعماري لعرض حلول خارجية لأن الناس أصبحوا عرضة للاعتماد عليهم، وهذا بحدّ ذاته يخدم مصالح المستعمر من خلال إضعاف أي تحرك ضدّه أو أية مقاومة داخلية فيتم تثبيت حكمهم.
هنا يجدر بنا أن نسأل: هل عقيدة انتظار المخلص الموعود أو كما يعبّر عنها في أدبيات شيعية انتظار الفرج أو انتظار فرج الله بصيغ مختلفة هو مجرد نقل للتصورات وأماني المجتمعات من دون أن تكون لها رؤية أعمق ، ورؤية أوضح ؟
قبل الخوض في غمار كل ذلك أود أن أؤكد لكم أن الإسلام لم يكن بمعزل عن حركة التأثير الحاصلة في الأديان والمذاهب الإسلامية ، إذ إن عقيدة الانتظار ليست عقيدة المسلمين فقط في المخلص الموعود ، بل هي متجدزة في أعماق التاريخ، ولكنها تحولت بفعل روايات ونتيجة ظروف تاريخية إلى آثار نُسبت إلى النبي الأكرم (ص) والأئمة الطاهرين من بعده غذت آمال الناس وتوقعاتهم وأحلامهم، كما وجدت قواعد وأصول تحميها من المساءلة والنقد لتصبح عقيدة انتظار المخلص الموعود يؤسس لها من خلال التنظير الفكري والسياسي، ولكن كيف ؟
بداية إن عقيدة ظهور المهدي المنتظر لم تخرج على عقيدة الانتظار بشكل عام على اعتبارأن فكرة انتظار المخلص هي هاجس الشعوب المقهورة والمستضعفة، ولم يلجأ إليها المؤمنون بها إلّا تعبيراً عن هذا الحلم بعالم مثالي يقوده المخلص الموعود. لهذا ارتبطت فكرة المخلص الموعود ارتباطاً وثيقاً بالدين، وعندما يصل الأمر إلى الدين فإنه يسهم في توجيه الفرد ورسم أبعاد حاضره ومستقبله، وعلى الرغم من أن الدين مجموعة طقوس إلا أنه أيضاً يربط الفرد مع الغيب، علماً أن الأمور الغيبية لا تمارس سلطتها على واقع الفرد ولكنها تتدخل في رسم الأحداث القابلة للإنسان. وقديماً كان الإنسان يعتقد أن الأحلام هي الوسيلة التي تضعه في علاقة مباشرة مع الغيب، فبدأت عنده فكرة الانتظار والتي تزداد أهميتها إذا عرف أنها مرتبطة بمنفعة حياتية قابلة للتحقق، فالانتظار بالنسبة له مستقبل سعيد قادم إليه. هذه الالتفاتة الذهنية تجعله يتمسك بفكرة الانتظار أكثر نظراً لما فيها من عوامل تحفيزية منبّهة تجعل الكائن البشري مشدوداً وبفاعلية لمصيره، وتجعله في الوقت نفسه في حالة توقع وترقب مستمرين.
لذا يمكن القول إذاً، أن لظاهرة الانتظار ارتباطها المباشر بالواقع الاجتماعي وتحولاته الاقتصادية واستقراره الكلي، فحين لا يقدر المجتمع على صدّ الظلم أو البؤس أو الشقاء الذي يحل عليه يتجه مباشرة إلى غائبه، الذي له من الصفات البطولية الإعجازية والقدرة مما يؤهله ويساعده على تغيير الواقع من حال إلى حال أفضل مغاير.هنا لنا وقفة مع ظاهرة الانتظار، وهي أننا نحن جميع بدون استثناء نعيش حالات الانتظار في أمور كثيرة قد لا ندركها ولكن كيف ؟
أنت مثلاً عندما تشتري وثيقة التأمين على الحياة لمدة زمنية معينة، لنقل 18 سنة بعدها ستسلم مبلغ التأمين الذي استثمرته في هذه الوثيقة ، هذا الانتظار البالغ 18 سنة لا يتدخل أحد فيه معك لا أسرتك ولا أصدقاؤك ولا أهلك، فقط أنت الوحيد الذي تنتظر قدوم موعد استحقاق وثيقة التأمين على الحياة، إذ لا توجد هناك تبادلات ثقافية أو اجتماعية مع الغير، يستشف من ذلك إذاً أن مبدأ التعارف مع الآخرين غير متوفر في هذه العملية، فظاهرة الانتظار هنا أصبحت سلبية لأنها مقيدة ومحصورة ضمن الفرد الواحد ولا يوجد بالتالي مبدأ البقاء للأصلح ، ولكن لو قمت وأجريت بعض التعديلات على شروط الوثيقة، مثلاً أن تدخل في نقاش مع أصحاب ديانة أخرى أنت تدين بالشريعة المحمدية وغيرك يدين بشريعة عيسى المسيح، فالوثيقة هنا لا يمكن تسميتها وثيقة التأمين على الحياة وإنما وثيقة التبادل الثقافي والفكري وحوار الأديان، فهنا انتفى الجوهر الذي أسست عليه الوثيقة لأقرب المعنى حول انتظار المخلص الموعود.
المسلمون شيعة وسنة ينتظرون المهدي المنتظر ولكن ثمة فرق بينهم، فأهل السنة يقولون إنه سيولد في آخر الزمان، إذاً مسألة الانتظار غير واضحة المعالم عندهم، وكذلك الشيعة يقولون إنه ولد في سنة 255 هجرية 869 ميلادية فهم ينتظرون خروجه، إذاً فكرة الانتظار متوفرة عندهم وأصحاب الديانات الأخرى أيضاً ينتظرون المخلص الموعود كلٌّ حسب اعتقاده. إذاً ففكرة الانتظار متوفرة عندهم أيضاً تماماً مثل المسلمين الشيعة .
سؤال يطرح نفسه هنا: هل المسيحيون والشيعة يعرفون ما هي طبيعة فكرة الانتظار عند كلِّ واحد منهما طالما هناك عامل مشترك بينهما هو المخلص الموعود بصرف النظر من هو، يعرفون أم لا ؟ الجواب: حتماً لا الشيعة يعرفون ما هي طبيعة فكرة الانتظار عند المسيحيين ، ولا المسيحيون يعرفون طبيعة فكرة الانتظار عند الشيعة ، فالنتيجة واضحة أن كلَّ واحد منهما منعزل عن الآخر تماماً مثل شراء وثيقة التأمين على الحياة، فهي تخص شخص المؤمن لا غيره. هنا مكمن الداء في الفكر الديني الذي يريد أن يصنع لنفسه خطّاً موازياً للدين ويكسر حواجز المطلق والنسبي . والحمد لله ربّ العالمين