المهدي المنتظر والتحولات العالمية - 2


لا أريد أن أطيل الحديث حول الحركات المهدوية، ولكن ما يهمّني هو سبب ظهور هذه الحركات . بداية دعوني أقول لكم إن هذه الحركات فتحت باب صناعة منقذٍ للبشرية ضمن الرؤية البشرية لتحقيق أهداف ضمن أجندات خاصة بها تتحرك في دائرة  الخصوصية، ولكن ما هي هذه الخصوصية ؟  الجواب :-  الأزمة ، فطالما وجدت أزمة، فرسالة المنقذ البشرية يجب أن تتحرك  بالاتجاه ذاته ، لهذا نجد أن  سبب ظهور هذه الحركات لم يكن من وحي صفاء الروح لإزالة الظلم بقدر ما كان هو محو الأزمة التي تعيشها هذه الحركة أو تلك، سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الديني أو الثقافي ، فهي أرادت أن تستقل بذاتها استقلالاً خاصاً، وهذا الاستقلال  نابع  من مصادر فكرية عقائدية متجذرة سيكولوجياً ورمزياً ومخيالياً في بنية الفرد المسلم في جميع فروعه الشيعي والسُّني .

بقيت هذه المصادر مفتوحة لكلّ طامعٍ أو طامحٍ أو مضطربٍ فيضطر الناس للجوء إليها وقت الأزمة فتتحرك فيهم الرغبة في البحث  لتكون لهم بمثابة المخدرلا العلاج الشافي ، فهي لا تحتاج إلى الدراسة كباقي العلوم الدينية فقط الخيال الواسع وحده يستطيع لي الحقائق.
 من هنا كان الرمز الذي يحرك خيوط أتباع هذه الحركة ألا وهي المرجعية ، زعيم ذو نفسية خاصة ونمط شخصية معينة يكون فاعلاً دينياً، يقوم  بتنظيم شؤون الجماعة المهدوية ليصبح هو  زعيمها . من هنا ننطلق إلى أصل البحث. خذوا نفساً طويلاً لأن أمامنا محطات جديدة حسب اطلاعي لم يكتب عنها أحد  ولم أجدها  حتى في المدونات الإسلامية ، فهل أنتم مستعدون ؟ لننطلق على بركة الله.  

عند إلقاء أول  نظرة عابرة على حالة البشر في العالم، وتحديداً في العالم الإسلامي نلتمس هجمات الأعداء على الإسلام والمسلمين، وكلما ازدادت هذه الهجمات ازداد معها الفساد وجور السلاطين والتمييز العنصري، وبالتالي يزداد جزع الناس ويرجون ظهور المخلص الموعود لانتشالهم من الهلكة والشتات. وهذه الشعوب المغلوبة على أمرها لا تملك دفع الظلم، فكان يخالجها شعور بوجود منقذٍ للبشرية، فكانت تخرج إلى الصحراء تنتظر المخلص الموعود كما وصف ياقوت الحموي  أهل كاشان في سنة هجوم المغول حيث كانوا يخرجون كلّ صباح لاستقبال المهدي، علماً أن اسم المهدي كان متداولاً حتى قبل ولادته  في القرن الثاني الهجري/  الثامن الميلادي. كان الناس يسمون أبناءهم بالمهدي، ولكن عندما شاع بين الناس دور المهدي المنتظر بدأت الحركات الساذجة تظهر لتدعي المهدوية، ألم يسم المنصور العباسي ابنه بالمهدي ليخبر الناس أنه المهدي المنتظر؟، والعجيب أن الشعور بوجود المخلص الموعود لم يكن انتظاره  مرضياً عند الشعوب إبان هجمات المغول، حيث ذكر شيرين بياني أن الناس من قوم العلوية كانوا يخرجون في الصباح من قراهم شاهرين سيوفهم لاستقبال إمامهم ، (1) واستُغلت هذه الحالات إبان الهجمات الصليبية على البلاد الإسلامية لمواجهة هذه الهجمات، وذهب ضحية هذا الاستغلال آلاف الأبرياء، وإمامهم لم يخرج بعد وانتشر الظلم  وتفشى وجور الحكام الذي ازداد يوماً بعد يوم .

  من هنا برزت نظرية تصفية الحسابات ضدّ من روّج  لفكرة ظهور المخلص الموعود، وهذا كان أحد أسباب نهاية أغلب الحركات المهدوية، والطريف في الأمر أن الفكر المهدوي بين المذاهب أصبح ساحة لتصادم الأفكار وتنازع التأويلات نتيجة اختلاف المنطلقات والآراء، وكلٌّ بات يتصدى  للآخر، فهذا الإمام الغزالي أنكر وجود المهدي المنتظر بالطريقة التي  يطرحها الفكر الشيعي، حيث حفزته فكرة المهدي المنتظر ليصوّره بصورة صوفية وهو فكر معارض للفكر الشيعي. والجدير بالذكر أن فكرة المخلص الموعود لم تقتصر على تصفية الحسابات بين المذاهب الإسلامية، بل تعدت ذلك إلى مواجهة الفكر المسيحي الذي أشاع عن ظهور المسيح في آخر الزمان ليخرج ابن عربي ويقول: إن عيسى والمهدي من نسل واحد ومن أمة محمد (ص).(2).

أمام هذه الاضطرابات والتحديات التي رافقت فكرة المخلص الموعود واستغلال أوضاع الناس دخلت القوى الاستعمارية على الخط  وانتفعت من هذه الانحرافات التي نخرت فكرة المخلص الموعود  في المذاهب الإسلامية  من الداخل،  فقامت بتقديم الدعم للفرقة البهائية كأول خطوة في اختراق المجتمع الإسلامي للوصول إلى حقيقة المهدي المنتظر. البهائية فرقة من الفرق الشيعية نشأت من الشيخية ، وفي الواقع هي  ديانة مستقلة ولم تكن جزءاً من الشيعة أو حتى من الإسلام .

 انفصلت البهائية عن البابية مع ظهور بهاء الله  الذي ادعى النبوة  ويعتبر هو المهدي المنتظر عندهم ، وقد سعت الدوائر الغربية البريطانية إلى  توسيع دائرة العلاقات معهم ،  فقدموا خدمات للإنكليز بفتوى عدم محاربتهم، وهذا يناقض نهج المخلص الموعود ، بل أشدّ من ذلك  فإن أي شخص يؤمن بالمهدي المنتظر يجب أن يكون ولاؤه لبريطانيا شرطاً لهذا الإيمان فأنت لست مهدوياً إذا لم تبايع التاج البريطاني ، هذا الخطر بدأ يداهم أيضاً باقي الفرق  والمذاهب الإسلامية وخاصة الشيعة الاثني عشرية  الأشدّ تمسكاً بفكرة المخلص الموعود عن باقي الفرق والمذاهب الإسلامية، حيث بدأت بريطانيا تدخل إلى الفكر المهدوي عند الشيعة الاثني عشرية من بوابة الانتظار . والحمد لله رب العالمين.

 
1.دين ودولت در إيران عهد مغول ، شيرين بياني ، جزء2 ص 852
2.رسالة في المهدي المنتظر (نسخة مخطوطة)، علي محمد سلطان الهروي، ص 11


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الإثنين 2025/10/20 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير