التاريخ الذي أعرضه في هذا الجزء من البحث هو شبيه بالحديث عن حركة قومية حصلت في تاريخ مصر القديم ، والحركات القومية هي جهود شعبية من أجل الاستقلال وتأسيس حكومة نظامية ترعى هذا الاستقلال وتضطلع بمقومات الحضارة ومكتسباتها عبر العصور، ولا غرو فإن تاريخ مصر تاريخ إنساني. ففي عهد الأسرة الثالثة عشر رزئت مصر باحتلال الهكسوسي الذي قضى على هذا الاستقلال واستمر الحال حتى ظهور الأسرة الثامنة عشر.
تطرقنا سابقا إلى العديد من المواضيع والشخصيات التي ذكرت في الكتب التاريخية ولم تذكر في القرآن الكريم ، والتي ولدت جدلا كبيرا بين علماء التاريخ والآثار خاصة عن أقوام لم تذكر حتى في كتب تفاسير المسلمين كقوم العماليق والهكسوس ، وهذا أمر عجيب أليس كذلك ، إذا كان القرآن الكريم تحدث عن قوم ثمود وناقة صالح وقوم عاد والطوفان العظيم فهل يعقل أن لا نجد أي ذكر عن قوم الهكسوس والعماليق فيه خاصة أن تاريخ الهكسوس يتعلق بالفساد الأول لبني إسرائيل والذي بقي غامضاً إلى يومنا هذا.
أنت أسأل أي فرد مسلم ماذا تعرف عن الوعد الأول كيف تحقق ؟ وعلى يد من ؟ الجواب بدون تردد لا أعرف ، من حقه أن يكون جوابه بالنفي. لأن الذي نقل لنا التاريخ شخص مجهول ، لهذا بقي التاريخ غير معروف واللغة التي تحدثوا بها عن القرون الأولى غامضة والدليل جاء في سورة القصص آية " 6" "وفرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين" ماذا يقول علماء التفسير عن جنود فرعون وهامان من هم ؟ يقول صاحب الميزان (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين في قتل الأبناء وترك موسى) (1) ، الطبري يقول في تفسيره (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا بربهم آثمين ، فلذلك كان لهم موسى عَدُوّا وحَزَنا). (2)
دعونا نغوص في أعماق التاريخ لنستخرج منه حقيقة قوم العماليق والهكسوس لتكون عونا لنا في إثبات صحة ما قيل عنهما أنهما كيان واحد ، وهل فعلا لا يوجد لهم أي ذكر في القرآن الكريم ، لنتابع السير على بركة الله بهدوء دون ضجيج.
من هم العماليق ؟ عماليق هو أحد أحفاد نبي الله إسحاق ، نبي الله إسحاق ولد له توأمين يعقوب وعيسو وحسب سفر التكوين أن عيسو تزوج وولد له أبناء منهم أليفاز، وإليفاز تزوج بجارية اسمها تمناع فأنجبت له عماليق. (3) ، وفي سفر التكوين يطلق على عيسو بن إسحاق لقب آدوم ، وأدوم اسم قبيلة بدوية كانت تسكن جنوب الأردن تمتد إلى صحراء النقب. (4) ، إذن عماليق ذو قرابة ليعقوب النبي الذي سمي بإسرائيل لأنه صارع الرب كما أشرنا سابقا ، وعماليق بن أليفاز بن عيسو بن إسحاق النبي كان رئيس قبيلة أدوم ، انفصل عن أبيه إسحاق النبي لأنه قدم يعقوب النبي عليه واعتبره الابن البكر له كما جاء في التوراة.
وحسب الثقافة المجتمعية أن الابن البكر يحصل على مميزات كثيرة في الأسرة وحتى يومنا هذا هذه الثقافة متجذرة في أوساط مجتمعاتنا ، المهم أصبحت قبيلة أدوم من أقوى قبائل الصحراء وزعيمها عماليق الذين تميزوا عن باق القبائل بضخامة بنية أجسادهم ، ولو تعمقنا قليلا في أسفار التوارة سنجد أن العماليق هم أول شعب حارب بني إسرائيل والرب منع بنو إسرائيل من التقرب من أرض أدوم. (6) ، من هنا جاء سفر صاموئيل الذي طلب من بني إسرائيل قتل كل طفل وشيخ وإمراه وأن لا يرحموا العماليق وعليه استند نتنياهو رئيس الكيان الصهيوني المؤقت في حربه ضد غزة العز. هل هذا كلُ شيء عن العماليق ؟ لا ليس كلَ شي.
كل من يقرأ تاريخ مصر القديم سيجد هناك غموض يلفه وذلك بسبب تضارب السرديات التاريخية التي وصلتنا. نحن تحدثنا سابقا أن المصريين القدماء كانوا يعتبرون كل من سكن شمال مصر بالعموريين أي سكان البدو كما اعتبروا قوم الهكسوس من البدو وبحسب هذا التوصيف يكون العماليق والهكسوس من البدو، سؤال : ما معنى العماليق ، العماليق كلمة تتكون من كلمتين : عم = بدوي وليق = جنود باللغة الآرامية ، واللغة الآرامية كانت لغة الأنبياء من نوح حتى موسى كليم الله ، وقد عرف عن العماليق أنهم شعب كان يعمل كجنود مرتزقة في جيش مصر. من هنا نفهم أن العماليق دخلوا مصر للعمل فانخرطوا في جيش مصر كجنود.
وهذا يؤكد لنا أن كلمة الجنود في سورة القصص السالفة الذكر هم جنود البدو العماليق عند فرعون وهامان والقرآن تحدث عن فرعون مصر مع ذكر جنوده في أكثر من موضع ، مثلا سورة القصص آية ( 39) "واستكبر هو وجنوده في الأرض" وفي سورة يونس آية ( 90) " فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا" وفي سورة البروج آية ( 17 - 18) " هل أتاك حديث الجنود ، فرعون وثمود " ، ويوسف النبي عندما تحدث مع أبيه يعقوب قال له " إذا جاء بكم من البدو" لأن أهل مصر كانوا يعتبرون سكان كنعان وغيرهم من سكان شمال مصر بالعموريين من الشعوب البدوية.
بالإضافة إلى ذلك هناك لفظة الهكسوس الذين أطلق عليهم المصريون القدماء " عامو" أي الشعب البدوي وأن أول من أطلق عليهم لفظة الهكسوس هو مانيتون المؤرخ المصري كما أشرنا سابقا وعليه ذهب سيفوس المؤرخ اليهودي على منهج مانيتون المصري وكذلك يقول د. لويس عوض (ولقد اقترنت هذه القبائل البدوية الـعمو في نصوص مصر القديمة بغزو الهكسوس مصر). ويذكر د.جمال حمدان (والثابت أن الهكسوس هم الـ عمو – كما أسماهم المصريون) ، كما يذكر د.سليم حسن (إن المصريين كانوا يسمون الهكسوس أنفسهم بالــ عمو) ثم يذكر معرفا (والـ عمو هم الهكسوس) بل ونجد من ملوك الهكسوس من يحمل الاسم عمو بالفعل أو حيقاخاسوت أي حكام البلاد الأجنبية مثل حاكم هكسوسي " خيان وسمقن". (6) وهذا دليل أن قوم الهكسوس ليسوا من جنس واحد وهو رأي أغلب المؤرخين.
إذن هذا التجانس في القومية البدوية " الهكسوس والعماليق" ولدت ثقافة موحدة وهدف موحد ومصالح موحدة خاصة أن كلا القوميتين عبدوا الإله الست والذي يرمز إلى إله الشر، وتدخل الهكسوس في قرارات حكومة مصر يؤكد لنا أن الغموض الذي لف تاريخ مصر الذي وصلنا هو بسبب لمحاولة طمس الحقائق عن الناس بأن العماليق يختلفون عن الهكسوس والحال أن كلا الأسمين هما لقومية واحدة هم بنو إسرائيل وإن تعددت المسميات.استولى الهكسوس على حكومة مصر بعد التخاذل من الأسرة الثالثة والرابعة عشر أمام المغريات التي قدمها حكام الهكسوس لهم علما أن كلتا الأسرتين كانتا موالية للهكسوس ، فحكم الهكسوس شرق دلتا حكم مباشر وعاثوا في الأرض الفساد وكانوا مخربين ، فعصفوا بكل مظاهر الحضارة المصرية المتقدمة فدمروها واضطهدوا المصريين وعزلوا " الإله حورس" وألغيت عبادة التوحيد ليرفع الهكسوس عبادة " الإله ست".
إلا أن المصريين أحسوا بالظلم واستعدوا لتحرير بلادهم من الهكسوس (بني إسرائيل) لتبدأ أولى خطوات التعبئة الجماهيرية على يد الملك " سقنن رع" فتملكت المواطنيين روح القومية المصرية وانضووا تحت لواء الملك " سقنن رع" من الأسرة السابعة عشر لتبدأ حرب تحرير مصر من بني إسرائيل ، وما زال الملك " سقنن رع" يقاتل حتى سقط شهيدا في ميدان الجهاد ليستلم راية ميدان الكفاح أخوه " أحمس" الذي حاصرهم في مدينتهم " أواريس" فطلبوا منه أن لا يقتلهم ويسمح لهم بمغادرة مصر، فخرج 240 ألف هكسوسي (بني إسرائيل) وتوجهوا نحو فلسطين ليؤسسوا مملكة يهوذا أو أورشليم غير أن أحمس طاردهم إلى فلسطين وحاصرهم 3 سنوات حتى حرر فلسطين منهم ، خرج " بنو إسرائيل أو العماليق أو الهكسوس" من فلسطين وتوجهوا نحو الغرب (أوروبا) واستوطنوا فيها لتتحقق الآية (5 ) من سورة الإسراء. "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا"
اطمئن " أحمس" أن حدود مصر الشرقية أصبحت آمنة ، أعاد الملك أحمس عبادة التوحيد وسار على نهج جده حورس بن هابيل ليحل " الإله حورس" كرمز لمعبود واحد وكسر تمثال " الإله الست" ليتحقق الوعد الإلهي الأول على يد حفيد هابيل " أحمس بن حورس بن هابيل بن آدم " (7).
وجدير بالذكر أن حكم الهكسوس (بنو إسرائيل أو بنو قابيل) لم يكن الهدف هو احتلال مصر فقط بل كانت الخطة السيطرة على المنطقة آنذاك لهذا خضعت لهم حكومات البلدان التالية وأصبحت موالية لبني إسرائيل وهي (العراق وفلسطين واسكتلندا (مملكة بريطانية) وسوريا وتركيا وبعض أجزاء من شبه الجزيرة العربية) ومع تحرير مصر بدأ فصل جديد في عودة " إسرائيل أو قابيل أو كما في الأدبيات الإسلامية الأعور الدجال" ولكن هذه المرة ليس لاحتلال فلسطين فحسب بل للسيطرة على العالم ، وهي ستكون محطتنا القادمة. والحمد لله رب العالمين.
المصادر: -
1. تفسير الميزان ، السيد محمد حسين الطباطبائي ، جزء 16 ص 11
2. تفسير الطبري / الطبري ، ص 386
3. سفر التكوين 36 : 9-12
4-Avraham Negev and Shimon Gibson (2001). Edom; Edomites. Archaeological Encyclopedia of the Holy Land pp. 149–150
5. سفر التثنية 2 : 6-4
6. قدماء المصريين أول الموحدين ، نديم سيار ، ص 45 ، موسوعة مصر القديمة ، حسن سليم ، جزء 4 ص 117
7. تاريخ الحركة القومية في مصر القديم ، عبدالرحمن الرافعي ، ص 54-62