ليلة سقوط تل أبيب - تاريخ وأحداث وحقائق. 8
1075.pdf | 3.16 MB |


 في هذا البحث سأتناول مسألة النسب وأثرها في المستجدات التاريخية ، من خلال الإجابة عن سؤال طرحته سابقا إذا كان (قابيل أو إسرائيل) هو قاتل أخيه (هابيل أو أوزوريس) فكيف أصبحت ذريته من سلالة الأنبياء؟  وهل هناك أنبياء من بني إسرائيل؟  قبل البدء بالموضوع لابد لنا من مقدمة.

الأحداث التاريخية التي وصلت إلينا كانت على شكل سرد قصصي ، وهذا الخطاب السردي تشكل ضمن نصوص مدونة مكتوبة والتركيز كان على قراءة النص عموما ، وهي جملة من مقاربات منهجية تجمع بين بنية النص القصصي وظروف إنتاجه ومدى تقبل محدداته.  والبنية النصية تشمل تحليل مكوناته اللغوية المباشرة مثلا إذا كان النص المقدس فصل اسم إسرائيل عن نبي الله يعقوب فلا يمكن إسقاط اسم إسرائيل على نبي الله ، لأن ظروف إنتاج هذا النص المقدس لا تقبل محددات نبي الله يعقوب ، من هنا قلت إن إسرائيل غير نبي الله يعقوب لأن المكونات اللغوية لها مرجعيتها وأساليبها في كشف الحجب وفي توظيف الذاكرة الخطابية ، ولكن هذه المكونات لا تكفي حسب الباحث " باختين" حيث يعتبرها " تجاهل للتاريخية".(1) ، وهنا تأتي الحاجة إلى مدخل آخر لمعرفة ظروف إنتاجه ، لأقرب لكم المعنى عندما نقرأ في كتب أحد علماء المسلمين أن رواية  سندها عبدالله بن عباس بأن (زكريا ويحيى وعيسى وإدريس هم من أنبياء بني إسرائيل)   هنا يجب أن نسأل ، من أين جاء اسم إسرائيل ؟  ما هو مصدره ؟ لأن هذا السؤال يثير السياق التاريخي الذي أدى إلى ظهوره والذي يتعلق باللغة والتاريخ وعليه سنعرف أهداف النص ونستحضر معطياته وحقائقه وما يخرج عنه ، وهذا الخروج سيكون مفيدا لنا في إنارة جوانب مختلفة في النص ومفاهيمه المستمدة من التاريخ.  

بعد هذه المقدمة  افتح أنت كتب السير والتاريخ  للمسلمين وابحث عن جواب لهذا السؤال - ما هو نسب نبي الله نوح ؟  الجواب : هو نُوحُ بْنُ لَامَكَ بنِ مَتُّوشَلَخَ بنِ أخنوخ - وَهُوَ إِدرِيس - بن يرد (يارد) بن مهلائيل بنِ قينان بنِ أَنُوشَ بنِ شِيثَ بنِ آدم أَبي البشر.(2) ، وصاحب بحار الأنوار نقلا عن الشيخ الصدوق : كان نوحا ابن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليهم السلام (3).  إذن علماء المسلمين اتفقوا على نسب نبي الله نوح ، ما هو مصدر هذه الأسماء ؟  قبل الإجابة عنها ، اتركوا ما في أيديكم واعيروني انتباهكم رجاء.
  في سلسلة نسب (نبي الله نوح) اسم أبيه (لامك) متصل مع شيث بن آدم ، جاء في سفر التكوين ما يلي     "وعاش آدم مئة وثلاثين سنة ، وولد ولدا على شبهه كصورته ودعا اسمه شيثا ، وكانت أيام آدم بعد ما ولد شيثا ثماني مئة سنة وولد بنين وبنات ، فكانت كل أيام آدم التي عاشها تسع مئة وثلاثين سنة ثم مات ثم عاش شيث مئة وخمسين عاما وولد أنوش. (4)  

من هنا يتبين لنا أن الابن البكر لآدم هو شيث و ليس قابيل ، تعالوا إلى ذات السفر ماذا يقول عن قابيل  "وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين. وقالت : (اقتنيت رجلا من عند الرب) ، ثم عادت فولدت أخاه هابيل وكان هابيل راعيا للغنم وكان قايين عاملا في الأرض" (5) ، نلاحظ أن  قابيل هو الابن البكر لآدم وليس شيث ، المفارقة بين الصحاحيين  4 و 5 ، هو أن الإصحاح 5 ذكر عمر شيث ولكن لم يذكر الإصحاح 4 عمر قابيل والحال أن كل علماء المسلمين أجمعوا أن قابيل وهابيل من أبناء آدم الأوائل وليس شيث.

   سؤال : من هم أبناء قابيل ؟  الجواب : لنذهب إلى سفر التكوين ونبحث عن أبناء قابيل ، جاء في سفر التكوين : " وعرف قايين امرأته فحبلت وولدت حنوك. وكان يبني مدينة ، فدعا اسم المدينة كاسم ابنه حنوك،  وولد لحنوك عيراد ، وعيراد ولد محويائيل ، ومحويائيل ولد متوشائيل ، ومتوشائيل ولد لامك ، إذن أبناء قابيل أو إسرائيل هم : (حنوك – عيراد – محوبائيل – منوشائيل – لامك) (7) ، أما أبناء شيث هم  كما جاء في الأدبيات الإسلامية هم : (أنوش ، قينان ، مهلائيل ، يارد ، أخنوخ ، متوشلخ ، لامك) ولامك بن قابيل  أنجب نبي الله نوح.

نلاحظ هنا غياباً لنسل هابيل لم يذكر ضمن هذه  السلسلة النسبية ، والحال نحن عرفنا فيما سبق أن حورس بن هابيل  انتقم لدم أبيه من عمه " ست أو قابيل"  فمنطقيا إذا كان هابيل قد قتل فإن ابنه  حورس تربى في حجر جده آدم أليس كذلك ، أم عندكم رأي آخر.  لندع هذه الجزئية سآتي إليها مجددا ، دعوني الآن أميط اللثام عن سبب إخفاء ذرية هابيل من السلسلة النسبية المتصلة بنبي الله نوح وإلحاق ذرية " إسرائيل أو قابيل أو ست" بالأنبياء ؟
لا يختلف اثنان أن للغة تبدلات لغوية ، فهناك حروف ساكنة نسميها حروف صامتة وهناك حروف علة نسميها حروف صوائت أي لها صوت ، وقد ذكر علماء اللغة أن اللغة تتعرض في أنظمتها إلى تطور وتغير نتيجة انتقال اللغة من بيئتها إلى بيئة أخرى وما قد يصيب حروف اللغة نتيجة حقبة تاريخية طويلة وهذا التأثير والتغير وقع في الأسماء أيضا والتي تعرضت إلى التحوير كما سأبينها لكم.

 الأسماء سواء أبناء قابيل أو شيث ، أسماء متقاربة تعرضت لتحوير مع تغير البيئة مثلا : أنوش وهو أول أبناء شيث هو نفسه حنوك أول أبناء قابيل ، كيف ؟ أنوش هو تحوير لاسم حنوك أو أنوخ فالخاء تتبادل مع الكاف والشين والهاء تتبادل مع العين ، ففي النطق ممكن كتابتها كالآتي : (هنوك ، أنوش ، عنوخ) زيادة على ذلك سنجد أن محويائيل بن قابيل هو نفسه مهلائيل في سلسلة أبناء شيث إذا بدلنا الحرف الهاء مع الحاء، و مهلائيل أنجب يارد وفي بعض النسخ يرد لأنه " ألف"  ليست أصلية في النطق ، وما هو لافت للنظر أن حرف " شين وسين" هما حرف واحد بمعنى واحد.

   تعالوا نقرأ نصا من سفر التكوين الإصحاح 5 باللغة العربية ثم نقرأه باللغة العبرية  " وعاش آدم مئة وثلاثين سنة ، وولد ولدا على شبهه كصورته ودعا اسمه شيثا " ، والآن نقرأه باللغة العبرية " ويحي آدم شلشيم ومائة سنة ويولد بنموتو كصلمو ويقرأ أت - شمو شت"  إذن شيث بالمنطوق العبري هو " شت" (8)  ويمكن قرأته " ست" لأن حرف السين يتبادل مع الأحرف الآتية : ش - ص - ث - ت - ق.  والتاء يتبادل مع الأحرف الآتية : ط - ث - ص

أما أحرف الياء والألف والواو التي تضاف على أصل الاسم في وسطه أو آخره ليصبح سيت أو شيث…إلخ فهي أحرف علة (مد) وليست أحرف أصيلة في الاسم وهي تعطي اشتقاقات ومعاني جديدة للاسم مشتقة من المعنى الأصلي له على الكلمة  في اللغة العبرية ، من هنا نستنتج أن " شيث"  حور  من " ست" ، وست هو نفسه إسرائيل أو قابيل.

 إذن هناك تلاعب واضح في سلسلة النسب ، وبحكم أن هابيل مات لم يبق إلا قابيل ومع تغير الزمن في كتابة التوراة وضع اسم  شيث وهو في الأصل ست أو قابيل على أن شيث الابن البكر لآدم ، معلومة صادمة أليس كذلك ! بهذا " شيث أوست"  اسم لشخص واحد هو " قابيل أو إسرائيل".  الطبري يذكر نقلا عن ابن إسحاق  أن أبناء شيث تناكحوا مع أبناء قابيل فانتشر الفساد  وأن لامك الذي أنجب نبي الله نوح كان أول من ضرب الصنج (الصنج آلة موسيقية). (9) 

هناك خبر آخر لكم من عند الطبري عن نبي الله إدريس وهو أخنوخ ، و أخنوخ باللغة العبرية تعني فقيهاً وكثير الدراسة هو نفس معنى إدريس في اللغة العربية وتعني كثير الدراسة من درس يدرس.  (10) ، ويذكر الطبري أن أخنوخ (نبي الله إدريس) تزوج بأدانة بنت باويل بن محويائيل بن خنوخ بن قين بن آدم..

 قين هو قابيل يقول الطبري " يختلفون في اسم قابيل فبعضهم يقول قين وبعضهم يقول قايين وبعضهم هو قابيل". (11)  إذن أدانه حفيدة قابيل تزوجت  نبي الله إدريس ولدت متوشالخ ، ومتوشالخ هو نفسه منوشائيل بن قابيل حسب التبدلات اللغوية. الآن وقد عرفتم كيف أصبح  (قابيل أو إسرائيل) جد أنبياء ما نسميهم في كتبنا وتفاسيرنا أنبياء بني إسرائيل ، علما أن عقيدة المسلمين جميعاً أن لا يكون أحد من أجداد الأنبياء كافراً لأن الله سبحانه وتعالى ينقلهم من أصلاب طاهرة إلى أرحام مطهرة من كل رجس.  

 لقد رأينا أن هابيل غيب من صفحات التاريخ ، لماذا ؟  لعل إسرائيل (قابيل) عرف أن ذرية هابيل سيكون لها شأن عظيم  من يدري ، وهذه  ستكون محطتنا التالية إن شاء الله ، لنستريح قليلا من عناء السفر ثم نتابع السير.  
 الحمد لله رب العالمين. 

المصادر : - 
1. Jean Peytard, Mikhail BAKHTINE: Dialogisme et analyse du discours, Bertrand Lacoste, Paris, 1995, p. 98
2.  قصص الأنبياء ، إبن كثير ، جزء 1 ص 74 ، لنفس المؤلف ، بداية النهاية  جزء 1 ص 237، فتح الباري ، لأبن حجر، جزء 8 ص 668
3.  بحار الأنوار ، باقر المجلسي، جزء 11 ص 287
4. سفر التكوين ، الإصحاح 5 عدد 1:6
5. نفس المصدر السابق الأصحاح 4 عدد 1:2
6. نفس المصدر السابق ، الإصحاح 4 ، العدد 17:26
7.  مرفق ملف التبدلات اللغوية العبرية 
8. سفر أخبار الأيام الأول الاصحاح 1 العدد 1 
9. تاريخ الأمم والملوك ، محمد بن جرير الطبري ، مجلد 1 ص 104، 114 "ماجاء في تاريخ الطبري مقتبس من سفر التكوين الاصحاح 6 العدد 1:5"
10. بحار الأنوار ، باقر المجلسي ، جزء 11 ص 270
11. تاريخ الطبري ، محمد بن جرير الطبري ، جزء 1 ص 92


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير