ليلة سقوط تل أبيب - تاريخ وأحداث وحقائق. 5


ذكرت فيما سبق بعض الأسماء التي تتعلق باليهود وبالتاريخ اليهودي ، وبالتراث الديني اليهودي ، وهذه الأسماء هي : " إسرائيل ، السامية ، الصهيونية "  ما قصة هذه الأسماء وكيف ارتبطت بالكيان الإسرائيلي المؤقت ، تعالوا معي لنتعرف على تاريخ كل اسم من هذه الأسماء فأرجو منكم أن تركزوا معي فيما سأسطره في هذه الجزئية لأنها مهمة جدا جدا. 

 سؤال : من هو إسرائيل ؟  في العقل الجمعي العربي والإسلامي أن إسرائيل هو اسم آخر لنبي الله يعقوب ، أنت إسأل أي فرد مسلم  هذا السؤال ! مباشرة دون أي تردد سيجيب  هل تمزح معي ! مؤكد أنه النبي يعقوب  جيد ، جوابه  لك كان فيه نوع من الدعابة ، هكذا يفسره علماء النفس أنها دعابة.  نسأله من جديد : كيف عرفت أن إسرائيل هو نبي الله يعقوب بعينه ؟  الجواب : من مفسري القرآن الكريم ، ومن مئات الكتب التي ذكرت أن إسرائيل هو بعينه نبي الله يعقوب.  ممتاز، تعالوا معي لننظر ماذا تقول تفاسير المسلمين وبالتالي سنطرح التحليل المنطقي على بساط البحث ، لنبدأ على بركة الله. 

سؤال :  كم  مرة  ذكرت كلمة  إسرائيل في القرآن الكريم ؟  ورد ذكر " بني إسرائيل " 40 مرة و 2 مرات ذكر " إسرائيل"  مفردة  أي بدون إضافة  كلمة " بني" ، الآيات التي ذكرت كلمة إسرائيل مفردة هي
 أولا : سورة مريم آية (58) " أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا "  إذن الآية تقول إن إسرائيل كشخص ركب سفينة نوح ولأن يعقوب النبي هو من ذرية إبراهيم خليل الله  لهذا لم يذكر اسمه منفردا في الآية ، أليس كذلك ؟ الجواب نعم ، ممتاز
ثانيا :  سورة آل عمران آية (93) " كل الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ۗ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ."  هنا الآية تقول أن الله أحل لبني إسرائيل الطعام كله إلا ما حرم إسرائيل على نفسه وهذا التحريم كان قبل نزول التوراة  أي قبل رحلة إبراهيم الخليل إلى أرض كنعان. قبل خروج بني إسرائيل من مصر مع نبي الله موسى الكليم. عندما نأتي إلى تفاسير المسلمين سنجد أنهم يقولون إن إسرائيل الذي حرم على نفسه هو يعقوب النبي .

يقول السيد الطباطبائي " الإطلاق وإسرائيل هو يعقوب النبي عليه السلام سمي به لأنه كان مجاهدا في الله مظفرا به ويقول أهل الكتاب إن معناه المظفر الغالب على الله سبحانه لأنه صارع  الله في موضع يسمى فينيل فغلبه على ما في التوراة وهو ما يكذبه القرآن ويحيله العقل" (1)  (ملاحظة : السيد طباطبائي ينقل عن أهل الكتاب أن إسرائيل معناه المظفر الغالب على الله سبحانه وتعالى إلخ كلامه .... ضعوا تحت هذه العبارات خطين لأنني سأعود إليها لاحقا ".  والطبري يقول " إن إسرائيل الذي حرم على نفسه الطعام هو يعقوب النبي"  (2).

وعن الآية 58 من سورة مريم يقول صاحب الميزان  " وقد ذكر في القصص السابقة من كل من الذراري الأربع كإدريس من ذرية آدم ، وإبراهيم من ذرية من حمل مع نوح ، وإسحاق ويعقوب من ذرية إبراهيم ، وزكريا ويحيى وعيسى وموسى وهارون وإسماعيل - على ما استظهرنا - من ذرية إسرائيل " (3).   ويقول الطبري : " والذي عنى به من ذرية إسرائيل : موسى وهارون وزكريا وعيسى وأمه مريم "(4).من خلال ما تقدم تبين لنا أن تفاسير المسلمين ذهبت إلى أن إسرائيل المذكور في كتاب الله هو يعقوب النبي وأن الشخص الذي ركب  سفينة نوح  - إسرائيل هو من ذرية إبراهيم الذي ركب سفينة نوح وهو ضمنا يعقوب النبي.

إذا وضعنا تفاسير المسلمين على بساط البحث سنجد ما يلي : إن السيد الطباطبائي يخبرنا أن يعقوب النبي وإسرائيل شخصان مختلفان لأن إبراهيم أبو الأنبياء فلا يمكن فصل الأنبياء عن بعضهم البعض من حيث ذرية الأب الجامع فإذا كان إسرائيل هو يعقوب النبي فذريته محصورة في أبنائه الإثناعشر فقط ، وزكريا ويحيى وعيسى وموسى هم من ذرية عمران النبي وإن كان النسب يرجع إلى أسباط يعقوب النبي ،حاليا ليس محل بحثي الآن ،بالنتيجة  أن يعقوب النبي غير إسرائيل كما سيتبين لنا لاحقا ، ناهيك أن  المفسرون استظهروا في التفسير هذه الآية كما عبر عنه السيد الطباطبائي ــ استظهرنا ــ وهي الكلمة التي يستعملها المفسر في تحويل الملكية إلى الغير، أي أخذ المفسرون ظاهر الآية واعتمدوا على الدلالة الفظية حسب الظاهر بتعبير آخر طالما  زكريا ويحيى وهارون بعثوا كأنبياء إلى بني إسرائيل فإنهم بلا أدنى شك هم  من ذرية يعقوب النبي  على اعتبار أن لقبه إسرائيل. 

ماذا  تقول التوراة عن مسمى إسرائيل ، كيف ظهر على مسرح التاريخ ؟  جاء في سفر التكوين (24:28):32  24 ، فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25  وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26 وَقَالَ : « أَطْلِقْنِي ، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ : «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27  فَقَالَ لَهُ : « مَا اسْمُكَ ؟ » فَقَالَ : « يَعْقُوبُ ». 28  فَقَالَ : «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ ». 

 إسرائيل كلمة عبرية مكونة من مقطعين هما ( أسر) وتعني المصارع أو الغالب و( إيل وتعني الله) ، أي أن الاسم معناه ( الذي غلب الله) ومن طبيعي جدا أن لا يكون يعقوب النبي يصارع الله ويتغلب عليه سبحانه وتعالى لأنه ليس مقبول عقلا كما ذهب إليه السيد الطباطبائي في تفسيره ، وهذا يدل أن اسم يعقوب الذي ذكر في القرآن الكريم هو اسمه الحقيقي ، وأن إسرائيل غير يعقوب النبي ، أنت إقرأ القرآن الكريم ستجد هناك  ذكراً لنبي يعقوب باسمه  وقد ذكر 16 مرة  " إذ حضر يعقوب الموت" البقرة -132، " ووصى إبراهيم وبنيه يعقوب " البقرة -133، " ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا" الأنعام – 84  

أما معنى إسرائيل عند المفسرين المسلمين تعني " عبدالله " إنما هو تصحيف عربي عندهم لأنهم اعتبروا إسرائيل هو يعقوب النبي فلا بد أن يكون المعنى يتناسب مع مكانة النبوة ، علما أن معنى يعقوب حسب القواميس العربية يعني " الذي يعقب الآخر أو يخلفه " والذي نفهم من هذا المعنى أن يعقوب النبي عقب أباه إسحاق النبي في ميراث النبوة وتفسير هذا المعنى أكثر دقة من " عبدالله " لأن البشر كلهم عباد الله ، وفي القواميس العبرية يعني "مصارع مع الله" أو "ماسك كعب القدم" وكلا المعنيين يشير إلى استخدام القوة. هنا نتساءل من هو إسرائيل الذي تصارع مع الله ؟ ولماذا رمت التوراة  بداء المصارعة على ظهر يعقوب النبي؟

جاء في كتاب الله آية (32) من سورة المائدة  "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ".   
هذه الآية جاءت في سياق جريمة  قتل قام بها أحد أبناء آدم  " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ"  " فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ". 

  المفسرين كصاحب الميزان قال:-  "أن القاتل هو أحد رجال  بني إسرائيل" ولكنه لم يذكر اسمه، والبعض ذهب أن اسمه  قابيل كالطبري ، وإذا تصفحنا كتب اليهود فإن هذا الاسم اُقْتُبِس من سفر التكوين 4:1، اسم قابيل في التوراة ليس قابيل ولكن قايين ، مجددا نجد أن اسم قابيل عند المفسرين هو تصحيف عربي.  إذن من قام بهذه الجناية من أبناء آدم قابيل أم غيره ؟  ركزوا معي على الجواب  :-

كشفت آثار مصر القديمة عن حادثة القتل في التاريخ ودونت في رسائل العمارنة التي اكتشفت في قصر أمنحوتب الرابع " أخناتون" واعتبرورها أسطورة ، والأسطورة هي شكل من أشكال الأدب القديم وتقليدي ثابتة نسبيا وتصاغ على شكل قصة حصلت في قديم الأزمان دون تحديد الزمن ولكنها حقيقة أزلية.  تدورهذه القصة كما جاء في موسوعة ويكيبيديا  حول جريمة قتل الإله (أوزوريس) قام قاتله وهو أخوه (ست) باغتصاب العرش  فأصبح ست إله الشر والعنف (4) ، غير أن (إيزيس) زوجة (أوزوريس) لم تستسلم  فذهبت سعيا وبحثا عن جثة زوجها  حتى عثرت عليه في جبيل ( ملاحظة : جبيل مدينة أثرية في قضاء جبيل في لبنان) ، ولكن (ست) أفلح في سرقة الجثة وقطعها ووزع أشلائها على أقاليم مصر، وطبقا لأسطورة أن الإله (جب إله الأرض) كان متزوجا من (آلهة السماء نوت) ، وأنجب منها أربعة أبناء هم (إيزيس وأوزوريس وست وأختهم نيفتيس) ، ولكن (ست) كان غيورا من (أوزوريس) وزوجته (إيزيس) والتي تعتبر إله الحب عند المصريين القدماء. 

هذه القصة متداولة عند المسلمين أن  قابيل أراد أن يتزوج بأخت هابيل وآدم أمر هابيل أن يقبل فرفض فطلب منهما أن يقربا قربان هكذا جاءت القصة في تاريخ الأمم والملوك للطبري والمفارقة بين القصتين إن هذه الغيرة حسب المصادر الإسلامية لم تكن منافسة على العرش كما جاء في المصادر مصر القديمة.

 وحسب هذه المعطيات فإن الحدث التاريخي من حيث الزمن والمكان له  نفس الخواص من حيث البعد التاريخي ومن حيث الحدث الموضوعي فلا يمكن اعتباره أسطورة ، لماذا ؟ لأن إذا فتشنا عن النسب في النقل التاريخي وأقصد به نسب (أوزوريس وست) لا يتناقض مع الحدث التاريخي من حيث النسب بين (هابيل وقابيل) ، علاوة على ذلك أن استخدام التفسير التاريخي للوثيقة سواء رسائل العمارنة أو سفر التكوين جاء مترابطا مع الحدث التاريخي والسرد التاريخي.

فإذا أخذنا الحدث في معناه الأول أي في رسائل العمارنة وأضفنا ما جاء في سفر التكوين الذي جاء بعد هذه الرسائل مع السرد التاريخي والتفسيري عند المسلمين فإننا ننزل هذا النسب منزلة الديمومة أن (اوزوريس وست) هم  أبناء آدم  وإن كان ضئيلا في كتب المسلمين كاختلاف في أصل التسمية ، أن أوزوريس هو هابيل ، وست هو قابيل ، وجب إله الأرض هو آدم ، ونوت إلهة السماء هي حواء ، وقبل أن أصل إلى الاستنتاج النهائي عن هوية إسرائيل الحقيقية ، أسجل هذه الملاحظة حسب ما تقدم أن إسرائيل غير يعقوب النبي ، فمن هو ؟ للحديث تتمة.   والحمد لله رب العالمين.
 

  المصادر:- 
1. تفسير الميزان – السيد طباطبائي – جزء 3 ص 345
 2. تفسير الطبري – حديث 7400 ، الطبري ، ص 62
3. تفسير الميزان – السيد الطباطبائي – جزء 14 ، ص 76
4. تفسير الطبري ، الطبري، ص 309


محتويات مشابهة
تابعنا على
الوقت الآن
الخميس 2025/1/9 توقيت مسقط
ابقى على تواصل
تصميم وتطوير