هناك جزئية لا بد أن نتطرق إليها ، والتي حاول الصهاينة التلاعب في تاريخها من أجل إثبات إرثهم التاريخي المزعوم في أرض الميعاد أو أرض إسرائيل ، فهم يفضلون تسميتها بأرض إسرائيل عوضا عن أرض فلسطين ، حتى اسم فلسطين لم يرق لهؤلاء الغزاة لما له من أهمية تاريخية وتراثية أكثر من أي بلد في العالم ، وذلك لأن الاسم دخل ضمن الصراع العربي – الإسرائيلي أو الصراع الإسلامي – الإسرائيلي.. سؤال : لماذا سميت أرض كنعان بفلسطين ؟ ركزوا معي على الجواب ؛ لأنه سيأخذنا إلى كشف كيف زُوِّرَت التوارة لصالح الصهاينة وفرض القراءة التوراتية المزورة.
عاش الكنعانيون ، وأقاموا حضارتهم وتركوا آثارا عمرانية عظيمة استدل الباحثون من رسائل العمارنة التي كتبت بالغة الكنعانية ، والتي انبثقت منها اللغة العبرية والفينيقية ، (ملاحظة : أرجو منكم أن تضعوا خطين تحت اللغة العبرية ؛ لأنني سأتحدث عنها بالتزامن مع الحديث عن السامية ).
ما هي قصة رسائل العمارنة ؟ هي مجموعة من الرسائل التي كتبت على ألواح من الطين بلغة أكادية اكتشفت في أرشيف قصر الملك أمنحوتب الرابع في تل العمارنة بمصر، وأمنحوتب الرابع هو الملك الذي اعتنق دين التوحيد على يد يوسف الصديق النبي ، فأصبح اسمه أخناتون " أخت آتون" أي " عبد آتون " بدل امنحوتب ، و" آتون" هو إله الشمس ومظهر للإله الذي لا إله غيره ، ويفيد نور " آتون" على جميع الخلائق غير أن عقيدة التوحيد كانت منذ عصر تحتمس الرابع أو امنحوتب الثاني ، وفعلها أمنحوتب الرابع "أخناتون".
وتفيد هذه الرسائل أن الحضارة الكنعانية امتدت من فلسطين ولبنان إلى سوريا كرأس شمرة مثلا ، وهي تعتبر من أهم المراكز الحضارية الكنعانية منذ النصف الأول من الألف الثانية ق.م . وفي أواخر القرن 12 ق.م بدأت الغزوات التي قامت بها القبائل الكريتية نسبة إلى جزيرة كريت عام 1225 ق.م والذين عرفوا "بالآجيين" وكانت قبيلة " بلست" ضمن هذه القبائل حيث بدأت هذه القبائل هجماتهم على سوريا ومصر، فهزمهم رمسيس الثالث ، ثم توجهوا نحو سواحل أرض كنعان حيث سمح لهم رمسيس الثالث البقاء فيها وتحديدا في يافا وغزة ، وعاشوا مع الكنعانيين ، وأطلق عليهم الكنعانيون بشعوب البحر، وعرفت الأراضي التي يسكنها الكنعانيون الداخلية والساحلية باسم " فلسطين" ومع مرور الزمن غلب اسم الكنعانيين على كل سكان أرض فلسطين ، فأصبح جميعهم كنعانيين.
هنا لنا وقفة مع هذا الحدث التاريخي الهام قبل الانتقال إلى حدث آخر لا يقل أهمية عنه وهو وصول أول الأنبياء إلى أرض فلسطين وهو " النبي إبرهيم الخليل ". أنتم تتذكرون مقولة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني المؤقت " أن الفلسطينين جاؤوا من جنوب أوروبا " هذه العقيدة تأسست عندهم منذ وُجود قبيلة " بلست " على سواحل أرض كنعان ، والذين هم أصلا سكان اليونان وقبرص وإيجة ، وعليه جاءت الموسوعة اليهودية لتقول لنا : -
"على الرغم من أن الأصول المحددة لكلمة " فلسطين " ظلت محل جدل لسنوات ، ولا تزال غير معروفة على وجه اليقين ، إلا أنه يعتقد أن الاسم مشتق من الكلمة المصرية والعبرية " بيليشت "، التي ظهرت في التناخ ما لا يقل عن 250 مرة " لتستدل على أن " الفلسطينيين كانوا شعبًا من شعوب بحر إيجه ، وكانوا أقرب إلى اليونانيين ، وليس لهم أي صلة عرقية أو لغوية أو تاريخية بالجزيرة العربية " (1).
هنا نتساءل لماذا يريد اليهود إلغاء تلك الحقبة من التاريخ في إثبات تسمية فلسطين بهذا الإسم ، وأن تسميتها جاءت من العبرية والمصرية ؟ ركزوا معي على الجواب رجاء. هذه الموسوعة قالت إن اسم "بلست" ظهر 250 مرة في التناخ ، ماذا يعني التناخ ؟ التناخ كلمة مركبة من ثلاثة أحرف كل حرف منها اسم لمجموعة من الكتب وهي " التوراة ، نفيئيم ، ختوفيم " تمثل الكتاب المقدس من هنا قالوا لماذا نركز على تسمية فلسطين بهذا الاسم لنسميها " أرض إسرائيل" على الأقل هو اسم تاريخي وديني في ذات الوقت وهو الاسم الآخر لنبي الله يعقوب لهذا عندما احتلوا أرض فلسطين طالبوا المجتمع الدولي بحذف اسم فلسطين من على خارطة العالم ليحل اسم دولة إسرائيل مكانها.
لا بأس تعالوا لنكتشف حقيقة دعواهم ونفكك النصوص ، وسنرى كيف زور اليهود التوراة.
أولا : يقول سامي يوسف (2) أن جنس " البلست " هو هندوأوروبي والتوارة تشير إليهم أنهم شعب الغلف غير مختنين ، وقد أخذوا الختان من مصر سفر صموئيل الأول : - 14:17: 6: 26:36:4:31. وأنهم كانوا يستخدمون أسلحة من الحديد.
ثانيا : يقول المؤرخ الإغريقي " فوكيديد " إن هذا الشعب يقصد به قبيلة " البلست " وصلوا إلى قوة استطاعوا بها أن يخضعوا مناطق شاسعة من بحر إيجة والأناضول وتركيا تحت حكمهم ، ثم تحركوا ليستوطنوا في أماكن أكثر خصوبة ، فتوجهوا نحو سوريا ومصر، وهزموا شر هزيمة على يد رمسيس الثالث ، فتراجعوا إلى سواحل فلسطين ، وأقر لهم فرعون مصر ليسكنوا سواحلها ليسد هجوم الفينيقيين عليه في عام 1180 ق. م وهكذا ظهر اسم فلسطين على مسرح تاريخ المنطقة.
بهذا يكون الفلسطينيون جاؤوا من جزيرة كريت وهي من أكبر الجزر اليونانية وخامس أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط . سؤال :- نصدقهم ؟ أكيد لا ، لماذا ؟ لأن العلم سيختلف إذا قرأنا التوراة كتاريخ ، وليس كنص ديني حيث جاء في سفر الخروج ، يتحدث عن المعارك بين رمسيس الثالث وقبيلة بلست : " يسمع الشعوب فيترتعدون تأخذ الرعدة سكان فلسطين حينئذ يُدهش أمراء أدوم أقويا موآب تأخذهم الرجفة يذوب جميع سكان كنعان "15:14:15"، إذن اسم فلسطين كان موجودا قبل خروج بني إسرائيل من مصر مع موسى كليم الله النبي ، وما ذهبت إليه الموسوعة اليهودية ليس صحيحا.
ثالثا : التوراة تقول " إن إبراهيم تزوج بالسيدة هاجر وهي مصرية ، وأنجب منها إسماعيل الذي سار على نهج أبيه ، وتزوج بمصر" سفر التكوين 21:21 ، ولكن المؤرخ هروشيوس كذب التوارة بكل جرأة ، وقال " وولد له من جاريته العملاقة ، وتزوج إسماعيل من العماليق ، فولدت له اثني عشر ولدا "، وهذا يعني أن السيدة هاجر لم تكن مصرية ، بل من قبيلة العماليق وكذلك زوجة نبي الله إسماعيل بعث إليهم وهي قبيلة من اليمن.
وهذا يحسم الأمر في دحض إفتراء نتنياهو والموسوعة اليهودية ، حيث ذكر المؤرخون أن نبي الله إبراهيم الخليل عندما هاجر من العراق من مدينة أور إلى أرض كنعان أنجب من زوجته السيدة سارة إسحاق النبي حيث تزوج إسحاق من " رفقه "، وأنجب منها يعقوب النبي كل هذا كان في زمن حكم الهكسوس في مصر الذين نقلوا شعبا بأكمله من بحر إيجة إلى سواحل فلسطين والكريتيين ليسوا السكان الأصليين في فلسطين ، بل هم شعب إيجة لهذا سمو عند الكنعانيين باسم شعوب البحر، ومنهم قبيلة " بلست " التي اشتق منها اسم فلسطين.
لأن الفارق الزمني بين حكم الهكسوس في مصر وحكم رمسيس الثالث كبير جدا ، فلو أخذنا حسب حسابات التوارة السبعونية أن بني إسرائيل عاشوا في مصر 255 عاما ، وليس 430 عاماً كما قالت التوراة المازورية، فيكون زمن خروجهم من مصر مع موسى كليم الله النبي حوالي 300 سنة وهو زمن فرعون مرنبتاح 1424 – 1214 ق.م ، فبتالي يكون الفلسطينيون قد حلوا أرض فلسطين قبل فرعون مرنبتاح بحوالي 200 سنة ، أي في سنة 1524 ق.م وهي ضمن زمن حكم الهكسوس قبل طردهم من مصر.. وكل هذا قبل خروج بني اسرائيل ، وذلك حين حل الجدب بأرض كنعان ، ورحل نبي الله يعقوب وأبنائه إلى مصر، حيث أسكنهم نبي الله يوسف في أرض منفس أو أرض جاسان كما في سفر التكوين.34:46، وبقوا في مصر مدة طويلة ، حتى جاء زمن نبي الله موسى الكليم وأخرجهم من مصر، ليبدأ فصل جديد في تاريخ بني إسرائيل.
من هنا نستنتج أن اسم فلسطين ليس عبرانيا أو مصريا كما يزعمون ، وإنما هو اسم مشتق من اسم قبيلة "بلست" كانت تسكن منطقة بحر إيجة وبسبب الصراعات مع حكم الهكسوس هُجِّرُوا إلى سواحل فلسطين قبل قدوم نبي الله إبراهيم الخليل إليها ، والحمد لله رب العالمين.
المصادر
1.الموسوعة اليهودية
2. سامي يوسف ، تاريخ فلسطين ، ص 59
3. أورسيوس ، تاريخ العالم ، ص 96